ريح الغواية

خاص- ثقافات
*فضيلة معيرش

الجزء الأول
كثيرًا ما ألقتْ بجَسدِها بجوارهِ علَى الأريْكةِ الأرجُوانِية التي اقْتنتْها مَع زَوجِها الصادق ذاتَ تفَاهُم . ما كانتْ تعْنِيها النظَرات الفضُولية للْجِيرانِ وهي تسْتقبلُه وقتَ الغذاء بلِذة غامضَة تسْتدْعِيه ، فَهو زمِيلُها ورئِيسُها في العَمل ، تَقِفُ مَعه فِي شُرفَة مكشوفة الأحاسِيْس إلا مِنْ نبْضِه وهو يَسرد ُعليْها أخْبار َالمُعجبات ونِيته الخالِصة فِي الارْتِبَاط بها إنْ هي انفَصلتْ عَن زَوجِها .

في المَساءِ حيْن عَودةِ الصادق تُغْدقُ علَيه من التَرحِيبِ ما يُبهجٌه : يومُك كان شاقاً، سفركَ بالشاحنةِ للاسترزاقِ مضنٍ ما كانتْ تروقُها انتقَادَات أهْله ووشْوشَات الجيرانِ وهي عَائِدة مِن عَملِها حِينَ أرادَ زوْجُها تَطهِيْر سُمْعَته مِنْ خُبْثِها أخَذهَا للعَيْشِ مرةً ثانِية مَع أهْلِه ، شَاطَرتْهُم العَدَاء بَقي الصادق وحْدَه وسَط شَارع الشك ، خاصة حِيْن تَذكَر أنهَا دائماً تُوصلِه إِلَى مُنتصَف المُعاناة راجياً الشفاءَ مِنها تارةً وتارة يكذب ظنهُ فيْها …فهِي لمْ تنْجبْ لهُ رغمَ السنواتِ السبع التي مضتْ .

كانَتْ كل مَساء تسْتقِبله وهي تحترفُ المسكنةَ ، وحينَ ارتفعَ صـــــــــوتُ عتابهُم قررَ الاستقلالَ بها مرةً أخرى. ذاتَ صباح هَاتفَها لتُرافقُه في نزهَة لإحدَى المدُن الساحِلية …أجابتْ مازِحة : وهلْ ترفَض دعــوَة رئِيسي في العَمل ، وقدْ تذكرتْ أن زوجها يرتَدي ثقَتــــــه بها وهي كعَادتها ترتَدي المُراوغة والتضْلِيل …أخبَرتْه وهِي تجَاوِره في السيارة بِخُبث : أنتَ تتــــــربعُ علَى عَرش قلْبي أمين .

رد بِغرور : انتصاراتِي في عالمِ الغواية تشْهدُ لي . في إحْدى المُنعرجات وهي تطربُ لأغنية شبابِية ، رفعَتْ نظرهَا لتجِدَ شاحِنةَ الصادق ملْء عينيْها ، رمقَها على عجَل بنظْرة صامِتة حزِينَـــة اسْتدارتْ للْوَراء لتَخلَع فرْحتها وتَرتَدي دهْشتها …كان دخانُ الشاحنة يحْجبُ الفَضاء…

الجزء الثاني

كان شاهرا غضبه وتذمره … شاحنته تشق الأرض دون هوادة وكأنّه أراد الموت ميتة جندي في ساحة المعركة .

وصل البيت أدار المفتاح تمــدّد على سرير المعاناة ، تماهـت ضحكاتها المعهودة إليه حاصره عطرها المنبعـــــث من زوايا البيت وصدى صوتها . تذكر أنّه يريد أنْ يلفظها ليستريح منها . تلك المأساة التّي كانت بعيدة عنه يسمعها من أصدقائه على سبيل التنكت . ها هي تحدث معه ، تنهد ملء وجعه وعزم على إتمام مراسيم الفراق . هي كانت تتنفس تحت ركام الخيبة . دخلت بيت أهلها طلبت مسكن وفنجان قهوة مرّ من أختها نوار. خاطبتها أمّها دون مبالاة : تعودين بوجه لا أعرفه . تنهدت في سرّها و قالت : قولي متعدد الخيبات ، منكشف النوايا واستطردت : أوصلني رئيسي في العمل أمين .

ردّت أمّها مزهوة : وذاك العقيم الذّي بدون نفع أين تركته ..؟. تحرك إحساسها بالذنب وهي تقول : صادفنا في طريقنا لبجاية …يبدو أنّه فهم كلّ شيىء .

اكتفت أمّها بالنظر لطرف بوحها وردّت بشيء من السخرية : وأخيرا قد يرفع قضية طلاق ونرتاح منه. بعد أسابيع وصلها استدعاء من المحكمة . كان صوت الفراق يضيق به ، وصوت الزهو يتسع بها وبأمّها المحتفية علنا بانفصال ابنتها على حدّ قولها : لم تر معه إلا النكد . في المحكمة كانت خطاه ترسم صورة لخذلان القدر.

سأله القاضي عن قراره النهائي ردّ دون النبش في الأسئلة : اتفقنا سيدي القاضي . اكفهرت أوهامه أمام تضليلها وهو الذي كان مأخوذا بجبروتها ، أدرك تغيرها من خلال لباسها الفاخر ، أحس حينها أنّها عاودت إطللاق رصاصتين عليه، رصاصة على كبريائه ورصاصة على ثقته ، لمْ يشأ فتح غرفة أخطائها علاناً . أجابت دون النظر إليه في شبه همس مؤيدة قراره : اتفقنا سيدي القاضي بنبرة عارية من الحياء وصله صـــوت أمّها : خطيبك أمين ينتظرنا في الخارج دون النظر إليهما غادر المكان … دون أن يغادره خبثها .
_______
*قاصة جزائرية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *