في يونيو من عام 1948 نشرت مجلة ذي نيويوركر قصة «اليانصيب» لشيرلي جاكسن -وهي أمثولة مقبضة عن شعيرة رجم تقام في قرية تبدو عادية- قراء، فانزعج القراء كثيرا وتلقت المجلة من الرسائل ما لم تتلق مثله من قبل ردًّا على عمل قصصي. وبعد بضعة أشهر من ذلك، دخلت جاكسن المستشفى لتلد طفلها الثالث. وهنالك سألها الموظف عن مهنتها فقالت: «كاتبة». فقال سأكتب «ربة بيت».
نقرأ ذلك الآن فتقشعر أبداننا. فبين عام 1941 الذي شهد نشر قصتها الأولى في ذي نيوريببليك، وموتها المبكر بسكتة قلبية سنة 1965 عن 48 عاما، نشرت جاكسن ست روايات وعشرات القصص القصيرة التي تعد من أبقى الأدب وأكثره أصالة في عصرها. علاوة على «اليانصيب»- وهي إحدى أكثر القصص الأمريكية تواترا في الأنطولوجيات- حظيت لها أعمال أخرى باحتفاء عظيم مثل «فتنة منزل التل» (1959) و«طالما عشنا في القلعة» (1962) وهي من روائع الأدب القوطي على غرار هاوثورن و[إدجار آلن] بو. خلال حياتها، اشتهرت- قدر شهرتها برواياتها وقصصها- بأعمالها السيرية الرائجة التي كتبتها عن أسرتها الصاخبة المؤلفة من أربعة أطفال وأقفاص حيوانات أليفة وزوج هو ستانلي إدجار هايمان الناقد الأدبي وعضو هيئة تدريس كلية بينينتن. ومن هنا فإن اعتبارها في أي وقت «ربة بيت» يبدو اختزالا غبيا.
غير أن تقدير الموظف لم يكن مفتقرا كل الافتقار إلى الدقة. ففضلا عن كونها كاتبة تتمتع بالموهبة والدأب والطموح في حقبة لم تكن تألف بعد أن تجتمع لامرأة الحرفة والأسرة، كانت جاكسن أمَّا تحاول الحفاظ على مظهر إدارة بيت أمريكي عادي (ولو من أجل المادة التي يمدها بها للكتابة) مع إتاحة مجال لحياتها الإبداعية وسط وشيش الأسرة. وكان التوتر بين الدورين- وهو توتر داخلي وخارجي قائم على ما تتوقعه هي من نفسها وما يتوقعه منها زوجها وأسرتها وناشروها- هو الدافع إلى كتابتها. وهناك رسمة رسمتها في السنوات الأولى من مسيرتها المهنية كانت تبعث الارتياح في نفسها. رسمة لامرأة قوية العضلات، تبدو ناقمة، تجرُّ زوجها من شعره يوجد على مقربة زوج وزوجة ينظران في قلق، ويقول أحدهما: «واضح أنها تحاول الجمع بين الزواج والعمل».
تزوجت جاكسن في أغسطس من عام 1940، بعدما تخرجت هي وهايمان في جامعة سيراكوز. وتقدّم العمل ببطء. وشأن كثير من الكتاب الناشئين في زمانهما، أقام الاثنان بيتا في جرينتش فيلدج، وغرقا في مهن وضيعة. وبعد عودة مؤسفة إلى سيراكوز حيث أقاما لفترة فاشلة في كوخ ريفي بنيوهامشر، رجعا إلى المدينة قبيل ميلاد ابنهما الأول لورنس في أكتوبر 1942. وحصل هايمان على وظيفة ضمن هيئة تحرير ذي نيويوركر، وبقيت جاكسن تعاني أطول لعنة في حياتها المهنية. فبعد نشر قصتها الأولى في ديسمبر 1941، وهي قصة كوميدية مأخوذة من تجربتها في بيع الكتب في مايسي، لم تستطع أن تكتب شيئا آخر. وبينما كان هايمان مهتما بعروض الكتب والمواد القصيرة في صفحة «الرأي» بالمجلة، كانت هي ترسم أعمالا كاركاتيرية تصور مشاهد من حياتها وتحاول تسويق عدد قليل من القصص فلا تصادف النجاح في ذلك.
في الدوائر الأدبية التي كانت جاكسن وهايمان يتحركان فيها، لم يكن تكوين أسرة أمرا مألوفا. فحينما شوهدت ديانا تريلينج زوجة ليونيل تريلينج حبلى في حفل أقامته مجلة بارتيسان رفيو في عام 1948 اقتربت منها زوجة كاتب آخر وسألتها في ارتياب إن كان زوجها يسمح لها فعلا بإنجاب الطفل. تتذكر ميدج ديكتر التي كانت في الخمسينات صديقة لجاكسن وهايمان هي وزوجها نورمان بودهورتز رئيس تحرير مجلة كومنتاري المستقبلي أن «الرجال في ذلك الوقت كانوا هم الذين يحتاجون الرعاية… كانت متطلباتهم كثيرة». أحد رسومات جاكسن الكاريكاتيرية يظهر انصراف هايمان عن احتياجات زوجته الحبلى: تكافح هي عند الباب، بذراعين يحتضنان كيس بقالة ضخما، بينما يقول هايمان وهو جالس يقرأ نيويورك تايمز «تعرفين يا حبيبتي أن الطبيب نهاك عن حمل أي شيء ثقيل». وهناك كاريكاتير آخر تعليقه هو «رضعة السادسة مساء» ويصوِّر هايمان جالسا بجوار لورنس الطفل وقد ارتديا قميصين متطابقين وجلسا نفس الجلسة، وتقترب جاكسن حاملة صينية عليها زجاجتان إحداهما نبيذ والأخرى حليب.
لم يكن إنجاب الأطفال «جزءًا من الحياة البوهيمية» حسبما تقول ديكتر. ولكنها الحياة التي كانت تلائم جاكسن فطريا. ولو أنها كانت تناقشت مسبقا مع هايمان حول خططهما المتعلقة بأسرتهما، فلم يظهر أثر لذلك الحوار في رسائلهما ويومياتهما. والمدهش أن موقف هايمان من الأطفال كان رفع يديه عنهم، فقد كان الرجل يؤثر احتجاز نفسه مع آلته الكاتبة وراء باب مغلق. وكان يحلو له أن يقول «هاتيهم لي حينما يستطيعون القراءة والكتابة». وتقول جاكسن: إن تعريف لورنس للأب وهو في الثانية من العمر كان هو «الرجل الذي يجلس ليقرأ». ولم يكن هايمان في ذلك غريبا عن رجال زمنه، فقد كان بديهيا أن تتولى الأمهات مسؤولية رعاية الأطفال كاملة. ولعل دليل د. سبوك الشهير لرعاية الأطفال هو الذي أحدث ثورة في مواقف الأمريكيين من رعاية الأطفال عند نشره سنة 1946، لكن سطوره الأولى كانت موجهة للأم دون الأب «ثقي في نفسك، أنت تعرفين أكثر مما تتصورين».
لم تكن جاكسن تملك أن لا تكرر بعض الطرائق التي أنشأتها عليها والدتها سيدة مجتمع سان فرانسيسكو التي كانت توبخ بناتها إن تسلقن الأشجار وتحملهن على ارتداء مشابك الجوارب والأحذية عالية الكعوب وهن بعد مراهقات. غير أنها إلى حد بعيد كانت تجسيدا لمنهج سبوك الحدسي العفوي. كانت مصرة على أن تمنح أطفالها الأربعة تربية واقعية مبدعة محبة تختلف كل الاختلاف عن التربية الصارمة التي عرفتها هي في طفولتها.
