أسخف الأسئلة التي طُرحت على نجيب محفوظ (فيديو)

*وجدي الكومي

حينما حاول أحدهم الالحاح على أديبنا نجيب محفوظ، للحديث عن حبه الأول.. تهّرب بحصافة كبيرة، قائلا: “كنت بحب بنت الجيران، هحب مين يعني.. مطلقا ضحكة ساخرة مجلجلة، ثم يعود قائلا: احنا كنا عاقلين وبنتكلم عن الأدب.. ما هو كل شاب مرّ في هذا الحب الخيالي.. وربنا لطف بيه”.

لا أحد يعرف كيف تحمل نجيب محفوظ سخافات بعض المذيعين؟ والأسئلة التافهة التي كان يتلقاها من الشمال ومن اليمين، أسئلة لا تنتهى لكن الرجل كان يستقبلها بصبر عجيب، ويرد عليها بضحكات ساخرة، مجلجلة، يرد مع ذلك بكلمات عفو الخاطر. محاوروه لم يهتموا أن يسألوه عن أعماله، عن أدبه العظيم، عن حبكات قصصه، دارت معظم الأسئلة التى تلقاها محفوظ عن موضوعات عجيبة، من قبيل: بماذا ستشعر يا نجيب بك إذا خلعت نظارتك وسماعة أذنك؟ يتلقى محفوظ السؤال من المحاور المصري طارق حبيب، ويجيب بضحكة: أشعر بالعدم.. بعيد عنك.

يصر طارق حبيب على معاودة السؤال، قائلا: لا فعلاً.. محستش برغبة أنك تقلع نظارتك وسماعة أذنك؟ لا أعلم كيف خطر على بال المحاور أن يلح فى طرح سؤال سطحي كهذا، فيقول محفوظ مستسلما: لما أكون لوحدي.

تنهمر المزيد من الأسئلة التافهة على رأس أديبنا الراحل، منها مثلاً: هل أنت رجل خيالي يا نجيب بك؟ يقول المحاور.. فيجيب محفوظ: متآخذنيش.. الكاتب لازم يكون دايماً خيالي.. يسأله المحاور سؤالا آخر.. هل أنت عصبي.. أم هادئ الطبع؟ هل أنت قلق؟ هل أنت طموح؟ ولا قنوع دلوقتي؟ متفائل، ولا متشائم؟ تقليدي ولا متطور؟ إنسان سهل، ولا صعب في المعاشرة؟ ويرد أديبنا بصبر ودأب: زمان كان عندي طموح فى حاجة واحدة، الأدب.. لا، أنا لا أخلو من العصبية، لكني أهذب نفسي.. أنا سهل جدا فى المعاشرة.. أحياناً أكون تقليدياً..

أسئلة تافهة وسطحية صبّها المذيعون والمحاورون على رأس أديب “نوبل”.

هكذا تجاهل بعض من جلسوا إلى الرجل، مشروعه الكبير، والتفتوا إلى زوايا عجيبة، يظنون أنفسهم يصنعون برامج مسلية، يبحثون في رأس روائي القاهرة عن توافه الأمور، ما يسدون به فراغ ساعاتهم الهوائية التلفزيونية، وهو المجامل الذى يرفض أن يحرج أحداً. يجيب بطول بال يحسد عليه، إلا أن بعض هذه الأسئلة الحمقاء كان يبرز في النهاية، ومنها ذلك السؤال المحير الذي طرحه طارق حبيب نفسه على أديب نوبل بقوله: إيه الصورة العالقة عنك شخصياً من زمان؟ يحاول نجيب محفوظ أن يستوضحه، قائلاً: عن؟ فيقول المحاور: عنك أنت شخصيا؟ فيستسلم محفوظ قائلا: لا مش فاهم؟ فيعيد المحاور: تفتكر نفسك مثلاً لابس قميص وبنطلون قصير؟ فيتنهد محفوظ قائلا: آه.. صورتي وأنا لابس بدلة البحارة؟ فيطرح حبيب سؤالاً أكثر سطحية: وكنت غاوي بحر؟

وعلى الرغم من تفاهة الكثير من هذه الأسئلة التي تحتفظ بها ذاكرة موقع “يوتيوب”، إلا أن بعضها أفلت من حيز السطحية، واستخرج إجابات رائعة عن آراء محفوظ في نوبل. ومنها ذلك السؤال الذي طرحه المحاور على محفوظ عمن يرشحه من العالم العربي لجائزة نوبل بعده؟ فأبدى محفوظ تحفظاً على ترشيح أي أسماء، واكتفى بالقول: لا “مقدرش” أرشح.. الذي أشعر به.. أنه عندنا جملة لا بأس بها من الروائيين والشعراء في مستوى الجائزة.

وحينما عاجله المحاور، عما إذا كان يرى مستقبل الأدب مشرقاًَ، قال محفوظ بحماس: عندما تنجح ثورة التعليم في إخراج أجيال جديدة متعلمة، ومحبة للثقافة، سيتغير الوضع.

يبدو نجيب محفوظ في حوارات إذاعية أخرى، متحفظاً، شديد الكتمان، يقاوم إلحاح محاوريه، وتطفلهم على أدق أسراره العائلية، بإزاحة الحوار إلى تفريعات أخرى، هكذا يبدو محفوظ في النسخة السرية منه، متحفظاً، فيما يتعلق بسيرته الأسرية الخاصة. كتوم، شديد الحرص على تجنب الخوض في تفاصيل حياته، التي يمعن في إخفائها، فلا نستكشف من بين إجاباته أي وجه كان عملاق الرواية في مطلع شبابه، هل كان شاباً لاهياً مثل “ياسين” في الثلاثية؟ بالتأكيد الصورة الأقرب له هو “كمال أحمد عبد الجواد”، الشاب الوجودي، المغرم بعايدة الثرية، ابنة العباسية. لكنه مع ذلك يتهرب من الأسئلة التى يتلقاها عن شبابه، وعن علاقاته العاطفية، يتحدث بصفة عامة، لا يتورط أبداً في كشف سر من أسراره العائلية.

في حوار إذاعي شارك فيه الصحافي المصري كمال الملاخ، بمناسبة عيد ميلاد محفوظ، واشترك فى الحوار توفيق الحكيم، نكتشف بعضاً من جوانب شخصية محفوظ المحبة للفكاهة. يتلاعب بالنكتة، ويردها بينه وبين الحكيم مثل لاعبين في منازلة كرة الطاولة. في هذا الحوار يتحدث محفوظ للحكيم ويحكي له عن رحلته إلى مسقط رأسه “رشيد”، بقوله: جد والدي من رشيد، فيضحك الحكيم قائلا: أهل رشيد مشهورين بالبخل، وحيث أنهم جايين من إسكندرية.. فكل بخيل فى إسكندرية يهاجر على رشيد، فأصبح فيه نسب من البخل.

(*) كتبت هذه المقالة بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 – 30 أغسطس 2006).
______
*المدن

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *