اَلْمُهَرِّبُ

خاص- ثقافات

خُوسِي ثُورِّيَّا*/ ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**

وَ هُوُ مُتَسَلِّقٌ الْجُرْفَ الْأَسْوَدَ

فِي الْجَبَلِ الْوَعْرِ،

 كَانَ الْمُهَرِّبُ الْإِسْبَّانِيُّ

يَمْتَطِي فَرَسًا أَنْدَلُسِيًّا.

كَانَ يَضَعُ الطَّبَنْجَةَ جَانِبَهُ،

وَ السِّكِّينَ فِي حِزَامِهِ،

وَ صَوْتُهُ الرُّجُولِيُّ

يَنْفُخُ دُخَّانَ السِّيجَارٍ إِلَى أَعْلَى.

***

“فَلْتُزَمْجِرِ الرِّيحُ فِي الْأَجْرَافِ،

وَلْتَشْتَعِلِ الْقِمَّةُ الْمُجَاوِرَةُ،

وَ لْتُكَسِّرِ الرِّيحُ الشَّمَالِيَّةُ الْعَنِيفَةُ

أَشْجَارَ الصَّنْوبَرِ الْقَوِيَّةَ.

أَنَا أَزْدَرِي غَضَبَهَا؛

وَ أَنَا وَحِيدٌ هَا هُنَا، بِمَنْأًى عَنِ الرِّجَالِ،

خَالٍ مِنْ كُلِّ حُزْنٍ أَوْ أَسَفٍ،

أُنْصِتُ إِلَى الْعَاصِفَةِ الْهَادِئَةِ

وَ أَتَغَنَّى بِحُبِّي

عَلَى زَمْجَرَةِ الرَّعْدِ”.

***

“شَفَقُ الصَّبَاحِ،

وَ بِتَفَاصِيلِهِ الْوَرْدِيَةِ،

يُذَكِّرُنِي بِفَتَاتِي الإِشبِيلِيَّةِ الْفَاتِنَةِ،

وَ بِأَلْوَانِهِ الْمُخْتَلِفَةِ،

يَرْسُمُ لِي

الْأَزْهَارَ الْجَمِيلَةَ

لِلْأَرْضِ الَّتِي وُلِدْتُ فِيهَا،

حُيْثُ ضَحِكْتُ بِبَرَاءَةٍ

حَيْثُ بَدَأْتُ أُحِبُّ

أَوَّلَ مَرَّةٍ”.

***

“عِنْدَمَا صَوَّتَتْ رَصَاصَةُ العَدُوِّ

خَائِفَةً قُرْبَ مَسَامِعِي،

انْبَطَحَ نَظِيرِي هَاتِفًا بِرُوحِ حَانِقَةٍ.

لَا يَهُمُّنِي فِي شَيْءٍ هَؤُلَاءِ الْمُنْتَقِمُونَ

بِمِئَةِ بُنْدُقِيَّةٍ قَاتِلَةٍ إِذْ هُمْ يُهَدِّدُونَنِي!

رُفْقَةَ رَفِيقِي الْعَرَبِي وَ بِمَهَارَتِي

أَتَغَنَّى لَهُمْ فِي أَوْقَاتِ الشِّدَّةِ

بِحُبِّي”.

***

“فَلْأُحِسَّ بِرَكْضِ الْعَرَبِيِّ الْمُتَحَمِّسِ،

وَ بِطَلْقَةِ الطَّبَنْجَةِ الْمُدَوِّيَّةِ

لِأَحَدِ رِفَاقِي،

وَ لْيَأْتِ خِيرَةُ الفُرْسَانِ الْمُنْتَصِرِينَ،

قَابِضِينَ الرٍّمَاحَ أَوِ الزِّمَامَ.

أَنَا بِمَنْأًى عَنِ الْخَوْفِ مِنْهُمُ،

سَأَتَغَنَّى حُرًّا وَ هَادِئًا بِحُبِّي”.

***

و عِنْدَمَا وَصَلَ التَّغَنِّي إِلَى هُنَا

وَ بَيْنَمَا المُهَرِّبُ كَانَ هَادِئًا،

فَإِذَا بِصَوْتٍ فَرَنْسِيَّ اللَّحْنِ

يَصِيحُ قُرْبَهُ “نار”.

مَرَّ فَوْقَ جَبِينِهِ

الرَّصَاصُ مُصَفِّرًا

وَ هَاجَمَهُ الدَّرَكَ قَائِلِينَ “اِسْتَسْلِمْ لِفَرَنْسَا!”

وَ عِنْدَهَا أَجَابَ “لَا يَسْتَسْلِمُ مَنْ ازْدَادُوا بِإِسْبَّانْيَا!”

فَأَفْرَغَ سَاعَتَهَا طَبَنْجِيَّتَهُ الْعَرِيضَةَ الْفَوَّاهَةِ

فِي الْقَائِدِ الْعَدُوِّ.

ثُمَّ سَقَطَ اثْنَانِ عَلَى الْأَرْضِ سُقُوطَ

الشُّجَيْرَةِ الَّتِي تَتَقَاذَفُهَا رِيَّاحُ الشَّمَالِ الْعَنِيفَةُ.

