*سيومي خليل
لكتَابة قصَّة عَليَّ أولاً أن ابتلعَ لسَاني ، فَهُو عُضو زائِد في مَجَال الأدب ، ثَانوي ،فَلم يَحدث يوما أن تحدث أديب يفكر فيِ مَشروع خَاص لمدد طَويلَة ،كُل ما يَفعله هو أَنْ يَترك للسانه حَق رد الفعل ، وحَتى حِين يَكون مَع رفيقته الثَّرثارة فإنَّه يَكتفي بقول ما كان يَقُوله لهَا وهُو بدون مَشروعه الخاص .
لكتَابة قصة علَيَّ ثَانيا أن أَكُون فَوضويا بامتيَاز ،ذِهني يَجب أَنْ يَكون عَاصفا بموجات تصعد ، تَنزل ، تَتَحرك يَمينا ، وشِمَالا ، عليه ان لا يَستقر عند شيء ، وأنْ لاَ يُتم فكرة إلى آخرها ، عَليه فقط أن يفجر ينابيع صغيرة ، وكَثيرة من الماء لا غير ، وفِي المُّقابل علي الهيئة المورفولوجية للأديب أنْ تَكون جامدة ، هادئة ، ومُطمئنة ، ليتيقن من يراه أن مَوجات من النسيم الهادئ تُحرك ذهنه، وكي يزداد الاعتقَاد بالكذبة الكُّبرى التي تَقول أنَّ الاُدباء مُطمئنون لذَا لهم وقتٌ للكتابة .
لكتَابة قصة علي ثالثا أن أَكون نِظاميا داخل فوضى ذهني ، أن أَكُون صَيادا ماهرا ، فَمن داخل كل هَذه الفوضى المزعجة ، لاَ بد للطريدة المنتظَرة أن تظهر ، لا بد للخيط الذي سَيقُودنا للمتاهة أَنْ يَبرز ،كُل ما عَليَّ فعله هو أن اتحَرك داخل فوضاي الذهنية كقط يتربص بحمَامة شَاردة ، يتحرك بثَبات ، ودون أَن يُثير حوله أي ضجة ، وحين تَكون الحمامة ، الفكرة ، بِداية القصة شاردة ، وغَير منتبهة إطلاَقَا لتربص القط بهَا ، عَليه أنْ ينط نَطة مفاجئة ، ورياضية ، لا تَسمح للحمامة بأي فرصة للهرب .
لكتَابة قصة علي رابعا ، وبعد أَنْ تَكون الحَمامة بين مخالب القط ، أَن أُدون تَفَاصيلها ، فكرتها العامة التي جَعلت القط ، وداخل كل فَوضى ذهني ، يَقتنصها هِي بالذَّات ، علي أن أُدونها فِي أَي شَيء ،في أوَراق بيضاء جميلة إن وُجدت ، أو في أوراق الحملة الإنتخَابية التي تَركها احدهم على طاولته بالمقهَى ، أو على اوراق كلينيكس ، أو على الأَوراق التي تقدم لنا بهَا كؤوس العصير … لكن ليس علي أن أُدون الحَمامة في ذهني ، فمازالت عواصفه تَتحرك وتذهب كل ما أمامها ، وتَأتي بأفكار آخرى ، ستضيع فِيها ، وبينها، الحَمامة إن ظَلت في الذهن .
لكتابة قصة علي خَامسا ، أن ابحث عن مكنسة نَفسية ،من المفروض أن أَكون قَد تمرست على المجيء بالمكنسة كلمَا أردتُهَا ،وَكلما أَردت تَنظيف ذهني ، عَلَّمت نَفسي كيف ، وفي لحظة مَا ،عَلي أنْ أَقوم بإيقاف العَاصفة في ذهني ،وإعَادة تَرتيب ما به ، وتَنظيفه من كل مخلفات أًََنصاف الأَفكار ، وأَشبَاه الأَفكار ، وبدايات القصص المبتذلة ، والمعاني المشوهة …المكنسة تَحتاج إلى دقة مَسك اليد النَّفسية لها ، وهَذا ما على الأَديب أَن يَقوم به .
لكتابة قصة علي سَادسا ، وبعد أن تكون المكنسة قامت بدورها ، وبعد حسَاب المدة التي احتاجت إليها المكنسة لطَرد العاصفة من الذهن ،أن أَقُوم بحمل الحمامة التي مازالت بين مخَالب القط ، إلى الذهن الصَّافي ،لتجد نفسها في مكان شَاسع ، وفارغ من كل شيء إلا منهَا ، ثم اتركها تَركض فيه آنَّى شَاءت ، وكَيف شاءت ، دون أَن أَقُوم بِشيء إلا بمراقبتها .
لكتَابة قصة علي سابعا ، وأَنَا أراقب تنقل الحمامة التي تخلى القط عنها ، لأنَّها فِي قَفص الذِّهن ، أن أتتبع خطوها ،واربُطَ بين كل خطوة وآخرى ، وبين كُل تَحليقة وآخرى ، بَاحثا عن العلاقات الممكنة بين كل هذه التحركات …
لكتَابة قصة يجب علي ،أن امسك خُطوات الحَمامة ،وَتحليقها بأصابعي ، سُلاَمية كل من الإبهام والسبابة ستعملان على إرباك الخَطو ، والتَّحليق كي يرتسم على الورقة …
حين لاَ تَكون القصة مناسبة ، وغَالبا ما لا تكون مناسبة ، سَأعول دائما على قَارئ دون المستوى ، ينبهر بما كتبته ، وهذا سيجعلنا غير فاقد للثقة في كتابة قصة ما جيدة …