سعيد خطيبي: دفاتر العودة إلى إيزابيل إيبرهارت

*بوداود عميّر

ينطلق الكاتب الجزائري، سعيد خطيبي (1984) في روايته “أربعون عاماً في انتظار إيزابيل”، الصادرة حديثاً عن “منشورات ضفاف” و”الاختلاف”، من سيرة الكاتبة والرحّالة السويسرية إيزابيل إيبرهارت (1904 – 1877) وينتهي إليها. بين النقطتين تتشعّب الأحداث والشخصيات التي تمزج بين الماضي والحاضر. منذ البداية، نلاحظ صلة وثيقة بين إيزابيل إيبرهارت وجوزيف رينشار، بطل الرواية الذي يكتشف مخطوطاً لها، عثر عليه، بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على رحيلها التراجيدي، في بيت موظّف سابق في “دار البلدية” في مدينة بوسعادة، جنوبي الجزائر، حيث أقامت على فترات متقطّعة. وفيه تكشف عن جزء معتم من يومياتها الصاخبة.

إن أهمية العودة إلى هذه الشخصية الأدبية والتاريخية، يضيف خطيبي أنها “تأتي من أصالة واستثنائية حياتها وكتاباتها وتيهها في صحراء الجزائر، وقبلها في تونس. ثم على الحدود مع المغرب”. في الرواية شخصيات حقيقية أخرى، مثل الكاتب والرسّام الفرنسي إيتيان ديني (1861 – 1929)، الذي عاش في بوسعادة أيضاً؛ حيث اعتنق الإسلام وصار اسمه نصر الدين دينيه. إذ يقدّم الراوي ما يشبه معارضةً لروايته الشهيرة: “خضرة، راقصة أولاد نائل”، إلى جانب الرسّام مكسيم نواري، عشيق إيبرهارت، الذي أهدته أحد نصوصها، وأيضاً أحد أحفاد الأمير عبد القادر، الذي خدم في الجيش الفرنسي الاستعماري ثم مات في دمشق، كما نجد شخصية امرأة لا يذكرها التاريخ، كانت ترأس مشيخة طريقة صوفية في الجزائر في نهاية القرن التاسع عشر. “هي المرأة الوحيدة في العالم الإسلامي التي حكمت طريقة صوفية، وكانت ترتبط بعلاقة حميمة مع إيبرهارت”، وفق تعبير الكاتب. كما في روايته الأولى “كتاب الخطايا” (2013)، التي تناولت “الربيع الأمازيغي” من خلال يوميات فتاة في الجزائر العاصمة، يعود خطيبي، في عمله الروائي الثاني، إلى مساءلة الماضي لقراءة الحاضر. يقول: “في هذا العمل، حاولت هدم تلك الميثيولوجيا التي تتوهّم أن الجزائري أعلى شأناً من غيره. بات علينا أن نعيد مساءلة الماضي، وأن نتخلّى عن الأساطير التي زرعتها الدولة الوطنية في عقولنا”.
349

تغطّي الرواية فترة تمتد إلى أربعين عاماً: من 1952 إلى 1992. ولإعادة تشكيل تلك المرحلة، كان على الروائي، على ما يبدو، استعادة شخصيات حقيقية ووضعها وجهاً لوجه أمام أخرى متخيَّلة، لترسم إرهاصات ثورة بلد أوشكت أن تنحرف عن مسارها، إلى خيبة استقلال لم يلبّ طموح شعب ينشد الحرية، وانتهاءً بفشل بناء دولة وطنية، وصولاً إلى العشرية السوداء التي عاشها بطل الرواية في ظلّ صراع داخلي، بين أن يبقى في الجزائر التي حارب من أجلها، أو يعود إلى فرنسا التي حارب ضدّها. يتشكّل العمل من مجموعة حكايات تحيل كل واحدة منها إلى أخرى. كلّ ذلك وفق أبعاد متوازية: التاريخي الذي يتجلّى في التدقيق الواضح للمراحل التاريخية، والنفسي الذي يتجلّى في تعدّد الحالات النفسية المتضاربة التي استوطنت تفكير الراوي، خصوصاً وهو يتعرّض إلى ضغط من طرف جماعات متشدّدة، أو يعايش جريمة قتل جارته. يُضفي الكاتب على روايته مسحة من السخرية التي تمتزج بتشاؤم يكاد أن يتحوّل إلى عبثية شبيهة بحياة الكاتبة والرحّالة السويسرية: “قدري كان سيتقاطع مع قدر إيزابيل، لو عاشت معي الآن في هذا الشهر من جانفي، الذي تحوّل إلى أطول شهر من حياتي المتمرّغة في جمر الانتظار”، يقول جوزيف رينشار في الرواية.
____
*العربي الجديد

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *