ميسيساجا

خاص- ثقافات

*ناصر ثابت 

في ميسيساجا الكندية أنت عالق بين البحيرة والثلج المتطاير كالفراشات الصغيرة البيضاء والغابات الممتدة على جوانب الطرق.
البحيرة تمنحك شارع هورينتاريو. تمشي عليه جيئة وذهاباً فتكتشف كل تفاصيل المدينة. من شرقها البسيط إلى غربها المليء بالمباهج.
أنت لا تحتاج إلى أكثر من هورينتاريو حتى تقود سيارتك إلى حيثُ تريدُ، وحتى تأكل وتشربَ القهوة، وتبحث عن منزلِ شقيقك وتجد لنفسك غابة من أشجار القيقب لكي تمشي معها ولكي تفتش عن وجه صديقك ناجح وهو ينتظرك في الموعد المحدد.
كل الأحداث تمرُّ من هورينتاريو. وكل الفراشات الصغيرة البيضاء تحلق فوقه وتحط عليه وتتزاوج وتختفي، بانتظار أسرابٍ أخرى ستولد من جديد.
وهو شارع طويلٌ جداً مثل حبل الكذب. وفيه ترى طفلة تخفي وجهها في صدر أمها وهي تنتظر والدها حتى ينتهي من عراكٍ نشب بينه وبين أحد المتطفلين. وحينها فقط تقول له: ضمني إلى حضنك يا أبي!
وفيه أيضاً ترى المطعم الإيراني الذي دخلته مرة، ووجدتَ نفسَك تواجه المزاج الحاد لصاحبته التي حاولت أن تلومَك على تأخرك، كأنك كنتَ على موعد معها نسيتَه وتأخرتَ، ولكنها رغم ذلك تصنع لك طبقاً شهياً وتأريخياً من اللحم المشوي والأرز تتحدث عنه عقداً كاملاً، وتعتذر لها لأنك لم تحترم موعدَك المزعوم معها!
في ميسيساجا كل شيءٍ يرقصُ حول شارع هورينتاريو الذي يدور حول نفسه، من نقطة انطلاقه: البحيرة. هنالك إوزٌ يرافقك أحياناً، وهناك منزل قديم جداً أمامه عربة خيلٍ قديمة أيضاً، يغطسان في حقل واسع من الأعشاب الجافة والأشجار العارية. تسألُ نفسك: هل هذه لوحة لفنان محترف لا يؤمن بالفن الحديث؟
يمرُّ نهر من بين الأشجار المتجردة من أوراقها، وفوق النهر جسرٌ يمشي عليه سلام وريان إلى مدرستهما القريبة. تتخيلُهما سيحملان هذه الرحلة الصباحية اليومية في ذاكرتهما الطفلة عقوداً طويلة. ربما يكتبان عنها وربما يرسمانها وربما لا هذا ولا ذاك. مجرد تدخلُ في أحد أحلامهما يوماً ما.
أما أنت فترسم كلَّ هذا على الورق لأنك لا تملك ذاكرةً ولا أملاً. أنت لا تملكُ إلا الكذبَ كما تقول عنكَ الأرضُ الجافة. تكتبُ عن المدن لأنك تتمنى ان تزورَك في أحلامك مثلما زرتَها انت في واقعها الخصوصي. كيف لك أن تحملَ ذلك بين كفين يسقطُ منهما كلُّ شيءٍ؟
كيف لك أن تفعَلَها؟ ألم تقلْ إن حبل الكذبِ طويل جداً، مثل شارع هورينتاريو؟

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *