تناصّ البياض

خاص- ثقافات

*د. سلطان الزغول

(إلى “بشار زرقان” شفيفاً)

-1-

حين يدع الناي حراسة الحنين يتوتّر.. يتوهّج..

يمضي في طريق البياض واللايقين

يعانق غيمَ تشرينَ المتّشحَ بزرقة شفيفة مغلّفة بالقلق

أيها النايُ أعنّي على الانتقال في طريق البياض الكثيف الذي لا أكاد أبين ملامحه..

فأرى أمل دنقل وهو لا يرى إلا البياض في الأشياء

وألمح درويش يحفر جدارية البياض

فأتكثّف لأخترق البياض بقلق وحنين تظللهما المحبة…

-2-

أسمع امرأة تنادي في البياض..

أرى اللاشيء أبيضَ

فأنا وحيدٌ في البياض

في الطريق إلى مدينة الموتى التي ارتسمت ملامحها

يتراجعُ المعراجُ في المسرى إلى اللاشيء

يعصرني الحنين إلى القتل القديم

ذلك القتل الذي لا يقطع الأشلاء والقطع التي كانت كيانات من البشر الحيارى

أحتارُ إذ أمضي إلى الرؤيا وحيداً من خطاي

فتهزّني كي أستفيق من العبور إلى البياض

وتشيلني الذكرى فأرفس في الحنين إلى دمشق ودرب غوطتها المعبأ أرجوانا

وتضمّني أمي قليلا خلف باب مشرع للريح

للثلج والأحلام

للمعنى يُعَنِّيني فأسقط في العناء

تنسى الدموع دروبها في روحي اللاتي تَمَزَّقُ في الدروب فتسقط وجنتي مني أحارُ..

من حيرة الكلمات تعرفني وأعرف درب غبطتها فأكتب..

أرض قصيدتي خضراء

عين حبيبتي بيضاء

والأغنيات تروح ثم تجيء باحثة عن العطش الذي لا ينتهي إلا ليبدأ

لا يبقى سوى الصحراء

لا يبقى سوى الصحراء

-3-

في الممرّ اللولبي لا يبقى سوى أن أكتب الذكرى لأقفز مطمئنا نحو عرش الأبيض الوهاج في لغة منمّشة بآثار الغرابة في حكايات العروج إلى السماء السابعة..

وآثار العبور إلى مدينة الأموات في لغتي

بحارة حولي ولا ميناء

والموت خلفي أو أمامي

من تحت رجلي صاعدٌ فيّ..

يا قلبي المسجّى للحروب

كم أنت يا حرب الحروب أليفة وشذيّة.. خضراء في عيني أمام الموت في بحر غريب لا يراني رغم أنّي فوقه وبجانب البحارة الـ.. وعدوا بأن أمضي إليّ…

وحبيبتي ظلّت

محبوسة في نغمة الناي الشذيّ على رُبى هضبات عجلون الغنية بالأغاني

لم ترتحل نحوي أنا أسعى لأركب في بياضي سنبلات الموت

وأركّب الكلمات في المعنى لكي تبكي على موت الأغاني في الدروب إلى الحكاية..

أي حكاياتي التي حَلُمت بأن تبقى.. تعالي كي نروح..

في رحلة الناي الشذيّ إلى مرابعنا البعيدة رغم قرب الروح من وجع الخريف..

في موته الموعود يحيا..

ويعود يكتبني على درب المحبة كائنا من زعتر جبليّ..

وأريدُ روحي في بياض الموت أن ترسو على ميناء شرقي قبّراتٍ أو حماما أو عصافيرَ الشذى..

تلك العصافير التي استمعت إلى ناي الرعاة الذابلين

في مرفأ القلب القديم..

أيا دمشق توضئي كي نكتب الورد الأليف على دروب الصالحين ونستفيق على الصباح بقبلة أو قهوة ترنو إلى نظراتك الحبلى بوعد الحبّ

يا حبَّ من ساروا إليك محبةً وتطهّروا كي يكتبوك قصيدة خضراء

كم مسّها ببياضه الموت الأليفُ ولم تمت أبدا ولكن…

لن تموت

* الأسطر الموضوعة بين هلالين هي تناصّات مع جدارية درويش.

إربد، تشرين الأول-تشرين الثاني 2016
____
*شاعر وناقد أردني

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *