القاهرة: نصر عبد الرحمن
هو شاعر وروائي أمريكي ذو شهرة عالمية، ويُعتبر رائد القصة البوليسية وأدب الخيال العلمي. كتب الشعر وهو صغير، وترك قصائد بديعة؛ ترجم بودلير أغلبها إلى اللغة الفرنسية، ووصفها الشاعر الفرنسي الكبير مالارميه بأنها قمة الشعر. كتب كذلك قصصاً مُثيرة، تدور أغلب أحداثها الغريبة في المقابر والقلاع المُظلمة، وأبطالها من القتلة والمجانين والعائدين من الموت، لكن حياته القصيرة لا تقل إثارة أو غرابة عن قصصه لدرجة أن كثيرين أطلقوا عليه لقب الشاعر الملعون.
ولد إدغار ألن بو عام 1809 بمدينة بوسطن لأبوين فقرين؛ يعملان مُمثلين في فرقة مسرحية مُتجولة. هجر الأب أسرته بعد عام واحد من مولد إدغار، وكان على الأم المريضة بالسُل أن تترك ابنها الأكبر لدى أقاربه، لتتمكن من رعاية إدغار وشقيقته التي تصغره بعام. سافرت الأم لتعمل بمدينة ريتشموند، لكنها ماتت بعد عام، وتركت طفليها بلا عائل. قررت سيدة عاقر وزوجة تاجر تبغ ثري أن تتبنى إدغار، بينما تبنت عائلة أخرى شقيقته. لم يتقبل التاجر جون ألن فكرة تبني إدغار، لأنه ينتمي إلى عائلة سيئة السمعة بسبب عملها في التمثيل، لكن مع إلحاح الزوجة وافق على التبني لكن بشكل غير رسمي.
توترت العلاقة بين إدغار ووالده بالتبني منذ طفولته؛ فقد كان الرجل يريد له أن يصبح تاجر تبغ مثله، ويساعده في تجارته، لكن الصبي كان مهووساً بالشعر، وكتب قصائد أذهلت مُعلميه في المدرسة. وفي الثالثة عشرة من عمره، كان قد كتب قصائد تكفي لإصدار ديوان، إلا أن والده بالتبني رفض مساعدته. أصر إدغار على استكمال دراسته وسافر ليلتحق بجامعة فرجينيا، وأبدى تفوقاً كبيراً في الدراسة، لكن جون كان يرسل إليه القليل من النقود فقط، فتراكمت عليه الديون. اتجه إلى لعب القمار من أجل الحصول على مزيد من المال، لكن ديونه تضاعفت، وعاش في فقر شديد لدرجة أنه حرق أثاث حجرته للتدفئة في الشتاء. عاد إلى ريتشموند ليطلب المزيد من النقود، لكن جون رفض مُساعدته، كما علم أن حبيبته خُطبت إلى شخص آخر أثناء غيابه. غادر منزل العائلة إلى الأبد، وانقطع عن الدراسة في الجامعة، وقرر أن يُصبح شاعراً شهيراً، وكان أول كاتب في أمريكا يحاول أن يعيش على دخله من الكتابة.
أصدر إدغار ديوانه الأول «تيمورلنك» عام 1827، ولم يربح منه نقودا، فاضطر إلى التطوع في الجيش بحثاً عن الطعام والمأوى، ثم التحق بالأكاديمية العسكرية لكنه طرُد منها بعد عدة شهور فقط. أصدر ديوانه الثاني «الأعراف» عام 1829، وأشار إلى أنه استوحى اسم القصيدة الرئيسية وفكرتها من سورة الأعراف. ويتضح تأثره بالثقافة الشرقية في دواوينه الأولى؛ التي قدم فيها مجموعة من الأفكار والصور الشعرية الغريبة على الذهنية الأمريكية. ويمكن القول إن حياته العبثية الصاخبة شكلت وعيه الإبداعي ورؤيته للشعر تحديداً؛ فقد اعتبره منصة للتعبير عن الروح الإنسانية، ورأى أن الشعر الحقيقي يجب أن يتحرر من المنطق ويحتفي بالأفعال اللاإرادية والمُنفلتة. كانت أفكاره الجديدة وخروجه عن السياق الإبداعي والاجتماعي سبباً في عدم اهتمام أغلب النقاد بأشعاره. ظلت اللعنة تطارده، والديون تحاصره، فقرر السفر إلى بالتيمور والبحث عن عائلة والده الحقيقي، وأقام لدى عمته بعض الوقت. وحين فكر في اللجوء إلى جون لكي يساعده ببعض المال، اكتشف موته وأنه حرمه من الميراث.