وَ إِثْرَهَا انْطَلَقَ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ وَ الْجَسُورُ

كَالسَّهْمِ فَوْقَ الصُّخُورِ كَيْ يَنْجُو.

وَ كَانَ هَذَا الإِسْبَّانِيُّ يُغَنِّي

بَعْدَمَا اخْتَفَى خَلْفَ الْجَبَلِ:

“أَحْيَا فِي جِبَالِ البِّيرِينِي،

بَيْنَمَا أَمُوتُ فِي غَرْنَاطَةَ”.

*القصيدة في الأصل الإسباني:

El contrabandista

Subiendo la negra roca
de embarazosa montaña,
contrabandista español
bridón andaluz cabalga.
Lleva el trabuco a su lado,
el cuchillo entre la faja,
y con el humo del puro
su voz varonil levanta.

“Que brame en la peña el viento,
que se arda el monte vecino,
que rompa el inhiesto pino
el aquilón violento.
Yo desprecio sus furores;
y aquí solo, sin señores,
de pesadumbres ajeno,
oigo el huracán sereno
y canto al crujir del trueno
mis amores,”

” El albor de la mañana,
en sus matices de rosa,
me trae la imagen graciosa
de mi maja sevillana,
y en sus variados colores
me pinta las lindas flores
del suelo donde nací,
donde inocente reí,
donde primero sentí
mis amores.”

” Cuando la enemiga bala
chilla medrosa a mi oído,
ya mi contrario caído
el alma rabioso exhala.
¡Qué me importan vengadores
cien fusiles matadores
que amenacen mi cabeza!
Con mi Moro  y mi destreza
yo les canto en la maleza
mis amores.”

” Sienta yo el pujante brío
del galope de mi Moro ,
y el trabucazo sonoro
de algún compañero mío;
y que vengan triunfadores
los caballeros mejores
que empuñaron lanza ó freno.
Yo de temerles ajeno
cantaré libre y sereno
mis amores.”

Tranquilo el contrabandista
aquí el canto llegaba,
cuando un acento francés
“¡Fuego !” a su lado gritaba.
Sobre su frente pasaron
con ruido silbar las balas,
y gendarmes le acometen
diciendo ” ¡Ríndete a Francia!”
Y entonces él  ” No se rinden
los que nacen en España”,
y contra el jefe enemigo
su ancho trabuco descarga.
Cayeron dos, como arbusto
que el cierzo en pos arrebata.
En impetuosa carrera
el bruto gallardo arranca;
y por sobre los peñascos
que en rápida fuga salva,
cantando va el español
al trasponer la montaña:
” Vivir en los Pirineos,
pero morir en Granada.”

*شاعر وكاتب مسرحي إسباني، وُلد في بلد الوليد في 21 فبراير عام 1817 . بدأ حياته الأدبية من خلال قراءة أبيات شعرية في جنازة الكاتب ماريانو خوسيه دي لارا، وبها نال شهرة كبيرة. تزوج من أرملة تكبره بحوالي ستة عشر عامًا، وفشل هذا الزواج وهرب منها وذهب إلى فرنسا، ثم إلى المكسيك عام 1855 حيث عينه الإمبراطور ماكسيميليان مديرًا للمسرح الوطني. عاد متحمسًا إلى إسبانيا عام 1866، وتزوج مرة ثانية. وبسبب المتاعب المادية، لم يكن أمامه خيار آخر إلا بيع أعماله مثل  “ضون خوان تينوريو“. وقد منحت له المحاكم معاشًا عام 1886. كان إنتاجه الأدبي غزيرًا، حيث بلغت أشعاره أوجها مع الأساطير، وهي أعمال أدبية صغيرة يحكيها في صورة أبيات شعرية. وتوفي في مدريد عام 23 يناير عام 1893. هناك ثلاثة عناصر هامة في فهم توجه أدب خوسي ثوريا. في المقام الأول، تظهر علاقته مع والده المستبد والحاد، والذي رفض بشكل منهجي محبة ابنه، رافضًا أن يغفر له أخطاءه الشبابية. وقال ثوريا في “ذكريات الزمن القديم” أن والده لم يكن له مكان بين أبياته الشعرية ولا في سلوكه الذي كان وحده يمسك بمفتاحه. وفي المقام الثاني، كان يحب إبراز مزاجه الخاص المثير، الذي كان يجذبه تجاه السيدات، حيث تزوج مرتين، وكانت لع علاقة حب مع ابنة عمه، وبعض قصص الحب في باريس والمكسيك، والتي كانت تعطي انطباعًا على أنه كان يسير في طريق بطل عمله “ضون خوان”. وشكل الحب ركنًا أساسيًا في إنتاجه الأدبي كاملًا. وفي المقام الثالث، كانت صحته حيث عانى من الهلوسة و الهذيان من شدة التخييل فكاد يجن إلى أن أصيب بورم في المخ. (نقلا عن ويكيبيديا بتصرف).

______________

**كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء – المغرب.

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *