خاص- ثقافات
*محمد بنقدور الوهراني
لكي تتهجى وصية الريح ،
خذ كتابك بقوة،
أخرج من داخلك نحوك
لكي لا تغرق في نصف كأسك
أو تتيه في يم هواك،
ضمد جراحك
وانفخ في رمادها
قد تجد جمرا يضيئ في سماك،
لا تخاطر برصيدك من الهوى
دثره بصدى رجاك،
أنثر كلماتك في السماء
فمن يحلم بالنهر
كمن يحلم بالريح
هو حتما، يمتزج بالهواء.
لكي تتهجى وصية الريح
لا تنثر النجوم في السماء
أتركها تلمع في الأرض
لكي يراها النمل
وهو يعبر نحو قمة الثلج
في عز الصيف،
أنثرها في سماء الروح
لكي تهتدي بها قوافل الكلام
المسمى صبابة،
إياك أن تحرس النجوم
أو تضمها بين كفيك وجفنيك،
انثرها مع الريح جهة القلب
حيث يقيم سلطان الحقيقة،
حيث لا تغيب شمس
ولا يأفل قمر.
لكي تتهجى وصية الريح،
لا تمش الهوينى
في اتجاه النهر،
إياك أن تقترب من حافته
أو تنام قرير العين
تحت دالية العناق
وتذكّر دائما أن السنين
مثلها مثل الريح
لا وقت لها للغناء
لا وقت لها للكشف
لا وقت لها للرثاء،
إياك أن تنام عطشان
تحت شجرة الصبر
أو قرب البئر
وتذكّر أن دَلْو الساقين
دائما يكون من قصب
والحبل من مَسَد الراحلين.
لكي تتهجى وصية الريح
لابد أن تزدحم، بينك
وبين الطريق، العبارة
ويتدفق بينكما الرماد
الممرات، الجمر، الأضداد،
حينها، ستكفيك منها
إمارة أو بشارة أو إشارة،
حينها، ستعرف
أن من يوقظُ الريح
من غفوتها ليس الطواحين
وليس الأشرعة وليس الفراشة،
أنت من ينفخ في روحها.
لكي تتهجى وصية الريح
إنتظر أن يفيض النهر
بالقرب منك
أو بجانب شجرة الصبر
ثم اسأله عن نكبة الورد،
عن خيبة السنابل،
عن فاكهة الصيف
وعطش الصباح،
عن وصية الريح
وعن برتقال الوطن الجريح.
لكي تتهجى وصية الريح
لا تصادقها، صدِّقها
دعها تَدْوي داخلك
بحرقة العفيف
حتى تصير صداك،
وابْك معها بصمت شفيق،
حظَّ الشمس مع الغروب
وغصة الورد مع الشوك والأريج ورؤاك،
دَعْها تتملّى في اصطفاف
سنابل عمرك الفارغة
علّها ترى الوارفات في سماك،
الريح دائما حُبلى بالأحوال،
بك وبسواك،
في آهاتها غنج القرنفلة
وفي دمعها داؤك ودواك.
لكي تتهجّى وصية الريح
بُح لنفسك بما صنعت يداك
لعلك حين ترقبها،
وهي تداعب حبات عمرك،
تختمر في نفسك
الظنونُ والعزائم،
هبها كل أسرارك وأوزارك
ولا تسألها، لا عن سكون الريح
ولا عن ينبوع الهزائم،
رتل لها ما تيسر من زوبعة هواك
عساها ترضى
فلا ترى في الوجود سواك.
لكي تتهجى وصية الريح
أكتب لها ما تيسر من الحسنات،
بالحصى عن غربة الأرض
وأحلام اليابسة،
بالرمل عن يباب أو سراب
لا ظل له ولا شيئ فيه إلا أنت،
بأوراق الشجر قصيدة للفراشة
تقاوم بها كآبة الشتاء،
بالطين رسائل حب للطيور المهاجرة
تدلها على أعشاشها
المعلقة بين قلبك والخريف،
أكتب للريح،
بالماء وبالنار وبالهواء
بلهفة أو بدهشة أو بالصبوات،
أكتب للريح،
أكتب لها عنك
ستعلمك كيف تتهجى اسمك الأصلي
بلا وجل
بلا خجل
بلا هفوات.
– [ ]