ميشال بوتور… رحيل قبيل التسعين

*عبد الإله الصالحي

يُعد ميشال بوتور (1926 – 2016) من آخر وجوه تيار “الرواية الجديدة” في فرنسا وأكثرها غزارة وتنوّعاً وتفرّداً. أمس، رحل الروائي الفرنسي بينما كان يستعدّ للاحتفال بعيد ميلاده التسعين في 14 أيلول/ سبتمبر المقبل. صاحب “التحوّل”، الذي تفوق مؤلّفاته مئتي عنوان بين الرواية والسرد والشعر والنقد، حياته للتجريب الجذري والسعي إلى تجديد الأشكال التعبيرية من أجل إغناء علاقة الكتابة بالعالم. ورغم أن اسمه ارتبط بتيار الرواية الجديدة منذ منتصف الخمسينيات، إلّا أنه كان يستخف بهذا التوصيف المدرسي الذي ظلّ يلاحقه خلال حياته الطويلة، هو الذي بدأ مشواره الأدبي بكتابة الرواية وأنهاه شاعراً بالأساس.

غير أن الإصرار الأكاديمي على تنميطه له ما يبرّره أيضاً؛ إذ أنه أحدث ضجّة كبرى في المشهد الروائي الفرنسي بسبب غرابة أسلوبه، وأثار بلبلة بين النقّاد والمتابعين عبر أربع روايات فقط. كانت أولاها “ممرّ ميلانو” (1954) ثم “جدول زمني” (1956) و”التحوّل” (1957) و”درجات” (1960)، وكلّها صادرة عن “دار مينوي” التي كانت حاضنة لكُتّاب الرواية الجديدة، وعلى رأسهم: بوتور وآلان روب غرييه وكلود سيمون.

غدت “التحوّل”، التي حازت “جائزة رونودو للرواية”، أيقونة روائية مؤسّسة لبنية سردية مغايرة، وما زالت تلهم الكثير من الكُتّاب الفرنسيين، حتى أن كاتباً فرنسياً آخر من كبار المجدّدين في الأدب، هو جورج بيريك صاحب الرواية البارزة “الحياة: طريقة الاستخدام”، أقرّ بتأثير هذه الرواية الحاسم عليه وعلى مجمل أعماله. استعمل بوتور ضمير المخاطَب بصيغة المثنّى في هذه الرواية التي يواجه فيها السارد نفسه وأحلامه وخياناته على شكل مونولوغ محموم خلال رحلة قطار بين باريس وروما؛ حيث سيلتقي عشيقته. وإذا كانت “التحوّل” فتحت باب التجديد على مستوى البنية والرؤية السردية فإن “ممرّ ميلانو” أسّست لخيار الوصف الدقيق والنظرة التشريحية للأشياء، بدل الحبكة وبناء الشخصيات؛ حيث تسرد الرواية حياة عمارة ابتداءاً من السادسة مساءً حتى الصباح. أمّا “جدول زمني”، فأسّست هي الأخرى لخاصية أساسية لدى كُتّاب الرواية الجديدة، وهي كتابة الضجر؛ حيث يتمحور السرد حول حياة موظّف بنكي فرنسي في مدينة إنكليزية رتيبة وباردة، وتُعتبر الرواية توصيفاً فائق الدقّة للوجود المخترَق بعدوى الملل المُرعب.

بعد هذه الروايات، ومنذ عام 1962 سيذرع بوتور العالم متجوّلاً عبر مصر، التي درّس لبضع سنوات في إحدى منها؛ المنيا، وأيضاً نحو اليابان والهند واليونان والولايات المتّحدة. سيعتزل الرواية مبكّراً ليهتم بالنقد التشكيلي والدراسات والشعر والمقالات التأمّلية، وكان يسخر في حواراته من “الرواية الجديدة” ويتذمّر من كون النقّاد يختزلون منجزه المتنوّع والغزير في سبع سنوات قضاها في كتابة رواياته الأربع ويتجاهلون الباقي. في السنوات الأخيرة، أطلّ بوتور على قرّاءه عبر موقعه الشخصي على الإنترنت، وظلّ يكتب وينشر فيه قصيدة كل يوم فيما يشبه التحدّي، وفاءً لمقولته: “الكتابة هي فن تحطيم الحواجز”.
___
*العربي الجديد

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *