خاص- ثقافات
*حازم شحادة
لمحت الخال ( أبو محمد) قادماً صوب ( الشاليه) بصحبة رجل وامرأة شقراوين.
كان أيّ أجنبي في البدروسية مثارَ دهشة للمصطافين ولنا نحن الذين نعمل هناك بصيد السمك وتأجير الشقق للسواح القادمين بمعظمهم من محافظة حلب كي يستمتعوا ببحر اللاذقية الأزرق الرحيب في تلك المنطقة المطلة على رأسِ الخنزير قربَ الحدود مع تركيا.
خرجتُ من خيمتي لأعاينَ الوضعَ فطلبَ الخالُ منّي أن أقولَ للرجلَ الإنكليزي إنَّ أيجار اليوم الواحد في (الشاليهِ) هو.. ألف ليرة سورية.
بإنكليزيتي الركيكة أوصلتُ المعنى للسائح وكانَ اسمه ( تاكوين).
بعدَ أن عاينَ الشقة جيداً وافق على الدفع.
هكذا.. أصبح تاكوين وصديقته ( أماندا) ضيفان عندنا وإكرام ضيفة كأماندا من دون ايِّ شكٍّ هو بمضاجعتها خمس مراتٍ متتالية في الليلة الواحدة لكن هيهات أن ألفتَ انتباهها أنا الطالبُ المنتقلُ حديثاً من المرحلةِ الإعدادية إلى الثانوية.
أيُّ حظٍّ هذا الذي أرسلها مع تاكوين؟
ـ هل من الممكن أن يموتَ اليوم ـ على سبيل المثال ـ فتصرخ هي طلباً للنجدة؟
قلتُ لنفسي ورحتُ أتخيل كيف سأهرعُ إليها لكن.. بعد فوات الأوان.
أجسُّ نبضهُ النتن فلا أشعر بشيء وبعد دقيقة صمت أخبرها أننا قد خسرناه ثمَّ أضمها إلى صدري مواسياً حتى يلتصقَ صدري بنهديها العرمرمين اللذينِ ما كانا بحاجة لحمالة صدر حتى يشرئبا مثلَ جرمين منيرين في سماءِ هذا الكوكب السابحِ في الفضاء.
طبعاً.. لم يمت ابن الإنكليزية وبينما كانت تداعبهُ ليلاً كنتُ أنا سهراناً أمام النار التي أشعلتها على الشاطئ وحيداً،، كئيباً،، ( مشغول البال وحزين).
صباحاً.. توجهت الفتاة وصاحبها إلى البحر ليسبحا.
كانت أماندا الرائعة ترتدي ( البكيني) ولمن لا يعلم طبيعة سواح البدروسية فجلّهم من المحافظين المتدينين الذين تسبحُ نساؤهم مرتديات ملابسَ الخزانة كلها.
خمسُ دقائقٍ كانت كافية لتجتمع أمة ( الاحتشام) في المكان الذي تسبحُ فيه أماندا.
عندما شاهد خالي الوضع انفجرَ ضاحكاً وطلب مني أن أنزلَ القاربَ الصغير إلى الماء لأصحبها في نزهة بحريةٍ بعيداً عن عيون المفترسين الذين تحلقوا حولها.
نظرتُ إليه ببلاهة وقلت:
– كيف سأدعوها للإبحارِ معي وصاحبها برفقتها؟
أكّد الخالُ أنني غشيمٌ في هذه الأمور وأن الأجانب لا تعنيهم هذه الشكليات.
اقتنعت.
أنزلتُ القاربَ في الماء ثم بدأتُ التجديفَ صوبها وما أن دعوتها للصعود حتى قبلت على الفور.
مددتُ يدي كي أساعدها فلمست بأطرافِ أصابعي أطرافَ نهدها الرجراج.
رميتُ نظرةٌ بعيدةً صوب المكان الذي يجلس فيه الخال وقلتُ متمتماً:
ـ روح يا شيخ.. الله يوفقك دنيا آخرة.
كان صدرها الطيب إسفنجياً لا هو بالطري ولا القاسي.
ونظراً لتجربتي النسائية المتواضعة في تلك المرحلة توترت أموري على الفور والحمدلله أنني كنت ارتدي سروالاً قصيراً فضفاضاً وإلا لكنتُ تحولتُ إلى مادة للسخريةِ امام هذه السيدة الانكليزية النبيلة.
ساعةٌ من الزمنِ مرّت وأنا مع أماندا في عرض البحر.
النسيمُ البحري يداعبُ شعرها الأشقر وهي تتأملُ الأمواجَ الرقراقة بينما كنتُ أنا أتأمل الأزرقَ الساطع من أرجاءِ عينيها.
قلتُ:
– أيتها العزيزة أماندا.. هل سمعت بنزار قباني؟
هو شاعر سوري مشهور جداً.
نفت أماندا أن تكون قد سمِعت به من قبل فحدثتها عن ذلك العظيم قليلاً ثم تلوتُ لها من شعرهِ..
ـ في مرفأ عينيك الأزرق..
أحلمُ بالبحرِ وبالإبحار
وأصيد ملايين الأقمار
وعقود اللؤلؤ والزنبق
لو أني لو أني بحار
لو أحدٌ يمنحني زورق
أرسيتُ قلوعي كل مساء
في مرفأ عينيك الأزرق.
طبعاً لم تفهم أماندا شيئاً مما قلته..
أنا بالنسبة إليها مجرّد فتى بالكاد يظهر شارباه.
لم يعنِ لها شيئاً ذلك اليوم ربما..
آه يا أماندا لو تعلمين كم عنى لي.
استيقظتُ في اليوم التالي لكن أماندا وصديقها كانا قد غادرا.
قلت للخال:
ـ ألم تحاول إقناعهما بالبقاء حتى لو مجاناً؟
فراحَ يستهزئ بي متهماً إياي بالعشق.
وبالفعل كنت عاشقاً لأجملِ نهدين مرّا عبرَ العصور البحرية صاحبتهما فتاة بريطانية ألتقيتها صدفة على شاطئ البدروسية.
_________
*شاعر وكاتب قصة قصيرة من سوريا