عن معهد الشارقة للتراث صدر العدد الثاني من مجلة “الموروث” التي تعنى بالتراث الثقافي العربي والعالمي وبالمقاربات النقدية والإسهامات البحثية والأكاديمية، حيث شارك في العدد العديد من الباحثين والمهتمين بالتراث من خلال دراسات ومقالات وتقرير حول ندوة وعرض كتاب من الكتب التراثية.
في افتتاحية العدد الذي كتبها رئيس تحرير المجلة تحت عنوان “رسالة الموروث” تحدث عبد العزيز المسلم عن تنويعات جديدة على أوتار قيثارة التراث باعتبارها تنويعات تطوف بلاد العرب من أقصاه إلى أقصاه لتستكشف روعة التراث مظهرة خفاياه ومستعرضة جمالياته. فيقول: “العدد الثاني من مجلة الموروث عدد غني، كالعدد الأول حسب تقييمنا، من خلال تلك المساهمات الجليلة التي رفدنا بها الباحثون والمختصون، وفي ضوء الدعم الحكومي الذي حصلت عليه مجلة الموروث من حكومة الشارقة بشكل عام، ومن خلال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يولي الثقافة والتراث الثقافي اهتماماً خاصاً ونوعياً”.
في باب الدراسات ساهم الباحث التونسي مصطفى الكيلاني بدراسة تحت عنوان “تمثلات الشخصية التونسية عبر عدد من أقوالها في أدب الأمثال” تطرق فيها إلى بيان الصلة بين الهوية التونسية والأمثال الشعبية، واشتغال المثل كملفوظ ناطق باسم المجموعة، عوداً إلى التاريخ والعادات والتقاليد بمقاربة أنتروبولوجية ثقافية اجتماعية، إضافة إلى مخاطبة هذه المجموعة لذاتها عبر الأفراد الناطقين بالأمثال، وأبرز صفات الشخصية التونسية كما تبدو الأقوال المَثَلية، وثوابتها ومتغيراتها القيمية والسلوكية. وساهم الباحث المصري محمد حسن عبد الحافظ في دراسته “فضاءات التناص: حكاية اليازية والعقيلي وحكايات السيرة الهلالية”، حيث عمل على اقتناص أدلة التناص والتعالق النصي بين الموتيفات أو الحوافز في الحكايتين معاً، فضلاً عما يمثله التعالق بينهما من تناصات، مع شبكة هائلة من عناصر التراث الشعبي الأدبي، والمأثور الشفهي العربيين. كما تنتخب دراسته هذه إحدى عشرة موتيفة مشتركة في خطاب الحكاية وخطاب السيرة، وهي: اسم العلم، المرض عشقاً، الرحلة الغرامية، وصايا الرحلة، بطولة الحيوان، العدد المتكرر، التشكيل اللوني، اللعبة الشعبية، المثل الشعبي، تقنية السرد الشعري، والزمكان المفتوح.
في دراسته “الأسود مهمشاً: قراءة ثقافية في السير الشعبية العربية” تحدث الباحث المصري خالد أبو الليل عن ثلاث سير شعبية عربية: سيرة الأميرة ذات الهمة، وسيرة عنترة بن شداد، وسيرة بني هلال، وهي السير الثلاث الوحيدة التي كان بطلها أسود، واقترن سواد لون البشرة بالعبودية والشك في النسب، حيث توقف عند الصورة التي تجلى بها الأسود بوصفه مهمشاً في هذه السير الشعبية… بينما تطرق الباحث المغربي عزيز العرباوي في دراسته “الخطاب الحجاجي في الأمثال الشعبية” إلى مقاربة موضوع المثل الشعبي من خلال تقريب مفهومه والتعريف به، ثم الحديث عن بعض خصائصه المتعددة، مروراً بالحديث عن حضور المرأة فيه واستحضارها كذات ناقصة وذليلة في أغلب الأمثال المغربية من دون إغفال المثل الأمازيغي الذي يمتاز بتنوعه موضوعياً وثقافياً، لينهي دراسته بمقاربة المثل حجاجياً من خلال نمطه التركيبي والمعرفي والابتذالي التحقيري. لينتهي باب الدراسات بدراسة للباحثة التونسية مريم خير الدين الغابري تحت عنوان “ما بقي من الحكاية” حيث تطرقت فيها إلى أهمية الموروث الشعبي بالاستناد إلى أصله اللغوي المنقول من المكتسبات والمنجزات من جيل سابق إلى جيل لاحق، في إطار وحدة الانتماء وضمن صيرورة ثقافة حياة الجماعة المجبولة على التناقل والتجدد حسب السياقات المتبدلة. فالتراث يشمل حسب الباحثة النماذج المصورة لحياة المجموعات في الماضي في شكليها المادي واللامادي، والتي تحفظها الذاكرة شواهد مادية وتعبيرات شفهية وفنية تعبر عن الهوية وتعتمد وسيطاً تربوياً تربط الأجيال اللاحقة بسابقاتها وتحملها قيم المجموعة وأحلامها…
