إبراهيم نصر الله: رحلة الكلمنجارو مشروع رواية



حاوره في عمّان/توفيق عابد


إبراهيم نصر الله مثقف طليعي متعدد المواهب لا تقبل مواقفه القسمة ولا ينظر للخلف بل يتقدم للأمام، ويصعد قمم الإبداع -والجبال أيضا مؤخرا، رواياته تحظى بإقبال من جميع الفئات والشرائح وتجول في فضاء الحلم وتبشر به رغم الوجع، ومشروعه الروائي يغوص في عمق الواقع والتاريخ والأسئلة الصعبة وتتوهج شخصياته لتضيء الذاكرة والمكان.
بنفس المبدع والمناضل والمغامر خاض نصر الله مؤخرا تجربة فريدة، فقد تسلق رغم تقدم العمر والمخاطر جبل كليمنجارو بتنزانيا في رحلة أطلق عليها “صعود من أجل الأمل” وصفها بأنها رسالة صافية وقوية حول قدرة الشعب الفلسطيني على التحدي ومواجهة كل أشكال الموت التي تحاصره.
ووصف الطفلين الفلسطينيين المشاركين في رحلة الصعود (ياسمين ومعتصم) وهما مصابان بقذائف إسرائيلية بأنهما يتمتعان بقدرة استثنائية على مقاومة الألم، موضحا أن الهدف من الرحلة هو جمع تبرعات لجمعية أطفال فلسطين.
ويرى أن من مقومات الإبداع الربط بين الكلمة واللحظة الساخنة، مشيرا إلى أنه سيسجل رحلته في رواية تستند إلى الحدث والخيال، لا سيما أنه أجرى حوارات مطولة مع الطفلين ياسمين ومعتصم ومشاركين كاشفا عن فيلم يوثق التفاصيل.
الجزيرة نت أجرت حوارا مع نصرالله حول مغامرته في الكلمنجارو، وحول مغامراته الإبداعية أيضا
برعايتك ومشاركتك في رحلة “صعود من أجل الأمل” لتسلق جبل كلمنجارو مع فتى من غزة هو معتصم أبو كرش الذي فقد ساقه وجزءا من يده بسبب قذيفة صهيونية، وياسمين النجار من نابلس التي فقدت ساقها ربطت بين الكتابة والفعل.. من وجهة نظرك كيف يمكن أن تتحول الكتابة إلى فعل؟ 
– أعتقد أن هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق الكاتب أخلاقيا واجتماعيا وسياسيا وفكريا، وإذا قام بفك هذا الارتباط بين كلماته واللحظة الساخنة التي يعيشها مجتمعه فإنه يفقد الكثير من معنى وجوده ككاتب، إذ تتحول الكتابة بهذا الطلاق إلى حرفة.
حين حدثتني البطلة الفلسطينية سوزان الهوبي- أول عربية تصعد قمة أفرست- عن مشروع صعود كلمنجارو أعلى قمم أفريقيا تأثرت كثيرا، ووجدت نفسي مباشرة أمام امتحان من نوع آخر، لذا قررت أن أكون ضمن الفريق الذي سيصعد رغم أنني أدركت أن هناك مخاطر كثيرة يمكن أن أتعرض لها ويتعرض لها معتصم وياسمين.
أحسست بأنني لن أغفر لنفسي أبدا إن لم أشارك في صعود الأمل هذا، وقد فوجئوا كثيرا برغبتي في مرافقتهم وفرحوا أيضا، لذا اعتبروني راعيا لهذا الصعود، وهذا أمر شرفني كثيرا وسأعتز به دوما.

شكلت عملية الصعود إلى كلمنجارو امتحانا كما ذكرت، وكانت هناك صعوبات ومخاطر عديدة، فهل كانت بمستوى ما توقعتموه؟

– في الحقيقة كانت المخاطر والصعوبات أكثر مما توقعت بكثير، فالطريق صعبة وكان علينا السير 56 كيلو مترا حتى نبلغ القمة في ظروف مناخية صعبة ونقطع ثلاثين كلم تقريبا في طريق العودة.
لقد عانينا في طريقنا من سقوط الثلوج والأمطار وحرارة الشمس أيضا، كذلك عانينا من بعض المواقع التي كانت درجة انحدارها تسعين درجة أحيانا، وكذلك من الصخور في الوديان والمرتفعات، وفي اليوم الأخير سرنا ما يقرب من 17 ساعة من الرابعة صباحا حتى التاسعة مساء صعودا إلى القمة ونزولا.
اكتشفنا أن هناك رياضيين يتمتعون بلياقة عالية لم يستطيعوا إكمال الرحلة، وأن فتاة من فريقنا كانت لها خبرة سابقة في تسلق الجبال لم تستطع أن تكمل، وكان الأمر حزينا فعلا فليست التضاريس هي التي تقف عائقا فقط، بل نقص الأكسجين الذي نبدأ بالمعاناة منه كلما ارتفعنا أكثر حتى القمة التي يبلغ ارتفاعها تقريبا عشرين ألف قدم.

