مشاغلي اليومية!

خاص- ثقافات

*مرزوق الحلبي

أوظّب شجر الليمون وأعتني بالقوارير،

بمهارات اكتسبتها من شقيقتي،

وكنت ساعدها الأيمن في الاعتناء

بجنّة القوارير والزريعة في بيت طفولتنا.

كانت أمي ترقيني وأنا حامل أكبر القوارير

ولا تزال رقيتها معيّ

أنظّف أصابعي من الحبر

أفركها .. وأفركها مستعينا بكل ما هو مُتاح

مثلما كنتُ أفعل لأنزع عنها سواد

الجوز البلدي المفقوش

بحثا عن قلوبه البيضاء!

أنتقي مفردات أنيقة

تناسب عيد ميلاد صديقة

أو زفاف صديق،

مثلما كنتُ أنتقي أكبر أكواز الصنوبر

لابنة الجيران التي تهيأ لي ولها

أنها تحبّني!

أهتمّ عند كي القُمصان

بخط الأكمام،

أعالجها على مهل

مثلما كنتُ أفعل عند تغليف كتبي

بأغلفة تُرابية اللون حسب طلب معلمتي مُنى!

أعدّ الأوراق النقدية في حافظتي

وأعيد العدّ

استعدادا للحياة في ذاك اليوم

مثلما كنتُ أعدّ كمشة الكرات البلورية

استعدادا لمنازلة أولاد تسللوا إلى حارتنا

للعب.

أبدّل المصابيح

باحثا عن أكثرها ضوءًا

وأطولها عُمراً

مثلما كنتُ أبحث عن شمعةٍ مُثلى

لقناديل أيام العُشر

أقطف أكواز الرمان بشغف ظاهر

عن شجرات زرعتها بيديّ

مثلما كان وأنا ألتقط

اللوز الأخضر من شجرات الجيران.

أحاول سرقة فرح أغنية الصباح

لأبدأ به يومي

مثلما كنتُ أنقل

صابونة الراعي

من التلّة القريبة إلى حديقتنا

أتلهّى بركل الوقت ناحية الجدار

وأنتظر بسعادة دويّ ارتطامه

مثلما كان عندما

رميت الزجاجات الفارغة ناحية الصخور طمعًا

في صوت تشظيها

أداري فرحي باقتناء كتاب

وأشمّ عطر الحبر والورق الصقيل

مثلما فعلت حين أحضر لي والدي

نسخة من “المُنجد”

مِن مكتبة جنين

لا تزال إلى يسار مكتبي

أحاول أن أفهم، لماذا يلتقطون صورهم الشخصية

على خلفية من رفوف الكُتب

مثلما حاولت ولم أنجح

في فهم سبب التقاط بعضنا صور البعض

ويدانا على خاصرتينا

في وقفة التحدي!

أخوض في أرض لغة الغريب

أطارد فكرةً أرّقتني

مثلما كنتُ أطارد الفراش

في حقل قريب

أحبسه في زجاجة

ثم أطلق سراحه في نهاية النهار!

أداري السفيهَ وأحرق قلبي

أشدّ لساني إلى سقف حلقي

مثلما كان وأنا أداري صبيا

عنيدا يعطّل لهوَنا

فيركلُ الكرة بعيدا .. بعيدا!

أمتنع عمدا عن قراءة

مأ أرسلوه لي،

وأهرب من مكالماتهم، وفحْصِ البريدِ

مثلما كنتُ أهرب من

صوت أمي وهي تنوح.

أبحث عن لحظةِ شعرٍ،

لأهتف لها من كلّ قلبي

مثلما كنتُ أبحث عن شقائق النعمان

أو النرجس البريّ

وأركض كأني ألاقي ربي

أجلس إلى طاولتي،

أذرو أكوام الكلام

غير قادر على إخفاء متعتي،

كما كنتُ أفعلُ على البيدر،

أدرسُ ثم أذرو،

أدرسُ ثمّ أذرو.
_______
*شاعر فلسطيني

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *