*عبدالله حبيب
1. حالة
كم هو بائس وجدير بالشفقة هذا المليونير
قولوا لي: ما الذي أفعل به:
إنه في أمسِّ الحاجة إلى مليون آخر.
2. عن أوراق أول مدرِّب أسلحة إنجليزي في المنطقة
خلال سنواته في فترة الجيش، كانوا يطلقون مفردة «مخزين» على مخزن الذخيرة في البندقية (وقد تكون هذه التسمية لا تزال مستمرة لغاية الآن). هو احتجَّ على هذه المفردة الخاطئة بصورة واضحة، وقال: «اسمه في العربية «مخزن» وليس «مخزين»: مخزن الأثاث في السوق، مخزن التأوهات في صدر مراهقة، مخزن الذخيرة في البندقية، مخزن الأمطار في الأحلام، مخزن القطارات في الصحراء، مخزن الليمون اليابس في ذاكرة الباطنة، مخزن الخيبات الغراميَّة في ذاكرة شاعر، مخزن الأخشاب في الغابة، مخزن البحار في مجذافي تَعُّوب الكحَّالي، مخزن قطع الغيار في الكراج، مخزن الخيانات في الثورات، مخزن الـ… إلخ». لكنهم أصروا إصرارًا استمرائيًا (واستمنائياً تقريباً) عجيباً غريباً، وقالوا: «كلا، إن اسمه «مخزين» وليس «مخزن»».
تمكن من شيء من الانجليزية في السنوات التي أعقبت ذلك، حيث عرف أن كلمة «magazine» («مَغَزِين» على وزن «مخزين») تعني أشياء كثيرة منها: «مخزن الذخيرة في بندقية»، «مخزن شريط التصوير في آلة تصوير سينمائية»، و« مَجَلَّة».
3.
(أ.) يتمٌ أول
قالت له بصوت خافت ورأسها مسترخِ على النصف الأيسر من صدره حيث تستمع إلى دقات قلبه: «كان يومًا وظيفيًا وعادياً للغاية كغيره من الأيام الروتينية، وكنت أقوم بتدريس طالباتي في الصف، ثم جاءت زميلتي، وهي أيضاً صديقتي، بوجه لا يخلو من الاكفهرار، وقالت لي: «المديرة تريدك الآن من فضلك». استغربت قليلاً، ولكني افترضتُ الخير فقلت لها: «بالتأكيد، سأذهب إليها بعد أن أفرغ من الحصة»؛ فإذا بها ترد: «لا يمكن الانتظار. إنها تريدك الآن»، فازداد تَطَيُّري، لكني ذهبت معها وهي صامتة إلى غرفة المديرة بحيث إنها كانت تتعمد السير وهي تغذُّ الخطى كمن يهرول تقريباً على نحوٍ لم أكن معه قادرة على محاذاتها كي أستفسر عن سر هذا الاستدعاء المفاجئ. كان معظم -إن لم يكن كل- زميلاتي واقفات هناك في مكتب المديرة بمحيا لم يبدُ طيبًا. احتضنتني إحداهن، بينما أمسكت اثنتان أخريتان بذراعي. قالت المديرة: «أنا آسفة جداً. لا أعرف ما الذي يمكنني قوله لك، لكن أبوك في رحمة الله».
سألها: «وماذا كانت ردة فعلك»؟.
ردَّت: «شعرت إني أصبت بالصمم فجأة، وسألتها: هل تقصدين أنني أصبحت يتيمة»؟.
(ب) يُتمٌ ثانٍ:
كم هو حزين
أمه ماتت
ولا يستطيع الاشتياق لأبيه.
4. مستقبل
طَرَق نيتشه على باب «الشيبة العود» بينما كان فرويد يصيخ السمع
حسن جداً: لقد ابتدأت المشكلة.
5. لزوم ما يلزم
يا نشرات الأخبار في القنوات الفضائية
أعترف أنك هزمتِني في شيء واحد فقط:
لقد شغَلْتِني عن أحوال العرب!.
6. مكابدة
«فيلمي يولد أولاً في رأسي، ويموت على الورق؛ إنه يُبعثُ من خلال الأشخاص الأحياء، والأشياء المادية الحقيقة التي استعملُ، والتي تُقْتَلُ في الفيلم، لكنها إن وُضِعَت بترتيب معين وسُلِّطَت على شاشة فإنها تعود إلى الحياة من جديد» (روبير بريسون، «ملاحظات في السينماتوغرافيا»، ترجمتي).
7. فُضُول
صدقيني
لم تعد أخبارك تهمني أبدًا.
8. بداية برسم الماضي التام
بين «اسم الشرط» و« جواب الشرط» يَكِرُّ الحل
وهم يفرِّون فقط.
9. هايبرماركت
يا إلهي
كل هذه الرفوف اللامعة المحملة بأجود أنواع (الغائط) القادم من مختلف أصقاع الأرض.
10.
(أ) ليس توسلاً
أيتها الأرضُ:
لا تعيشي فيَّ
ألا يكفي أنني أحيا في العالم؟.
(ب) فِرناندو ماجِلّان (تقريباً)
خارج رأسي
لا تدور الأرض.
11. تاريخ يجيء
هذا الذي صدأ لفرط الفقاعات، والمُنى، والمَنِيَّة
لم يكن في الأصل سيفًا.
12. أجنحة
يا من صنعتم حاملات للطائرات
لماذا لم تصنعوا حاملات «للفراشات كالتي في لحية والت ويتمَن»؟. (تنويع على لوركا).
13. فضيحة
لا تَبُح بسرِّك لأي أحد
الجميع يعلمونه أصلا:
«أَحَدٌ أَحَد» (بلال بن رباح).
14. فِطام
الساعة الوحيدة التي لا تجدي معها كل الذكريات هي الثالثة صباحًا.
15. نهاية غير سعيدة
أيها الكابوس
ما أقساك
لِمَ انتهيتَ حين كنت على وشك أن ألقي من على قمة الجبل الشاهق؟.
16. كالمستجير
لا يريد أن يكذب؛ وبذلك فإنه يقع في السذاجة (وهذا أسوأ من الكذب بكثير).
17. أُفق
حتى رِجلي لا تتسع للحافي
عفواً: قصدتُ أن لحافي لا يتسع لرجلي.
18. فساد
لا يزال في مقدوري التَّنفُّس.
19. أخبار سيئة
أيها السَّجان:
لن تبقى أنت
ولن يبقى السجين كذلك
سيحلُّ مكانه سجين آخر
يعلم جيداً من هو السَّجَّان القادم.
20. تاريخ
هذا الحصن
يتَّسِعُ لولاية كاملة.
21. عقوبة
المُثول أمام المحكة خيرٌ بكثير من حضور هذه الأمسية الشعرية.
22. إدمان
لا فائدة في الرفاق
لا فائدة في الأشجار
لا فائدة في الحياة
لا فائدة في الموت أيضاً
لا فائدة في الخمر أبداً
ولا في الأقراص المضادة للاكتئاب، والأقراص المنوِّمة، والأقراص المهدئة للأعصاب، الخ.
لا فائدة في الانتحار
ولا فائدة في الحب كذلك
«لا فائدة في الأدب. ينبغي الخروج من مزيد من الأدب» (كوكتو).
ولا فائدة في كتابة هذا أيضاً.
23. إيزابيل
كانت تبعث له رسائل غريبة: إما مكتوبة في نَفَسٍ واحدٍ ومكونة من خمس عشرة إلى عشرين صفحة، وإما أن تكون عملاً فنياً «كولاجيَّاً» بطريقة ما. وجد أحدها الليلة بالمصادفة وهو يبحث في كارتون قديم عن شيء آخر. إذاً، فقد وجد رسالتها التي هي عبارة عن شظايا من الزجاج ملصقة على ورقة بيضاء سميكة بعض الشيء تُمَثِّل تمثيلاً (بكل معاني الكلمة) برسم لوجه كافكا (هي التي كانت تضحك حتى وهي نائمة تقريباً). قرأها هنا بعد وصولها الأول المتأخر جداً بعد أن تاهت طريقها فوق المحيط الأطلسي بين ألمانيا، إلى بريطانيا، إلى أمريكا، إلى…. لكن، وعلى عكس «كولاجات» رسائليَّة أخرى تحمل اسم صاحبها، لم تكن هذه الرسالة/»الكولاج» تحمل اسم كافكا، بل اسم جوان باييز!.
«[…] والنبيذ أفضل ما لدى ألمانيا من أنبذة/ تَفَكُّراتي ساحت إلى ليلة مُجَمَّدة/ فرانكفورت يغطيها الثلج/ وهكذا كان رُكُوبُ ريح ثلجيَّة تَنَمُّلِيَّاً/ الأماكن تشتاق إلى أماكن تشتاق الذهاب/ أتذكرُّ الوردة الإيرلندية المعتمة […] كنت أعتقد إنني أريد الزواج به/ فقد نحت الرَّب وجهه/ كانت كلماته رقيقة وحقيقية بطريقة لم تحدث أبداً لأي أحد قبل ذلك أبداً/ وناعمة مثل الضباب الإيرلندي/ فضعنا في الضباب الإيرلندي/ أتذكر الصبي الذي من الدَّيْر/ والذي أراد أن يكون راهبا/ لكنهم أحضروا زهوراً ونبيذاً إلى غرفتي/ وقد سَكَرْنا بسعادة/ ثم ثَملَ كلانا بصورة مثاليَّة/ ضَحِكَ مثل جَرَسيَّة ناقوس فِضِّي/ وأصبحت عيناه زرقاوين زُرْقَةً اسكندريَّة/ […]/ اتَّخَذنا بعضنا البعض لأكثر من سنة/ على الرغم من انه لم يمكن الزواج منه/ لذلك اكتفينا بأن عِشْنا في إثْمٍ على الطريق […]/ لكني حقَّاً كتبت له أغنية […]/ لقد فرغت من احتساء قنينتي مما لدى أفضل ما لدى ألمانيا من أنبذة/ واختتمتُ ذكرياتي عن الماضي/ لقد كان ذلك الحب موجِعاً جداً» (جوان باييز، من أغنية «أغنية حب إلى غريب»، ترجمتي).
إيزابيل.
24. احترام
كان بُوْقَهم (ببعض الحياء). الآن أصبح مِنْهاقَهُم (بلا أدنى استحياء ولا خجل).
في نهاية المطاف، شكراً لكل من يتوصلون إلى نقطة يجب معها أن يكونوا صادقين مع أنفسهم، ومع الآخرين.
25. طريق
يحتاج إلى نعال جديدة
لأنه سيدخل السجن قريباً.
________
*جريدة عُمان
مرتبط
إقرأ أيضاً
نصوص*فيوليت أبو الجلدأزرق، من مخمل الشِعر،قلت لعينيه :هذا البحر دميوبكيت.***لما تراءَت له،سقطَت ثماره على نَصّها…
نصوص*عثمان بالنائلةخاص ( ثقافات )عبثاسمع طنين ذبابة. اِقشعرّ بدنه. أجال نظره داخل الغرفة. رآها تستقرّ…
نصوصمحمد مراد أباظةخاص ( ثقافات )(المرآة)لا.. لا تصدِّق..ذاكَ الطفلُ لم يهرمهيَ الأحزانُ أتعبَتْهُ قليلاًفتراءَتْ على…