وما الدافع لاستمراركم مع كل هذه المخاطر والصعوبات التي اكتنفت الرحلة؟

– بالدرجة الأولى، إن الهدف النبيل للرحلة هو المساعدة من جمع التبرعات لجمعية إغاثة أطفال فلسطين التي أسسها الصحفي ستيف سوسبي أيام الانتفاضة الأولى، وقد كان أحد المشاركين في الرحلة، كما أن وجود ياسمين ومعتصم أعطى كلا منا دافعا كبيرا وكان إصرارهما تحديا لأنفسهم ولنا فما قاموا به هو معجزة بكل ما تعنيه الكلمة إنهما بطلان حقيقيان تمتعا بشجاعة نادرة وقدرة استثنائية على مقاومة الألم ومشقات الطريق.
وأعتقد أن وقتا طويلا سيمر قبل أن ندرك ما قاما به وحققاه، فقد كان صعودهما حافلا بالمعاني الإنسانية والوطنية، وبقدر ما كان نجاحا لهما فقد كان رسالة صافية وقوية حول قدرة الشعب الفلسطيني على التحدي ومواجهة كل أشكال الموت التي تحاصره.
ككاتب رعى هذه الرحلة ورافقهما حتى وصلا القمة وأظن أنك أول كاتب عربي أيضا يصل إلى قمة كلمنجارو ..هل ستوثق الرحلة؟
– الكتابة عن هذه الرحلة مسؤولية كبيرة، إذ إن إنجازا كهذا يجب أن يُستلهم في عمل أدبي لكي يعرف الناس أي بطولة تلك التي تحققت، وفي اعتقادي أنني سأستلهم الحدث كمشارك فيه وشاهد عليه ومعايش لتفاصيله الإنسانية لأنني أيضا أجريت مقابلات كثيرة مع معتصم وياسمين والمشاركين فيه.
وأتوقع رواية تستند إلى الحدث والخيال معا، فالكتابة في اعتقادي يجب أن توسع الواقعي وتمنحه دلالات إنسانية أرحب وبكتابة عمل يستند إلى ما تحقق ويلعب الخيال دورا فيه يكون الكاتب أكثر إخلاصا للواقع ولمشروعه الأدبي في آن، خاصة أن هناك فيلما وثائقيا سينتج عن الرحلة آمل أن أكتب عن هذه التجربة رواية تفيها حقها.

يلاحظ في رواياتك أنك تميل للتأريخ رغم أن البعض يرى أن الروائي ليس مؤرخا؟

الكتابة عن رحلة “الصعود من أجل الأمل” مسؤولية كبيرة إذ إن إنجازا كهذا يجب أن يُستلهم في عمل أدبي لكي يعرف الناس أي بطولة تلك التي تحققت
” 
– من بين أعمالي الروائية هناك عملان يمكن أن نطلق عليهما صفة التاريخي، هما “قناديل ملك الجليل” بالدرجة الأولى وإلى حد ما “زمن الخيول البيضاء”، لكنني لم أتخل فيهما عن حرية الكاتب في بناء الشخصيات والمناخات والعوالم الروائية.
وفي العموم، أميل دائما إلى البحث قبل الكتابة وأميل إلى التروي أيضا، إذ لم يسبق أن كتبت رواية قبل سبع سنوات من التخطيط لها، وحين أرى أنني لا أستطيع القفز عنها ونسيانها أكتبها وبعض الروايات كتبتها بعد 22 عاما، إذ لم يسبق لي أبدا أن كتبت رواية بمجرد أن فكرتها طريفة أو قوية لا أستطيع العمل بهذه الطريقة، لكنني دائما أعمل على أكثر من مشروع تفكيرا وتحضيرا، وإذا أحسست بأن أحدها نضج أكتبه.

روايتك “شرفة الهاوية” هي ضمن اللائحة الطويلة لجائزة البوكر العربية، فماذا تقول؟

– هناك عدد كبير من الروايات العربية تصدر سنويا، وحين تنجح رواية في الوصول إلى القائمة الطويلة أو القصيرة فهذا أمر جميل يؤكد أنها استطاعت أن تكون مشروعا أدبيا مؤثرا وفي مقدمة الأعمال التي صدرت أثناء عام.
ومن قوانين الجائزة أن كل رواية جديدة لروائي وصل إلى اللائحة القصيرة يجري ترشيحها، لذا فإن كل رواية لي يمكن أن ترشح تلقائيا، وأظن أن في ذلك احترام كبير متجدد لتجربة ومساهمات الروائيين الذين وصلوا إلى القوائم القصيرة وجميل أن ثلاثا من رواياتي وصلت إلى هذه الدرجة المتقدمة.
– الجزيرة

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *