يتبادلون الكلمات على نحو فاتر بين الحين والآخر، ولا يتزحزحون من مواقعهم. هي الوحيدة بينهم التي تكثر من الحركة، تتنقّل دون توقّف بين غرفة نومها وصالة الضيوف والشرفة الخارجية التي أضيفت إلى البيت مؤخّراً أثناء المحاولة الثالثة لترميمه وإضافة غرف أخرى إليه، لكي يتسع لكل هذا العدد من الأبناء والأحفاد.
تبدو قلقة، فثمة احتمال بأن لا يأتي الخطيب الموعود، لأي سبب. ربما راقته فتاة أخرى في الساعات الثلاثين المنصرمة، فعقد العزم على الارتباط بها دون غيرها، وربما اعترضته دورية عسكرية فاقتادته مع آخرين من أبناء جيله إلى السجن للاشتباه بهم، أو ربما قامت إحدى نساء الحي الثرثارات، ممن لا يحببن الخير لها ولأهلها، بنقل وشايات ملفّقة عن سلوكها، ما جعله عازفاً عن الارتباط بها بعد الذي سمعه. عند هذا الاحتمال بالذات يزداد قلقها، تسارع إلى غرفة نومها، تقف أمام المرآة، تتأمل جسدها الغض، يؤكد لها جسدها بحسّه العفوي أن كل شيء سيكون على ما يرام، وتظل حائرة لا تدري هل تصدق جسدها أم لا تصدقه.
تخرج إلى الشرفة، متجاهلة رجالات العائلة المغتبطين بخمولهم، بعد أن ضجروا من تكرار هذه المناسبات، تطيل التحديق في المدى الذي تتوقّع أن يطل منه خطيبها مع ثلة من أهله وأقاربه، ثم تمضي إلى عمق الدار لا لشيء سوى مداراة قلقها، الذي يكبر في صدرها على نحو ينذر بعواقب وخيمة، تعود إلى الخزانة في غرفة نومها، تخرج منها فستاناً آخر لم تلبسه سوى مرة واحدة حينما زُفّت صديقتها، التي تعرف كل أسرارها، الأسبوع الماضي إلى ابن الجيران. يتابع الجدّ الأكبر الذي خبر الحياة طوال قرن من الزمان مع ثلاث عشرة امرأة، بعينيه الواهنتين، اندفاع حفيدته، فيتحسر على أيامه التي انقضت ولن تعود، ولا يخرجه من هذيانه سوى صوت الحفيدة وهي تعود من الشرفة، لتعلن بفرحة غامرة أن خطيبها قادم في الطريق.
الخطيب أسمر الوجه، وله عينان صغيرتان، والجدّ يحدثه باستفاضة عن مشاعره حينما تمكن، قبل ثمانين سنة، من الانفراد بخطيبته التي أصبحت زوجته الأولى فيما بعد، دون أن يسمع حفيدته التي تتمزّق غيظاً أمام نساء العائلة، لأنه لم يتوان عن احتجاز خطيبها منذ لحظة دخوله إلى الدار، فلم يترك لها فرصة واحدة للانفراد به، وللتحديق اللذيذ في عينيه الصغيرتين.
________
*روائي وقاص فلسطيني
من مجموعته القصصية “صورة شاكيرا”/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ 2003