ليليث

خاص- ثقافات

*ناصر الريماوي

منذ أسبوع، وجيراني الجدد – في الضاحية – يحرقون “الميرميّة” تحت نوافذ البيت، كل ليلة.
بعد أن يهبط الظلام تفوح الرائحة البرية وتملأ الحيّ، رأيتهم أيضا وهم يرشون أعتاب بيتهم بالملح الخشن. قبيل الغروب، يتفقد جاري حذوة الخيل المثبتة فوق مدخل البيت، وهامة الباب الخلفي، ينظر حوله ثم يدخل بارتياح كبير، رائحة بخور ثقيلة تظل تنبعث من داخل بيته المعتم حتى مطلع الفجر.

في اليوم الثامن، وأمام اللافتة الصغيرة لبيته “منزل الطبيب حسن درويش” قال لي في حزم: هذه المرة لن نفرط بالطفل، فقدنا أنا وزوجتي خمسة قبله، وهذا يكفي. كل واحد منهم كان يموت بعد يوم واحد على ولادته، دون سبب طبي واضح.

في الداخل، اعتراني الذهول لكثرة القلائد والأيقونات العجيبة المعلقة في أرجاء بيته والموزعة في كل الزوايا، وفقا لترتيب ما، لكل قلادة تعويذة، ولكل أيقونة مغزى، مثلما قال.
لكن لم كل هذا؟ سألته.

صمت طويلا، قبل أن يلقي في وجهي كلمة واحدة، غريبة، لم أفهم معناها في حينه، قال : إنها “ليليث” ..!
بقيت لليلة وأنا افكر بتلك الكلمة.. ” ليليث”.

في البحث الموسع على “جوجل” عثرت على ضالتي، على سر المرأة الخرافة، وفقا للأسطورة القديمة، فهي امرأة هبطت مرغمة من رحاب الجنة بعد لعنة سوداء وقعت عليها، تم على أثرها قتل أطفالها المائة دفعة واحدة، مما حدا بها إلى تحالف أبدي مع الشيطان والقسم بين يديه، بالانتقام لهم من أبناء آدم.

مع خيوط الصباح الأولى كان جاري الطبيب يهرع هو وزوجته بفزع شديد نحو سيارته، في حين كانت زوجته تحتضن بين ذراعيها طفلهما الصغير في قماطه الأبيض وتجهش بالبكاء، بدا لي الأمر وكأن خطبا ما قد ألمَّ بالطفل.

في اليوم التاسع، لم يحرق جاري تحت النوافذ شيئا، لم يرش الملح، ولم تنبعث خلال الليل روائح البخور الكثيفة من داخل بيته. تملكني القلق والفضول لمعرفة السبب.

في الصباح التالي، وأمام اللافتة المعدنية الصغيرة “منزل الدكتور…”. بدا جاري مشوشاً، قبل شروعه المتحفظ بالرد، لكنه أجابني أخيرا، بنبرة هادئة، مبطّنة بالرجاء: الطفل بخير، وتنفسه مستقرّ. ما يقلقني الآن، هو العثور على بديل ملائم لذلك البخور، ومدعوق آخر مشابه لتلك “الميرمية” .. بدائل لها نفس الأثر الواقي، وفي الوقت ذاته، لا يتحسس منها طفلي بعد إحراقها في غرفته، وعموم البيت، فهل يمكنك المساعدة؟

________________

*قاص أردني مقيم في السعودية.

شاهد أيضاً

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات) طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟! إلى يحيى القيسي لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *