*محمد عبد الوصي
تعمل الفنانة الفرنسية بربارا فريدمان(*) على فن الأداء ( performance) منذ العام 2010 مستخدمةً الشريط الأحمر في أكثر من مكان، في الساحات العامة والشوارع لتعرض خطابها في ضوء استعمال أدوات وعلامات مختلفة في العروض الفنية، متطرقةً إلى مواضيع العبودية الاجتماعية، العلاقات السادية، والجندر، وما يتعلق به من قيود وغموض، وكذلك المسائل المتعلقة بالشخصيات المزدوجة والهوية وصورة المرأة.
هذا العمل المضني لمواجهة المجتمع ومشاكله بشكل مستمر، مرَّة على انفراد وأُخرى مع زميلتها (Gilivanka KEDZIOR) لكشف الأقنعة والوصول إلى الهدف باستخدام الشريط الأحمر كدالٍّ مُنفتح على حركة الجسد والتواصل مع الآخر. معها هذا الحوار.
– ما الأداء بالنسبة إليكِ؟ كيف يمكن التعبير من خلاله؟
*من وجهة نظري وفي المنطقة التي نعيش فيها من العالم، نشهد طمس أو امّحاء الإنسان كمادة جسدية محسوسة أو ملموسة واضحة، السياسات الاقتصادية والاجتماعية العالمية في الحقب الأخيرة للزمن أو أكثر، أوصلتنا للعيش في مجتمع الصورة، الإسقاط، الإحساس بأن تكون شاهداً على الاختناق والقمع. الأداء في البدء كان وسيلةً للتواجد في الحدث، للتواجد الحقيقي والخروج من رفاهية الجسد، الأداء فُرِض علينا، هو الوجود بالحدث جسدياً، وهذا يجعلنا شاهدين ومشاهدين ومشاركين أيضاً.
فعل الأداء هو إمكانية امتصاص مباشرة لردّ فعل المشاهدين، نحن نهتم بشكل كبير بالأداء الذي يفرض مشاركة المتلقي، وما يهمنا بعد ذلك هو التفاعل مع الجمهور، والهدف من هذه الممارسة هو جعل مساحة التواصل واللقاء استثنائية. اليوم، على سبيل المثال، نجد القسم الأكبر من عملنا مستنداً إلى فكرة علاقتنا بالآخر، وطريقة اللقاء به والتواجد معه، ووضع الجسد وسط الجمهور هو المحكّ والدليل على قابلية وجودنا الحقيقي من دون وسائط إلكترونية أو ميديا.
– هل يمثل الأداء هوية ثقافية لمكان معين؟ هل تختلف خصائصه من منطقة الى أخرى؟
*الهوية الثقافية موضوع مهم بالنسبة اليّ، وأعمل على ترجمته الى أداء، الفنانون هنا مثل الجهاز الهضمي مع خصوصية شخصية انتقائية، فهو خطاب ثقافي خاص بكل واحد منّا، وجميعنا نأتي من مكان ما، كي نستعمل الأداء لتصدير خطابنا في ضوء مواد ومواضيع وحركات ورموز مخلوقة من سياقات مختلفة. أمَّا الأداء خارج نطاق ثقافتنا الغربية، فقد أتاح لنا أن نكون شاهدين على التنوع لفن الأداء العالمي. لذلك فإنني أرى ان هذه الإمكانات ذات الطابع الروحي المختلف لا يجب أن تُنكَر على الإطلاق.
– ما الملامح الرئيسة لعملك، وما الرؤية الخاصة للجسد؟
* المؤدي يجب أن يكون حاضراً بجسدك أنت.. بلحمك.. بعظامك ودمك!! الأداء ليس مسرحاً فنحن لا نلعب على خشبة، هناك حصَّة لما نسمّيه المجهول مع كل المخاطر المحتملة، الخطر والمجهول هما الأكثر صدقاً حتى الآن لمحاربة التصلب الآتي من الرفاهية، فمن البديهيّ ألا يكون الأداء في هذه القائمة. كما يجب التنويه بأن الأداء ليس كل شيء، كما انه ليس استعراضاً وتسلية وفقَ ما يعتقد البعض، فغالبية المؤدّين باحثون في الحقيقة… إنه في حدّ ذاته جزءٌ من الفيض المرئي…
– كيف تختارين الجمهور؟ هل للمكان دور أيضاً؟
*في ظلّ السياقات المنظمة، كمهرجان أو حدث، من المفضَّل ألا يكون هناك اختيار أو تحديد للجمهور، للأسف الأداء الذي ينطوي على عمل أو مشهد بصري عنيف أو جنسي – وهما محتجزان لجمهور بالغ – لا نجد أي سبب للاختيار، ولا مَنْ يمكن أن يكون الجمهور أصلاً، إذ أن ذلك يقع دائماً خارج هذا السياق بحيث نستطيع أن نعبِّر في الشارع أو في أي مكان آخر وبطريقةٍ عفويَّة. في بعض الحالات مثلاً، يتمّ التفكير بنظام وسيط حول الأداء المعروض، وبعد الانتهاء الجيد من الأداء يجب الاطلاع على آراء الناس الذين لديهم عادةً الكثيرُ من الأسئلة. ليست الفكرة في إعطائهم مفاتيح لما نريد إيصاله ولكن لطرح الأسئلة معاً، وتبادل الافكار على أمل أن يذهبوا، لا مع الحقيقة المطلقة، بل مع العديد من الاسئلة.
– لماذا تستخدمين اللون الأحمر مع كل الصور والفيديو والأداء؟
*عند بداية تعاوننا كنا نبحث عن شيء يكون مشتركاً بيننا، نبحث عن عنصر موحَّد يجذب لنا شخصياتنا تحت نفس الرمزية. دعنا نقول، كُنَّا نبحث عن عنصر يوفّر لنا التناسق رغم اختلافنا.
الأحمر لون قوي جداً، يستخدم في الغالب للترميز إلى اللحظات الأولى من التاريخ البشري، إذ يمثِّل الدم: القوة، النار، الجمال، الخطر، ومن ناحية أخرى يرمز إلى العنف. إنه لونٌ يُسلِّطُ الضوءَ على المفارقة المثيرة للجدل، ليعطينا معاني متعددة للصور والأداء والفيديو.
نحن نستخدم بشكل منتظم الشريط الأحمر، وهذا الرمز موجود في العديد من ميثولوجيا الشعوب المختلفة مثل (الصين، صربيا، اليابان، إيرلندا، وفي غالبية مناطق العالم). وهذا يوكّد عالميَّة هذا الرمز. فاستخدام الشريط الأحمر يفتح لنا الأبواب للثقافة الشفهية، والتي لا يمكن قراءتها، وإنما الاستماع إليها. وفي السنوات القليلة الماضية قمنا بالأداء في إحدى الأمسيات مستخدمينَ شريطاً أحمرَ، وإذ برجل من العامَّة يتقدَّم نحونا بعد ثوانٍ قليلة من الصمت والترقُّب، أمسك بيدي من دون أن ينطق بكلمة، وربط خيطاً أحمر من الصوف حول يدي، وهذا الخيط رُبط بشكل قوي. لقد أصغينا اليه، وأصغينا لمعنى ما فعله بي. مثل هذه اللحظات يُلهمنا ويجعلنا نبقى على الدوام نشعر بأعمالنا.
__________
المدن / (*) تنشر بالاتفاق مع مجلة Rê وهي مجلة عربية-كردية “بمزاج نخبوي” تصدر كل شهرين.