*الترجمة عن الإسبانية: أحمد عبد اللطيف
1) تحمّسوا
أكتب ملاحظات، دون أي فارق، بالقلم الجاف أو بالقلم الرصاص. كلاهما أضعه بجانب الكمبيوتر، فوق كراسة مدرسية مسطرة. القلم الرصاص يحتاج إلى بري من حين لآخر، وهو ما يعتبر نشاطًا فنيًا يساعد على التأمل. لكن الفارق الواضح بينه وبين القلم الجاف طريقة كل منهما في النفاد. القلم الجاف لا يتغير شكله ولا حتى في حبره الأخير. القلم الجاف يخلّف جثًة مثيرة للفضول فلا يمكن لأحد أن يفكّر أنه ميت إلا عند ملاحظة أنه لا يخط، رغم أنه يُبعث عدة مرات فجأة ويخط خطين، بل وأحيانًا مقطعًا كاملًا، قبل أن يموت نهائيًا. يقاوم الناس التخلص من القلم الجاف الفارغ لأنه يستمر جديدا. إنه يُستهلك من الداخل فحسب، في النهاية، ودائمًا ما تبقى هذه الأقلام خادعة مثل وعاء فارغ. في المقابل، يحتضر القلم الرصاص من الداخل والخارج في نفس الوقت، مخلّفًا جثًة صغيرة، محض فتات يتخلص منه الواحد دون أدنى شعور بالذنب. نقطة ومن أول السطر.
تعطي لنا الطبيعة حالات مشابهة للقلم الجاف. هناك القوقعة، إنها تشيخ دون أي تجاعيد خارجية، دون أن تتغضن بأي شكل. دون الاضطرار لبريها من آن لآخر: القوقعة نفسها، بينما تعيش، تطل بقرونها على الشمس، وحين تموت لو عثرت على الصدفة في إناء أو في ثغرة بشجرة، ستحتفظ بها في جيبك وعند الوصول للبيت ستضعها بجانب أخواتها الميتة. لدينا شغف مثير تجاه القشور، من هنا يأتي شغفنا بالعلب، خاصة بالخزائن. ثمة أشخاص يجمعون علب الحلويات الفارغة، ما يشبه جمع الأقلام الجافة التي باتت بلا حبر، أقلام فائدتها أنها تكتب قصائد لا ترى الحياة، وفي أحيان كثيرة تكون أفضل القصائد.
رغم كل شيء، لعل الموقف الوجودي للقلم الرصاص هو الأكثر كرامة من موقف القلم الجاف، موقف السمكة أكثر من القوقعة، رغم أنها لا تخلّف قشرة تفيد الآثاريين. من الملائم أن نبري أنفسنا كل صباح، رغم الفزع من أن نرى أنفسنا ننفد يومًا وراء يوم. الصعب في بري أنفسنا هو معرفتك كم عليك أن تسن سنك لتكتب بوضوح كافٍ قبل أن تنفد من قبل أن تنهي الرواية أو الحياة. لكن ذلك مجرد تدريب على الوعي، أو ربما على الإدراك، وهو مفيد جدًا. فتحمّسوا.
2- الرب والشيطان
في فترة ما، كان أبي يمتلك حضانة اصطناعية في البيت. كانت عبارة عن صندوق خشبي بغطاء زجاجي، وكانت درجة الحرارة بداخلها ثابتة بفضل لمبات خاصة. ورغم أنه كان يسمح لنا بتأمل الجهاز من على مسافة محددة، إلا أن اللعبة كانت ملكه بكل وضوح لنا، الشيء نفسه بالنسبة للقطار الكهربائي. وفجأة، دخل البيت بقرطاس مليء بالبيض، وضعه بكل حيطة في الجهاز. أعتقد أن الكتاكيت كانت تولد بعد مرور ثلاثة أسابيع، وكان الانتظار مثيرًا. أتذكر أني كنت أختبئ في سطح البيت، مكان الحضانة، وكنت أقضي ساعات في تأمل تلك البيضات، محاولًا تخيل تفاعل المواد بداخلها حتى تنتج هذا الكائن المثير ذا الرجلين والمنقار، الذي برغم مألوفيته كان يتمتع بشيء فانتازي، شيء مثل منقار البطة.
حضرت في مناسبات كثيرة مولد الكتاكيت، وكان الإعلان عن ذلك عبر رجفة موجزة في البيضة. بعدها كانت القشرة تنشق بطفافة في نقطة ما وفي الحال يظهر الحيوان، الأصفر والرطب والحائر. أعجب ما في هذا المشهد العجيب كان وجه الحيوان المكسو بالحيرة. كان ينظر من جانب لجانب بتعبير من خرج من المترو، بالخطأ، في المريخ. الحضّانة ليست المكان الملائم للمجيء لهذا العالم.
– وهناك من لا يؤمن بوجود الرب – تقول أمي وهي تحاول أن تعطينا درسًا عمليًا في الدين.
وأنا لم أقل شيئًا، ففي البيت لم يكن حسنًا أن تزدري المظاهر اللاهوتية، لكني كنت أفكر أن كتاكيت الحضّانة لديها كل الأسباب لتكون ملحدة بكل معاني الكلمة. وربما كانت كذلك. الآن، بعد مشاهدة كيف تطورت الأمور بالنسبة لتلك الحيوانات البائسة المنتجة للديوكسين، ربما انتهى بها الأمر للإيمان بالشيطان. وهذا ما كانت أمي تقوله في أيامها الأخيرة، حين علمت بتطورات الهندسة الجينية:
– وهناك من لا يؤمن بوجود الشيطان.
3- ما تراه العين