فحينما كان لورنس يعاني الأرق وهو رضيع، كانت جاكسن تضع له تسجيلات موسيقية لتهدئه، وكانت تغني جميع أغنيات الأطفال، ابتداء من التهويدات التي كان والدها الإنجليزي يحبها وحتى أغنية «القتلة جراتان» الرهيبة التي ظهرت لاحقا في «فتنة منزل التل». وكانت متسامحة لدرجة إدخال أطفالها إلى أسرَّتهم ليلا وفي أيديهم حلوى أو كأس من صودا البرتقال، وكانت تبلغ من التساهل- أو شرود الذهن- حد الإهمال. فيحكي اثنان على الأقل من أطفالها عن قيام أحد الجيران بإرجاعهما من المدرسة بعد تسكعهما في القرية وحدهما. لما كبر لورنس بات مسموحا له أن يتجول حيثما يشاء، أما إخوته الأصغر سنا فلم يكن مسموحا لهم إلا بنطاق محدد حول البيت. وكانت جاكسن تجلس على كرسي في المطبخ لتراقب بقاءهم في الحيز الذي لا يفترض أن يتجاوزوه. «كانت تخشى أن نضيع منها» حسبما تتذكر سارة ثالث أبنائها.
وكان يحدث أن تتحلى جاكسن بالصرامة إذ تحكي صديقة لسارة برعب لم يزايلها عن حفلة اقتحمتها الكاتبة لتسكت بحدة ضحك البنات. لكنها أيضا كانت خفيفة الدم في تعاملها مع غلطات أبنائها. فذات مرة طلبت من لورنس- وكان في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة- أن يستحم فتمنع. فما كان من جاكسن إلا أن دخلت المطبخ ورجعت وفي يدها بيضة كسرتها على رأسه وقالت «أنت الآن بحاجة إلى أن تستحم». كما كانت تستمتع بالطقوس الصغيرة التي تمثل محركا للأسرة، فكانت تصعد كل ليلة، حتى لو كانت إحدى حفلات هايمان الأسطورية مقامة في البيت، لتمر على غرف أطفالها غرفة بعد غرفة لتقول للطفل «تصبح على خير».
كان لجاكسن دائما عقل خيالي بل سحري مليء بما كانت ترتجله من حكايات السحرة والأساطير والخرافات. أما هايمان- العقلاني دائما وأبدا- فلم يكن يصبر على ذلك الجانب من شخصيتها، ولا يتسامح مع أي إشارة دينية، ويوبخها على الإيمان بالأشباح. وأمام ذلك كانت تلوذ بأبنائها الذين أصبحوا عن طيب خاطر مشاركين في حياتها الفنتازية. فبعد أن رأت سارة سلسلة أحلام عن بلد خيالي، شجعتها جاكسن على أن ترسم خرائط له وتخترع له لغات مثلما فعلت هي نفسها ذات مرة مع أرضها الخيالية. ولما سأل لورنس ابن الثمانية أعوام أمه كيف ينفق عشرة سنتات، اقترحت عليه أن يعطيها لشجرة أمام بيتهم. فخرج على الفور وطلب من الشجرة بقيمة عشرة سنتات هواء. وفرح جاكسن حينما هب في تلك الليلة إعصار هائل. كتبت لوالديها تقول: إن «كل ما خلصنا إليه هو أن الهواء لا بد أن يكون رخيصا للغاية فنحصل على كل ذلك القدر منه مقابل عشرة سنتات».
في المقابل كان الأطفال يغذون خيال أمهم. كانت جاكسن المفتونة بتطور وعي الأطفال تراقب في سرور تطور عقول أبنائها. وكتبت في مقالة غير منشورة تصف دهشتها حينما سمعت لورنس وجوان يتكلمان عن ألوان الشفق، أو عن جلوس سارة إلى البيانو وإعلانها أنها سوف تؤلف مقطوعة تحاكي تماما هروب القطط على السلم. تلك المواقف كانت تمد جاكسن بمادة تعتمد عليها في مرات كثيرة لكتابة مقالاتها الكوميدية التي كانت تنشرها في المجلات النسائية طوال أواخر الأربعينيات والخمسينيات ثم جمعتها في كتبها السيرية. ولكن قدرتها على تقمص شخصيات أطفالها لتراهم على حقيقتهم كانت مهمة هي الأخرى لكتابتها. فلم تبدأ مسيرتها الكتابية في الاحتشاد إلا بعد أن أصبحت أما.
في رسالة إلى صديقة سنة 1943، ملأت جاكسن صفحات رسالتها بصور للورنس، واعترفت أنها لا تكتب إلا «قليلا للغاية هذه الأيام». ويظهر الطفل في الصورة المصاحبة وهو جالس فوق رأسها. تصور رسوماتها أيضا إحباطها من وقتها المحدود المتاح للكتابة، واستياءها من حرية هايمان بالمقارنة. في إحداها تمسك جاكسن الطفلة من كاحلها، وتكتشف أن زوجها ناعس في قيلولة. يقول «كتبت ثلاث فقرات مرة واحدة فأنهكتني»، وفي الخلفية تبرز الآلة الكاتبة.
في الوقت الذي بدا فيه أنه لا مجال للكتابة أمام جاكسن، وصل لورنس، ويبدو أن وصوله فتح أمامها عالم الإبداع، ففي غضون شهور قليلة من ميلاده ـ وهي الفترة التي ترتبك فيه أمهات كثيرة (وآباء) بسبب الحرمان من النوم- قبلت نيويوركر قصتين لها، فكان ذلك أول ظهور لها في المجلة المرموقة. وقد لا تكون مصادفة أن كلتا القصتين ركزتا على طفل. قصة «تفضل يا عزيزي ألفونس» المنشورة في أول 1943 تسخر من جهود أم بيضاء لإخفاء انزعاجها من رجوع ابنها الصغير إلى البيت برفقة صديق أسود. تقوم القصة على رؤية عنصرية الأم من منظور الطفل الأسود، وذلك ما لقيت عنه جاكسن ثناء صديقها [الروائي الأفروأمريكي] رالف إليسن ولو أنه مديح مرح نسبيا. في قصة «عصرا في لينين» صورة وحشية للقسوة المرحة التي تظهر في قدرة الأطفال على الانتقام، إذ تذل فتاة اسمها هارييت جدتها انتقاما منها لإرغامها إياها على قراءة الشعر لها بصوت عال. في كلتا القصتين تقدم جاكسن عالم الطفل لا عبر حجاب مكافآت النشر في مجلات المرأة المعتاد، بل بصراحة ودونما تجميل. تحكي لنا أعمال جاكسن أن الأطفال ليسوا أبرياء، فهم أنداد للكبار في اللؤم والقسوة. وهم في «اليانصيب» أول من يتجمعون في ميدان القرية لانتقاء «أنعم الحجارة وأكثرها استدارة»، حتى الصغيرة ديفي هاتشنسن تنضم إلى بقية أهل القرية لرجم أمها.
كانت جاكسن كثيرا ما تشكو من الجهد الذهني اللازم لكي تكون أما وكاتبة في آن واحد ـ ومن «نخسات أفكار» إنهاء الغسيل أو طهو الطعام التي غالبا ما تقاطع عملها الإبداعي. كانت تعمل على رواية وكتبت إلى أحد أصدقائها تقول إنها تتمنى لو تغلق على نفسها كهفا «لأربع ساعات متواصلة كل يوم، مع اختلاس دقيقة هنا أو هناك لكتابة الرسائل وإعداد الطعام». («ستأكلون اليوم مرة أخرى حساء الخضروات وستحبونه، فماما بدأت الفصل الثالث»). لكن كثيرا من الكتّاب ـ والكاتبات على وجه الخصوص ـ يتعلمون كيف يستمدون الطاقة من القيود. فأليس مونرو قالت إنها بدأت كتابة القصص القصيرة لعدم توافر وقت كاف لها وهي أم شابة لكتابة الروايات: «حينما تكونين مسؤولة عن إدارة بيت ورعاية أطفال صغار، لا سيما في أيام ما قبل الأقمطة الصناعية أو الغسالات الأوتوماتيكية، يصعب عليك توفير أوقات وفيرة».
كان العمل في ساعات ما بين حضانة الصباح والغداء، بينما رضيع يغفو، أو بعد أن ينام الأطفال، يستوجب انضباطا صار ملائما لجاكسن. كانت دائمة التفكير في القصص وهي تطهو أو تنظف أو تفعل أي شيء. قالت في إحدى محاضراتها «طوال الوقت وأنا أرتب الأسرَّة وأغسل الأطباق وأسوق إلى المدينة لشراء أحذية الباليه، أحكي لنفسي قصصا». فكان كثير من قصصها يكتمل حرفيا بحلول الوقت الذي يتاح لها فيه الجلوس إلى آلتها الكاتبة. حكت صديقتها كيت فورستر عن لعبها مونوبولي ذات مساء مع جاكسن وهايمان حينما انسحبت جاكسن فجأة من اللعب ودخلت إلى مكتبها ومضت تضرب بعنف على الآلة الكاتبة وفي أقل من ساعة كانت قد خرجت ومعها قصة بعثتها في الصباح التالي إلى وكيلها. وفكرة «اليانصيب» خطرت لها وهي في متجر البقالة مع ابنتها جوان وكانت في الثانية آنذاك. وبعدما رجعتا إلى البيت وضعت أكياس البقالة على المائدة ووضعت الطفلة في غرفة اللعب وكتبت القصة.
كان دور ربة البيت أيضا قد وفر لجاكسن غطاء جيدا. فانحناءً أمام قوة النمط، كانت تؤثر أن تقدِّم نفسها للصحفيين والنقاد ـ وكلهم تقريبا من الرجال ـ بوصفها ربة بيت سعيدة مجازة من المجلات النسائية تكتب قصصها في استراحاتها من التنفيض. قالت في حوار مع هارفي برين من ذي نيويورك تايمز بوك رفيو «لا أستطيع أن أقنع نفسي… أن الكتابة عمل أمين. خمسون في المائة من حياتي يذهب في تحميم الأطفال وإلباسهم وغسل الأطباق والثياب والتوضيب. وبعد أن أذهب بالجميع إلى أسرّتهم أنفرد بآلتي الكاتبة وأحاول، يعني، أن أخلق أشياء ملموسة من جديد». وكان هذا الدور ينجح نجاحا محققا في بعض الأحيان. ففي «سر المرأة» انتقدت بيتي فريدان بقصر نظر فادح جاكسن واعتبرتها جزءا من «فصيلة جديدة من الكاتبات» يكتبن عن أنفسهن كما لو كن «مجرد ربات بيوت» يضيعن وقتهن في «عالم الأطفال ومزاحهن والغسالات الغريبة واجتماعات مجالس الآباء».
ولئن كان لدى أحد أي شكوك إزاء مدى الصعوبة التي واجهتها جاكسن فأنتجت بعض كلاسيكيات الأدب مع تحقيقها ما نطلق عليه الآن «توازن الحياة والعمل» بدون أدنى دعم تقريبا من زوجها أو غيره، فينبغي أن تتبدد هذه الشكوك بالاطلاع على خطابات المعجبين التي كانت تتلقاها جاكسن من قرائها، وكان كثير منهم أمهات وكاتبات مبتدئات يطلبن النصيحة ويسألن مرارا وتكرارا عن مقدرة جاكسن على الجمع بين الكتابة ورعايتها أطفالها الأربعة، وهي ظاهرة كانت تحيِّر أيضا بعض صديقاتها. وكانت كثيرا ما ترد على تلك الرسائل بنصائح عملية مثل التخطيط قبل الجلوس للكتابة، وليس من المدهش كثيرا أنها كانت تنصحهن أحيانا بالإهمال في شغل البيت توفيرا للوقت. ولكنها كانت تبوح سرا بضيقها من هذا الكلام كله. فقد قالت مرة بعدما تساءلت ضيفة زارتها في عطلة أسبوعية عن قدرتها على أن تكون منتجة بهذا الشكل «إن هذا كلام لم أستطع أن أرد عليه قط».
ولقد استطاعت بالطبع أن تكون كذلك لأنه لم يكن أمامها طريق آخر. كانت بحاجة إلى الأطفال بقدر ما كانوا بحاجة إليها. كان خيالهم يبث الطاقة فيها، وروتينهم يضفي الاستقرار على حياتها. وأهم من ذلك كله أن وحشيتهم الطائشة كانت حاسمة في تشكيل رؤيتها للعالم. جاكسن لم تستطع أن تجد نفسها ككاتبة قبل أن تجد نفسها كأم، وما كانت لتصبح الكاتبة التي نعرفها لولا أطفالها.
نسخة محررة من مقطع في كتاب «Shirley Jackson: A Rather Haunted Life» الصادر في 2016 لروث فرانكلين.
نشرت هذه المادة في نيويورك مجازين