في باب المقالات تناول الباحث الإماراتي ناصر حسين العبودي في مقالته “الفن الإسلامي وجهود الإمارات في إبرازه في المدن الحديثة” موضوع المدينة العربية الإسلامية التي اختفت ملامحها الأصلية، بتبني العمارة الغربية الأجنبية اليوم. ويدعو الكاتب، الحكومات والجهات الرسمية المعنية ودوائر التخطيط المرخصة للمباني الحديثة والجمعيات الأهلية والأفراد إلى استلهام عناصر العمارة العربية الإسلامية المتوفرة في المباني الأثرية والتاريخية ووضع التشريعات القانونية اللازمة لذلك. أما الباحث المغربي عبد اللطيف محفوظ فتناول في مقالته “آليات تمثل وتأويل الخطيبي الأدلة الشعبية” إظهار شكل تفكير عبد الكبير الخطيبي بأهم أجناس التعبير الشعبي الأيقوني ومنه الوشم أو اللفظي كالمثل، انطلاقاً من خلفية سيميائية ذريعية تقوم على إدراك العلامات في ذاتها، وفي علاقاتها بمختلف السياقات المناسبة لها، والتي تدمج إضافة إلى قصديات الذات كل الأنظمة الموسطة لفعل الإدراك المحايث والمتعالي. في حين تطرق الكاتب المغربي هشام بنشاوي في مقالته “تجليات البطولة في الأدب الشعبي” تيمة البطولة والشغف الإنساني المبكر بها بداية من التعبير عن البطولة في العالم الأرضي وتصويرها في العالم السماوي في أوساط الآلهة، كما تجلى في الأساطير القديمة، واهتمام العلماء في التحليل النفسي بالبطولة… أما الباحث المغربي محمد رمصيص فقد تحدث في مقالته “الحكاية الشعبية: البنية والدلالة” عن الحكاية الشعبية كجنس سردي متحرك بداياته البنيوية تأخذ عادة جملة نمطية “كان حتى كان” وتنتهي بجملة نمطية كذلك “ذهبت حكايتي مع الواد وبقين أنا مع الجواد” وبين البداية والنهاية يتأسس تطور مسار الحكاية الدرامي على السببية…
وفي باب الندوات كتب الباحث الأكاديمي الإماراتي عادل الكسادي تقريراً مفصلاً عن ندوة معهد الشارقة للتراث “صون التراث الثقافي” تطرق فيه إلى أغلب المحطات والمداخلات التي ساهمت فيها، والتي عرفت أربع جلسات تخللتها مداخلات متعددة وكلمات مختلفة للمنظمين والمساهمين، ومن بين التوصيات التي خرجت بها الندوة: تشجيع وتعزيز تدابير الصون في مجالات التراث الثقافي غير المادي، تبادل وتشاطر الخبرات والتجارب الناجحة في مجال صون التراث الثقافي، تعزيز إدماج التراث الثقافي غير المادي في المنظومة التعليمية، إدماجه في الحياة الاقتصادية من دون المساس بأهميته الاجتماعية والثقافية، تشجيع برامج توثيق التراث الثقافي غير المادي بوصفها من أنجح ممارسات الصون…
أما في باب عروض الكتب فقد تناول الكاتب الجزائري محمد حسين طلبي في عرضه لكتاب الباحث عمار السنجري “أخلاق وعادات الإماراتيين في كتابات الرحالة الغربيين” الصادر عن معهد الشارقة للتراث العديد من الأفكار والقضايا التي تطرق لها الكتاب المذكور حيث مرَّ على فصوله الأربعة بالتحليل والوصف والتعريف…
يذكر أن المجلة التي يرأس تحريرها الأستاذ عبد العزيز المسلم ويدير تحريرها الدكتور صالح هويدي تعد من المجلات الجديدة التي انضافت إلى مجلات عربية تهتم بالتراث الثقافي، لكنها تنفتح على الموروث الثقافي العربي والعالمي وبهذا يكون قد وضع المسؤولون عليها على عاتقهم إضافة مجال مهم وأساسي في الثقافة الإنسانية غير المادية التي تثري المجال الثقافي وتساهم فيه بالفكر والوعي الحضاري…