قصّتي مع الرئيس

خاص- ثقافات

*حازم شحادة

لم يفاجئني الرئيسُ حينَ جُنَّ  جنونهُ وراحَ يصرخُ..
ـ أيُّ هراءٍ هذا؟
كنتُ أتأملُ ربطة عنقهِ وهي تتدلّى فوقَ كرشهِ متخيلاً أنها حبل مشنقة.
كان الرئيس جالساً خلفَ مكتبهِ الذي انتشرت عليه بعضُ القصاصاتِ الورقية وبالقرب من يدهِ كوبُ قهوةٍ كبير وهاتف ثابتٌ وجريدة اليوم وجهاز كومبيوتر حديث من ماركة (آبل) أما أنا فكنتُ أجلسُ يمينَ المكتب وكنتُ معتاداً على انفعالاته المبالغ فيها فقدمتُ له سيجارة تلقفها بتوترٍ ثم أشعلتُ لنفسي واحدة ولم أنطق بحرف.
ـ أية قصةٍ هذه؟
هل أنتَ واثقٌ أنكَ من كتبها؟
أومأتُ بالإيجابِ بينما رحتُ أرشفُ من فنجانِ القهوةِ الباردِ الذي أحضرتهُ السكرتيرة بُعيدَ دخولي المكتب وكانَ قد أنساني مشهدُ مؤخرتها المكتنزة وهي تغادرُ أن أشربَ منه.
ـ أين الفكرة؟
أين الحبكة؟
أين المغزى؟
أين الأسلوب؟
كيف تسمّي هذه قصة؟
ـ ليست قصة بالمعنى الكاملِ أيّها الرئيس.
قلتُ وقد راعني منظرُ عينيهِ الزرقاوينِ اللتينِ كانتا تنفثانِ شرراً باتجاهي.
أضفت:
ـ إنّها مجرّدُ قصةٍ قصيرة.
رنَّ هاتفهُ فأجابَ متصنعاً الهدوء لكن السكرتيرة عادت إلى الدخول وانحنت لتهمسَ في أذنِ رئيسِ تحريرِ الجريدةِ أمراً خاصاً فرأيتُ حمالة صدرها التي كانت تحملُ صدرها.. و يا لهُ من عملٍ نبيل.
كانَ صدرها أبيضاً شهيّاً بينما كانت حمّالتهُ زهرية وقد خمّنتُ أنّ الرئيسَ على علاقة بالسكرتيرة بعد أن لمحتهُ يمرّرُ أصابعَ يديهِ من تحتِ مسندِ الكرسي لتلامسَ ساقها.
انصرفت تلكَ السيدة كما دخلت بهدوءٍ غيرَ أن اهتزازَ فردتي مؤخرتها كان أكثرَ هذه المرة لسببٍ لا يعلمهُ إلا الله سبحانه وتعالى.
أنهى الرئيسُ مكالمته..
استغفر ربه، ثمَّ قال:
ـ بماذا كنتَ تفكِّرُ وأنت تكتب هذا الهراء؟
تحمّلت وقاحته على مضض لغاية في نفسي لا في نفسِ يعقوب.
نهضتُ وأخبرته أنني سأفسحُ له المجال لمطالعتها بتروٍّ في المنزل بعيداً عن ضغط العمل ولأجلِ هذا سأعودُ غداً لأسمع رأيه المهم وأقبض مكافأتي.
كانت مكاتب الموظفين لدى خروجي شبهَ خاويةٍ فقد جاوزت الساعة الثالثة ظهراً.
انتظرتُ الحافلة وسط ازدحامٍ مقبول ولدى صعودي لم أجد مكاناً لأجلس فبقيتُ واقفاً وأنا أمسكُ عارضة حديدية وضعت في الحافلات لهذا الغرض.
صادفَ وقوفي في مكانِ خلفَ فتاةٍ ترتدي الجينز وقميصاً أبيضاً وضعت على شعرها صبغة شقراء بدت ملائمة لها ومع اهتزاز الحافلة كنت ألمح جانباً من وجهها وقد كانت جميلة.
تمنيتُ لو كان الازدحامُ داخل الحافلة أشدَّ لألتصقَ بها دون ملامةٍ فأحظى بدفقة من جسدها أستخدمها مساء لتعينني وأنا أمارسُ عادتي السريّة لكن الازدحام لم يكن على قدرِ التطلعات فبقيت بيني وبينها مسافة ثم نزلت من الحافلة وبقيت وحدي.
بين الموقفِ والحارةِ الشعبيةِ التي أعيش فيها ربعُ ساعة من المشي.
دخلتُ الزقاق الترابي وكانَ أشبه بمستنقعٍ جرّاء المطرِ قبل يومين ثمّ خلعتُ حذائي بعد أن فتحتُ بابَ الغرفة الحديدي الصدئ واستلقيتُ على الكنبة التي كنت أستخدمها كسريرٍ أيضاً فحجمُ الغرفةِ الصغير لا يسمحُ إلا بوجودها.
كنت جائعاً فلم أستطع النوم.
اتجهتُ صوبَ المطبخِ وفتحتُ الثلاجة لأجدَ صحناً من الفول كان قد بقيَ من عشاءِ الأمسِ وبعضَ البندورة ورغيفي خبز.
أكلتُ على عجلٍ دونَ أدنى شعورٍ بالطعمِ وقلما كنتُ أشعرُ بطعمِ الأشياءِ في الآونةِ الأخيرة.
عدتُ إلى الاستلقاءِ بعدَ أن أشعلتُ سيجارة وقد كانت المطربة ميليسا تغني على أثير إحدى القنوات الفضائية.
على الرغمِ من أنّ الغناء يستهدفُ أذن الإنسان لينقلهُ إلى عالم من الأحاسيسِ والمشاعر والجمال بعيداً عن واقعه المزري إلا أن صوتَ ميليسا استهدفَ قضيبي فانتابتني حالة انتصاب زادَ من وتيرتها تلك الحركات التي كانت تقومُ بها في الفيديو كليب.
لا أذكرُ متى غفوت وحين أفقتُ مع حلولِ المساءِ كانَ العتمُ يلفُّ الغرفة بفضلِ التقنين الكهربائي الحكيم للقيادة الكهربائية الحكيمة.
أشعلتُ شمعة ولعنتُ الظلام..
حضّرتُ لنفسي فنجاناً من القهوة شربتهُ مع سيجارة ثمَّ راح الوقتُ يمضي دون أن أقوم بأي شيءٍ ذي أهميةٍ.
حاولت أن أنام لكنني شعرت بثقل في خصيتي.
اتصلتُ بالعاهرةِ الرخيصة التي اعتدتُ مضاجعتها مقابل مبلغ قليل لكنها لم تكن متفرغة فلجأتُ إلى خيالي واستمنيت ونمت.
كنتُ في مكتبِ الرئيس عند العاشرة صباحاً ولاحظت تجهّمَ وجههِ مذ دخلت.
ـ هذه واحدة من أفشلِ القصص التي قرأتها في حياتي.
قال الرئيسُ بصوته الأجش.
ـ استميحكَ عذراً أيها الرئيس..
هل أعدتَ قراءتها؟
ـ أربعَ مراتٍ أيها الوغد.
أربع مرات ولم أجد إلا كلماتٍ مصفوفة فقط.
دخلت السكرتيرة وبيدها بعضُ الأوراقِ قام الرجلُ بتوقيعها وحين غادرت لم أستطع رؤية اهتزازِ مؤخرتها بسبب الفستان الأخضر الفضفاض فلعنتُ الفساتين الفضفاضة وصانعيها ومرتديها.
خاطبني الرئيس بحدة.
ـ اسمع،، لأن مكانتكَ عندي كبيرة سأسمح لك بقراءة القصة أمامي بصوت مرتفع.
سأدعكَ تكتشف بشكلٍ جلي كم هي في أحسن الأحول.. أقل من عادية.
دفعَ بالقصةِ إلي وأشعلَ سيجارة.
أشعلتُ بدوري واحدةً وبدأت القراءة..
ـ رنَّ جرسُ المنبه عند السابعة صباحاً.
نهضتُ من الفراش ثمَّ اتجهت إلى الحمام.
أخرجتُ قضيبي وتبولت.
غسلتُ يدي ووجهي ثم ارتديت قميصي الخمري وبنطالي وحذائي الأسودين.
وضعتُ الركوة على الغاز .
طارت بالقرب من وجهي ذبابة لعينة.
حاولتُ قتلها ولم أفلح، كان نشاطي في أدنى درجاته.
تجاهلتها وبعدَ أن شربتُ القهوة توجهتُ إلى العمل.
عانيتُ من زحمةِ الصباح .
وصلتُ العمل متأخراً.. كالعادة.
مارستُ ذات الروتين المكتبي حتى الثالثة ظهراً.
تناولتُ طعام الغداء في مطعمٍ حقير.
عدتُ إلى غرفتي ثم نمت.
استيقظت عصراً ثمَّ حلقت ذبابة بالقربِ من وجهي فلم أكلف نفسي مشقة محاولة قتلها.
شربتُ القهوة مع سيجارة
شاهدتُ التلفاز.
قرأت قليلاً..
كتبت قليلاً..
ضاجعت العاهرة الرخيصة في فمها فقط.
استحميت بعد منتصف الليل.. ونمت..
كانَ المبلغ الذي أتقاضاه وينظم تفاصيلَ حياتي قليلاً فاقتضى مني أن أقتصدَ في أي شيء.
غرفتي التي أعيش فيها.. (قليلة).
المساحة التي أنام فيها.. (قليلة).
فسحتي في هذه الحياة.. (قليلة).
تفاصيلُ حياتي كمواطنٍ من الدرجةِ الخامسة (قليلة).
باختصارِ.. هذه قصتي .

أنهيتُ القراءة وكان الرئيسُ ينظر باتجاه السقف نافثاً دخانَ السيجارة وقبلَ أن يفتحَ فمه قلت:
ـ لو سمحت، دعني أضف عليها بضعةَ أسطر.
استغربَ طلبي وحرّكَ كتفيه لا مبالياً.
بعد أن أنهيت الكتابة قرأتُ من جديد..
ـ باختصار،، هذه قصتي..
قصتي التي قبل أن أكتبها على الورقِ كتبها الله في دفترِ القدر.
أنتم تؤمنون بالقدرِ أليسَ كذلك؟
الإيمان بهِ من أركانِ الإيمان.
مهمتي كانت أن أعيشَ ما كتبه هو.
إن كنتم مثل رئيس التحرير تعتقدونَ أن قصتي سخيفة، أعيدوا التفكير بموهبتهِ في الكتابة.
**
خارج المكتب كانت تنتظرني السكرتيرة مبتسمة.
أعطتني مبلغاً محترماً وقالت..
ـ بانتظارِ القصةِ القادمة.

_________
شاعر وكاتب قصة قصيرة من سوريا

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *