ليْسَ مِنْ أَوّلِ نظْرةٍ

خاص- ثقافات

*محيي الدين كانون

كان هادئاً ، يقبلُ على الأُمور بعفويةٍ ، يعيشُ الّلحظةَ بغيْر تعقيدٍ ،تصادفَ أنْ تشَاركا في العمَلِ ، هُوَ ساردٌ كبيرٌ متفوقٌ ،  يكْتِبُ في قالبٍ من الشّذراتِ ، لِكتابتهِ نكْهةٌ  مَنْ يسْكبُ الماءَ عَلى رُءووس قُرْائهِ فجاءةً ، أو يطْعِمُهم مذاقَ  حرّيفٍ لاذعٍ  ، يظَلُّ يلْسَعهم لليَوْم التالي . هِيَ رئيسةُ القِسْم ذاتَ تفوُّقِ كبيرٍ ، ارتفعَ سِهْمها الإبداعي عالياً في عالمٍ الشّعرِ والصوُّر القَلَميةِ البارعةِ .هِيَ نحْلةُ بينَ دبابيرٍ .

    فِي الضّفْةِ الأُخْرى مِنَ العالَمِ  …الأَيام تجْري في الأوْدِية والسّهول والمُدْنِ  والمساكن كالمجنونةِ لا تأبهْ لِمَا يحْدث  فيها ، ولا يهمُّها  الحاصلَ بيْن الغاباتِ والجِبالِ . ولا  الأنْهارَ  والحدائقَ وكذلكَ الأبراجَ  العاليةِ التي تتزينُ بها  المُدن  والعواصم  مِثْلَ هذه  المَدينةِ الصغيرةِ  التي يُحوّطُها   أربعةُ  أبراجٍ ،  أحدُها  بُرجُ الصّحافةِ  حيْثُ يَطّلُّ على حَديقةِ الاسْتقلالِ .

   في الدَوّر العاشرِ  من مكْتبها الزُّجاجي  الفسيحِ انطبعت تأثرا بشخصيتهِ الرّحبة غيْرِ المفتعلة ، وبأسلوب تفاعله البسيط مع العاملين ، هُوَ  يخْتلفُ  عنْ غَيْرِه منْ المُحيطين ، لا يتساقطُ أمامَ جمالِها وتفوُّقها المِهْني  ، كمَا يفْعل الكثيرون ، هِيَ تعودتْ على هذا القرْف اليومِي كمَا كانتْ  تسميُّه دائماً    . حينَ  يدْخَلُ  لمكْتبها يُصاب بحالةٍ من الوجومٍ  ، وعادةً ما يقِفُ لحظةً كالدَهْر مُتسمراً كعمُودِ زوايةِ أمامَ لوْحةٍ انطباعية مُعلقةٍ  فوقَ رأسِها يتأملها مثلما  الأبلْه  الشارد ، يفكُّ خُطوطَها وألوانَها ، ريْتما تُنْهي هِيَ قراءتها ( المهماز )  ثم  فجأة تنْتبه لحضورِه المُعلق  أمامَ مكْتبها كجن خرج لتوْهِه من الإبريق   .  تبتسمُ لَهُ ،  وتطْلَبُ مِنْه….ألاَّ يتأخرُ مرة أخْرى عنْ المِيعادِ …. معْنى ذلكَ  أنّ  المادّة قد أُوجيزت  ، عنْدَها يغادرُ ليختف لليَوْم التّالي إلى  حين موعدِ تسليمِ  عموده  اليومي .

  شهورٌ وقدْ أفردت له جريدة ( الاستقلال ) مكاناً من صفحتها العاشرة ، وكان التفكير جاريا بنقله للصفحة الأخيرةِ  ، فقط بانتظار تزكية من رئيسة القسم ، كان ذلك على أثر قرار من رئيس التحرير عُممَ  يومُ  أمسٍ بيْنَ ممْرات الجريدةِ .

 في يَومٍ خَرِيفي ….بدا مُشرقاً ثم غيَّم كُليَّا، وقدْ بدأت قطَرات ثقيلةً من المطْر الخريفي تَهْطِل على جبْهتِه العَريضة ممْا جعَله يجْري في باحةِ  بُرج الصحافةِ  بساقي  طائر الَّلقْلاق مُعرضاً نفْسه لضحِكَ بعضُ الصحفياتِ العابرات هُناكَ ، فلمْ يمْلك إِلاَّ أنْ ابْتسمَ لهُنَّ جَميعَهُنَّ حتى ظنّت كلُّ واحدةٍ مِنْهنَّ أنّها المقصودةُ بهذه الإبتسامةِ الصافيةِ . بعدَ قليلٍ وهُنَّ يصْعِدنَ للطابق الأول والمطْرُ مايزالُ  ينْهَمرُ مِدراراً كشَّلاَّلٍ عبْرَ ألواحِ المقْهى الزُّجَاجيّة ،  ظهرَ لهنَّ هو نفْسه صاحبُ الابتسامةِ الصافية كالشَّبْحِ ، يجالسُ  في  رُكنٍ قَصي الأستاذةَ رئيسة القسم ، لكنَّ انحسرت عنهن اللقْطة كمشْهدٍ سينمائي ،  وهُنَّ يعْبَرّنَ  الرَّدْهةَ لمكاتبِهِنَّ  ، وفي أثْناءِ ذلكَ صعَق البرْقُ ، وتشابكتْ خيوطُه النْيُونيّةُ البيضاء في سمَاءِ المدينةِ ، ولعْلعَ الرَّعْدُ مُزمجِراً .

– أنت مرشح للكتابةِ في الصفْحة الأخيرة ؟!

   لكنَّ ماذا يحْدثُ تحتَ السّطح قبلَ العبورِ للضفةِ الأُخْرى ؟!.. وماذا ينْجمُ عنْ تماسِ خطْين مسْرعين عند الأُفْق ؟! . كانت في المُدّةِ الأخِيرة تعْتصرها مشاعرُ متناقضةً . من جهةٍ أنَّه كانَ مُرشحا ليتولّى رئاسةَ القِسْم بديلا عنْها ، لكنَّ سُرعان ما تأكدتْ بحاسةٍ حيوانيةٍ دقيقةٍ من مصادرها التي لا تُخطيء أبداً ،  أنَّه مُجرّدُ تسريبِ (كيْدي )مدسوسٍ عرفتْ عرينَه ، و قتلتْه في منْبَتِه ودَفنتْه تحتَ  الأرْضِ خاصَّة عنْدما استلَمَتْ مُقترحَ قرارٍ بِمُوافقتِها على اسٍتكْتاب أو ترحيلِ زاوية ( المِهْماز ) للصفحةِ الأخيرة مع مُكافأة شهرية  جزيلة للكاتب .  صارت  زوايته علامة ذائعة  ليس للصفحة العاشرةِ  ، بل للجريدةِ بِرُمَّتِها ، ينْشُدها الخصوص مِنْ أهْلِ الثقافةِ والمغرمين بالأدَبِ ، وبشذْراتِه العميقةِ الساحرةِ الّتى تفْتحُ أخاديدَ الرُّوح وتحْدثُ فَرْقاً في قارئها لمْ يَكُن قبْلَ القراءةِ   .

لكنَّ  المسكين _ على نيّاتهِ __  لا يعْلم ، ولمْ يخطرْ له على بالٍ ، أنَّ تفوُّقِه يسببُ لها ازعاجاً وكدراً ، بلْ أحياناً يخْدِشُها ، أسوأُ بكثيرٍ من محاولةِ  التحرُّشِ  بها  في مكان عامٍ  سواءُ  بالتطاولِ عليْها بمَدّ اليدّ أو اللسانِ  ، يضايقُها شعورُ تعيشُه طيلةَ الأسْبوعِ بمكْتبِها وفي ممراتِ الصحيفة ممَّا تسْمعُه من إطراءِ  لزاويةِ (المهماز ) في هذا العددِ أو  ذاكَ ، وما تواتر عنْه من أثر  لمعةٍ  دقيقةٍ أو شَذْرةٍ كأنَّها سعفةُ ذهبيةٍ  أو ذرّةُ ذهبيةٍ  كانت مفقودةً  ثُمَّ فجأةً عُثِر عليْها  .. اشتهار هذا الزاوية ، وعُلوُّ صيْتِها يقضُّ مضْجعَها، وحُبُّ الكاتبُ المرفوع عنه الحِجاب ، ينالُ مِنْ روحِها  في مقْتِل قطعةً.. قطعةً ، وينْهش منْ هدوءِها المُعتاد كرئيسةٍ  عَزيزة لقسْم كبيرٍ  بمعيّتها مرءوسٍ  أكثرُ شهرةً وموهبةً منْها ،  يظَلُّ  (المِهْماز ) يلْسعُ ويُصيبها طِوال الدوامِ اليَومي بمثل حَرقان قَطَرات  زيتٍ مِغْليّةٍ قفزتْ من المِطْواةِ على ذراعِها الأبيض البض  فتركت بُثوراً جهنْميةً فاقعةً ، تحتاجُ لوقتٍ  طويلٍ حتَّى  يُشْفى مِنْها .

 – أُفضلُ لا أكتبْ في الصفحةِ الأَخيرةِ ؟!

وأضافَ لا مبالياً وهو يتأملُ شَلاَّلَ المطْرِ المُنْهَمِرِ على السّطوح والنوافذ الزُّجاجية  :

–  أُفضلُ  الكتابة فقطْ في الصفحةِ العاشرةِ !

–  لماذا ؟!

–  لا  أُفضلْ رئيساً آخرَ أتعاملُ معَه غيْرك ِ .

   شعْرت بالأَسَى والانْقباض  لهذا المَعتوه القاطنِ في الأَحيْاء القذرةِ   تسائلت ….  كيْف يُفكر مَنْ  يرْفض فرصةً ذهبيةً تأتيه مترنحةً بين يدَيِه ؟! حتّى لوْ  أشبعَ غُرورها إكراماً لها ولصفحتِها العاشرة ، كما فكرت بدهاءٍ أنثوي ناعمٍ جداً  وهِيَ لن تُفْلتَ الفرصةَ الذهبيةَ  الملقاةَ في طريقِها ، فبادرتْ  دهاءَها في الحالِ :

_ ما تكتُبْهُ قي الصفحة العاشرةِ لا يُناسبها !

_ ماذا تقصدين ؟!

_ اقترح أنْ تكتبَ  في  اليومي الّذي يمَسُّ حياةَ المواطنِ ؟!

 _  وما هو هذا اليومي ؟!

 _  غلاءُ الأسْعار وحوادث السْير …

_  لا أُفَضلْ أنْ أكتبَ في هكذا مواضيعِ !

رأتْ أنَّ الطَّبْعَ العنيدِ لا ينْثَني ، ولكن ينْكَسر بيسرٍ ، فقالت علي سبيلِ محاصرتِه وهِيَ تُخمّن في سذاجته التى ستحرمُه من دفع إِيجَار حُجرةٍ فوقَ السّطُوح  :

_   للأسف هذه  خطةُ الصحيفةِ الجديدةُ !

   نهضَ مبتسماً في هدوءِ ، ودونَ أن يكترثَ لعينيِها المدهوشتين ، ولا لنبالِها المنهمرة عليه ….قائلا :

_  لكنَّها لا توافقْ خِطتي !

أحسْت أنَّه مِنْ حَق الغُرورِ انْ يتكلمَ ويتبَاهى  ، ومنْ حقَّه أيضاً  أنْ يرْجعَ عنْ غيَّهِ ، ويتعافَى  بصدْمةِ  الواقعِ في لحظةٍ زمنيةِ عاجلةٍ لا محالةً ، غادرتْ الصَّالة  وهْيَ  سعيدةٌ ممتنةٌ لهذا الحدثِ . هكذا هِيَ تخلْصتْ من ندٍ لها في  قِسْمها  و رُبَّمَا مِنْ الصحيفة .

    الأيامُ أحياناً مثل الرّيحُ لا نعرفْ وِجْهتَها … في اليومين التالين غاب (المِهْمَاز ) مَكْسوراً  عن صفحاتِ الجريدة ، لا في الصفحةِ العاشرةِ ولا في الأخيرةِ ، تركَ فراغاً فاغراً … كابرتْ  رئيسةُ القسمِ في البداية بتَدَلَّهِ  ، لم تبال ، خمّنتْ  أنَّه سيعودُ وسيستأنف  زاويته  من جديدٍ  صاغراً  بالموضوعات المطلوبة منه  .

   طالتْ المُدّةُ …. الأسبوعُ الثالثِ ، الأسبوعُ الرابعِ …كثُر السؤالُ  اللحوحِ عن غيَاب الزاويةِ ،جاءَها مديرُ التحريرِ مستفسراً عن ( المهماز )   ، قالتْ له :

_ طلبت منه تنويعَ موضوعاتِه ….

ثم أضافت بوجّه يتكلّفُ الحِياد :

_  ومازلت أنتَظره ….!

أشاحَ  مُديرُ التحرير  بوجهه ناحية البابِ  وهْوَ يقول …  :

 _  خسارةٌ  للصحيفة ،  لقد أخطأتِ ….  يا آنسة !

   كأنّها استيقظت منْ نوْمٍ ثَقيلٍ  ، استحال  الوضعُ عنْدَها إلى إحساس  بالخطأ بدا ينْعَكس على إدارة الجريدة ، وليس على الصفحةِ العاشرةِ … شعرت بعْدَ قليلٍ للوْهلة الأولى بالذنب، أهتزت أرنبةَ أنْفِها بعصبية ، سوّت نظّارتَها ، وقدْ انكسر الوميضُ في عينين  صارتا مِثْلَ بُحيْرتيْن راكدتين ، سألت في داخلِها وهْيَ تهم بالجُلوس إلي مكتبِها الفسيح …. من  حقّ هذا المعْتوه  السؤالُ  عنْهُ … ولابُدَّ من معالجةِ حماقتهِ ، قبْلَ أنْ يستفْحلَ الأمرُ إلى ما لا يُحْمدْ عُقْباه ، ويطيرُ العُصفور من اليدِ .

  مرّ أسبوعان على طلب حضوره ، لم يأتِ ولم  يعتذر ، يا لقَسْوة  سُكَّان الضواحي قاطني الأحْياءِ القذرةِ،واتصلت برقْمِه مرتين ، ولم يردْ ، تذكرت أنَّها ذاتَ يومٍ  سألتْه عنْ عنوانِ سكَنِه ، وجاوبَها إِنَّه قادمُ من ضواحي العاصمةِ . أختار السكنَ في هذا الحي ؛ لأنَّ إيجَاره معقول بالقياس لمناطق  أخرى كبرج الصحافة وبرج (ويستن هوم) ..وأنَّ أُناس هذا الحي طيبون ، ليسوا بذاك السوءِ المشاعِ فحوادت الجريمة  نادرة جداً ، و الحيَّ  ليسَ مسبارُ للحالة الأمْنية في العاصمةِ  ،  تذكرت أنه في كل أحاديثه معها ، كان وقوراً محترماً ، لا يجْلس حتَّى يُؤذنَ له بالجلوسِ ، ولا يخرجْ حتَّى يستأذنَ ، كان قليلَ الكلامِ ، لا يتكَلّم فيما لا يعْنيه ، وعلى الرُّغمِ  من شُهرتِه وثقافتِه الواسعةِ غيْرَ مغْرورٍ ، بسيطُ ومتسامحُ معَ  مَنْ دونَه عِلماً أو أدَباً …  أحست أنَّها ظلمتْه حينَ أمّلتْ  عليه شروطاً    قاسيةً  بلْ وأذْنبت في حقّه ، وأهملتْ حقّ الجريدة لأسباب ذاتية أنانية … قرررتْ عازمةً أن تصلحَ الأمْرَ ، في أقْصى سرعةٍ ، وإنْ  تطلبَ  الذّهابَ إلي  حَيّه  ، في عُقْر داره .

   بدأت الزحمة ، كخلية النحل في ممرات صحيفة الاستقلال… …المكياج هذا الصباح ، لم يخف إرهاق العينين بعد ليلة مسهدة طويلة ، ومرتجعات الصحيفة زادت عن الحد الأحْمر بقليل ،  منشور عُمم على الأقسامِ  منذ دقائق … مع الفنجان الثاني استعادتْ حيويتها ، طَرق بابَها الحاجبُ لِيعلمَها  أنّ الغائبَ هلَّ وحضرَ … نهضت منْ كُرسيها كالمدعورةِ ، سوّتْ خُصْلةَ من شَعْرِها الكُستنائي بيَدٍ  مُرتعشةٍ متحفزةِ فوقَ جبينِها  ، وأَتجهت مُسْرعةً صوبَ البابِ   لاستقباله ، عادةً هِيَ لا تسْتقبل مرءوسيها عندَ البابِ ، لكنها ذُهِلت  ….وانبهرتْ إنها أمام هيئة أُخْرى لمْ تعرفْها فيه من قبل  ، أِناقة  رسْمية تامة  . وبِجرأةٍ تفرّست فيه جيداً ، حقيبةُ  يدُ جلديةُ صهباء اللون كقطةٍ صغيرةٍ  ، ثقةٌ وحضورٌ ،  ثُمَّ ابتسامة عذبة تشِعُّ   مِنْ وجْهٍ  نجَمْ من نجُوم السِينما  ، لا مِنْ  صَحَفي  بائسِ متهاونِ في عملِه .

  ظظظظأجلسته في صالة جانبية من الردهة للضيوف الكبار . كأنها تسحب معها طفلاً مشاكساً ، وهي لا تخْفي دهشتها بهذا الألق المبهر وهذا  التغير الفجائي .  أما هو فقد بدا واثقا ومهذبا كعادته لم يجلس حتى جلست ، لكنّه للمرة الأولي في مكتبها يكتشف هذه الحنية الجانبية المخصصة للضيوف ، عام ونيّف يوميا  يجيئها عدا الجُمًع كان يتسمّر  أمام مكتبها يتأمل في اللوحة المعلقة فوق رأسها ، لا تدعه يجلس أبدا …ها هي  اليوم تبالغ في ضيافته  مفسحة له مكانا  لم يكن  من ذي قبل ، قدمت فنجان  القهوة بعبق  ببخار   رائحة الهيل ، قدمته بيد مرتعشة وهي تقول بصوت منغم مرتفع قليلا :

_ لا تزعل  يا عّم …  لا عليك أن تكتب في الحوادث  أو غلاء المعيشة  …!

وضع حقيبته الجلدية  الأنيقة فوق المائدة الزجاجية  الصغيرة التي تتوسطهما ، وهو يقول باستعطاف :

_  صدقيني لا أجيد هذه الموضوعات …!

 وبفرح مشّبوب  قالت :

_ لا عليك…. أكتب كما يحلو لك …!

وبحزم  هاديء رخيم :

_ لا أستطيع في هذه الجريدة أبدا .

انْخضت كَأَنَّ صعقةَ كهربائية مسّتها مت خصلة رأسها الجميل المترنحة على جبهتها  إلي كعب حدائها العنّابي .أحس أن هناك شيء مريب وراءُ انتفاضها أراد أن يبدده قائلا :

_ أنت مدعوة من ضمن ثلاث لأن تكوني مديرة تحرير جريدة جديدة .

فغر فوُّها  فتبين له  صف نضيد من البياض وشفتان منفرجتان من الكرز ، قائلة باندهاش :

_  أيُّ  جريدة ؟!

_  جريدة سأرأس تحريرها !

 ولم تفق من دهشتها  بل شعرت بداوّر حتى أراها رسالة رسمية ممهورة من وكيل وزارة الثقافة .

 وبصوت مرتعشٍ ….

_ وما هي بقية الأسماء ؟!

_ الثاني  كاتب مشهور من الجيل السابق .

_  والثالث ؟!

 _  هو مديرك الفاضل ؟!

قالت بصوتٍ ثقيلٍ و كأنها تنوء بحملٍ كلمة ثقيلة تودُّ تسْريحها مع دمعةٍ حبيسةٍ تزغلل شاطيء عينيها  الواسعتين :

_    شكرا  وضعْتني بمكان لا استحقه !

 نهض في قامة لاعب السلة وهو يبتسم قائلا :

 _  وقتي نفذ …  انتظر ردّك في العاجل  .

 رمقها  بنظرة طويلة في عينيها المختبئتين وراء حاجب  البلور  الملون… جعلها  ترتبك فقالت …  :

 ـــ   ردّي  لن  يكونّ  …. من  النظرة الأُولى … !

 ابتسم لجُملتها الأخيرة، وهو يهمُّ للخروج ،وبصوت رُجُولي هامسٍ :

_  أنتِ دائماً ….  ليسَ مِنْ أنْصار  أوّلِ نظْرةٍ .

*  كاتب وأديب من ليبيا .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *