القناعة المستحيلة.. أو ما لا يعرفه القراء عن لصوص الكتب!

*إبراهيم نصر الله

منذ أشهر كتبتْ غادة السمان مقالا عن تزوير كتبها، وعن أغلفة جديدة، لا يتورّع المزوِّرون عن تصميمها لنسخهم! وهي عادة أغلفة قبيحة ليس فيها أي معنى من تلك المعاني الواردة في الكتاب المنهوب. وهذا النوع من التزوير يذهب بالسرقة إلى أقصى معانيها فجاجة، كما لو أن الكتاب مُلك للمزوِّر، بحيث لا يستطيع أحد تزويره بعد ذلك!

وتلك مشكلة نعاني منها جميعًا، وأعني أولئك الكتاب الذين عملوا طويلا كي يكون لهم قراء يثقون بهم ويتطلعون لقراءة أعمالهم!

السؤال الذي يُطرح دائما، لماذا يتمّ تزوير الكتب؟ في ظني أن المسألة محصورة في جانبين، الجانب الأول، هو أن المزوِّر يريد أن يربح أكثر، والجانب الثاني، هو أن القارئ يريد كتابا أقل سعرًا من سعر النسخة الأصلية. وقد قرأت بعض التعليقات التي تُحمِّل الكاتب مسؤولية ارتفاع سعر كتابه!

لا يستطيع الكُتّاب إلا أن يفهموا ضيق حال كثير من قرائهم، فكثير من الكتاب، يعانون من ضيق الحال أصلا، ويندر أن نجد كتَّابا يعيشون في بحبوحة من العيش، وهكذا يغدو الأمر في جوهره الأعمق هو سطو الفقير على الفقير! ليكون الرابح في النهاية هو اللص المزوِّر.

قد لا يعرف القراء الكرام، أن الموزعين يشترون الكتاب من الناشر بحسم مقداره 50%، ويرتفع إلى 60%، وفي بعض الحالات، علمت مباشرة من بعض الناشرين أن الحسم يصل إلى 70%. وهذه بالمناسبة ظاهرة غير موجودة في عالم النشر الغربي أبدًا.

ولكي نجعل الأمر أكثر وضوحًا، نقول: إذا كان سعر الكتاب عشرة دولارات، فإن الموزع يدفع ثمنه أربعة دولارات، وهذه الدولارات الأربعة هي في الحقيقة تكاليف الطباعة وحقوق الناشر، وحقوق المؤلف، والمصمم، ومصاريف الناشر الإدارية أيضا، في حين أن الموزّع الذي ينتظر وصول الكتاب إليه، واضعا الساق على الساق، يأخذ 60% بالمائة وهو مستريح، دون أن يُغامر لا في اختيار الكتاب ولا في اختيار المؤلف ولا في تفاصيل الطباعة والتصميم وتوابعها المُرهِقة. لكننا رغم ذلك، نرى بعض الموزعين، أو الناشرين، يسطون على الكتب ويزورونها، وهذا هو النوع الأول من السرقة، لأن هناك نوعا آخر هو رفع سعر الكتاب، بنسبة تصل أحيانا إلى 30 %، بدل أن يُعطي الموزعُ القارئَ بعضا من تلك النسبة التي أخذها من الناشر، وهكذا يرتفع هامش ربحه بحيث يتجاوز 90%.

إن السؤال الذي أطرحه دائمًا على نفسي، وعلى بعض الأصدقاء: ما الذي يريده سادة القناعة المستحيلة -المزورون، أكثر من خمسين بالمائة، أو ستين بالمائة حين يقومون بتزوير الكتب؟ وأين يمكن أن يتوقف منسوب الجشع عند هؤلاء، وهم يحصلون على تلك الأرباح الخيالية ؟

بالنسبة لي شخصيا، أتمنى أن يصل الكتاب إلى القارئ بأفضل الأسعار، الأسعار التي لا ترهقه، ولذا لا يبدو المرء غاضبا، بالمقدار نفسه، حين يرى نسخا إلكترونية من كتبه، رغم ما تلحقه هذه النسخ من ضرر بالكاتب والناشر، لأنها في النهاية نسخا مجانية، ولا يستطيع المرء إلا أن يتفهم أحيانا أن بعض القراء لا يستطيعون الوصول إلى هذا الكتاب أو ذاك بسبب المكان، أو بسبب ضيق الحال، ولأن من حقّ الإنسان أن يقرأ الكتاب الذي يحبه، فهذا الحق، حق المعرفة، من حقوقه التي لا يجوز القفز عليها، تماما مثل حقه في التعبير.

ولكن صمتنا عن هذا النوع من السطو، سببه أنه لا ينتمي لعالم اللصوصية، ولا لعالم استغلال الكاتب والناشر بسرقة حقوقهما، ولا لعالم استغلال القارئ لأنه بحاجة لهذا الكتاب أو ذاك، وإن كنت ألاحظ أن البعض يستغل تضخّم حجم موقعه ليحوِّله إلى مشروع تجاري بشكل أو بآخر، وبعض المواقع يشترط على القارئ أن يكون – رغما عنه- عضوًا فيه، فلا يُسمح له بإنزال أي كتاب إلا إذا دوَّن رقم هاتفه أو إيميله، أو كليهما.
_____________
عن مجلة (روز)

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *