حفريّات الجَوّال . .

*د. مازن أكثم سليمان

خاص ( ثقافات )

كمعزوفةٍ جريحةٍ في النّاي

أخطِىءِ الطَّريقَ أيُّها السّائق

وبمُرونةٍ درِّبني على الوداع

صَمْتُها وعلٌ يُثيرُ غُبارَ القلَقِ في الذّكرى

والنّاسُ على الجانبيْن

يقطعونَ شراييني لا الشّوارع.

كحَسْرَةِ نَمِرٍ في قفص

اصطدِمْ بالرَّصيف

أو قفْ فجأةً

وزُفَّ لي نبأَ عطلٍ في المُحرِّك

يُعيدُ لوجهي توَرُّدَهُ .

. . . ها طفلةٌ تُمَسِّدُ فَرْوَ الحنين

أطَلَّتْ من نافذة سيّارة مُسرعة

أنفُها مُلتصِقٌ بالزُّجاج كخَتمٍ

ابتسامتُها الشّاردة تُلوِّنُ لي وَحشتي

ولا عبَقَ باقٍ لديَّ أغازلُها به . . !!

خُذْ أرَقي بعيداً أيُّها السّائق

اسحبْ حِبالي الصَّوتيّة

من خوابي المُكالمات الفائتة

أنا طللٌ يمشي على عجلات

لا يُخيفُني قاعُ المدينة

لكنَّ سديماً كألَقِ الغياب

يقتحِمُ فَجوةَ قلبي، ويُقيمُ . .

خُذْ تهوُّري بوَرَعِ الشّيخ العَطوف

مازلتُ أراهنُ على فرار الدُّموع من دُموعي

وعلى بُعدِ ساحةٍ أو مُنعطفيْن

تعقدُ وردةٌ عُرى ثوبها بأزرار الجَوّال

وتروي أحضانَها الجامحة

بلُعبة افتراضيّة كالوعدِ المكسور .

. . . أنتظِرُ مُصادفةَ البلابل في عراءٍ مُستحيل

الاتّصالاتُ تعكَّرَتْ كالماء

والفُكاهاتُ انقلَبَتْ على ظَهرِها من الضّحِك

مَلَّ البحرُ أنْ يكونَ ( بورتريهاً ) مُشوَّهاً في شاشة

وأغنيةُ ردِّها الجديدة

لمْ تُحرِّكْ فيَّ الصّباح :

] تركتِنِي أكرِّرُ الأرقامَ كببغاءٍ يائس

وأنتِ لاهيةٌ بمَخالبِ الرَّحيل

تعطَّرَتْ نجمةٌ، وتأهَّبَتْ للحُبّ،

لكنَّ التَّغطية غابَتْ

وكانَتْ ظُنونُ الله

باديةً تُلاحِقُ البُحيرةَ إلى رحِمِها [

. . . في الضّواحي يُعرِّشُ نداءٌ ذو شُجون

سوءُ الفهمِ لا يطعَنُ الغريبَ في العالَم

بلْ يقينُ المعرفةِ إذا استشرى كالجائحة

فلا تُحدِّثني أيُّها السّائقُ عن مآسي سيّارات الأجرة

عنِ المُخالَفات المروريّة الظّالِمة

والرُّسوم العالية على الأوكسجين

لا تُحدِّثني عن تكاليف صِيانة ( السَّأم ) في مُعلَّقة زُهير

عن دُيونِكَ المُتكاثِرة كالعناكبِ تحتَ إبط المِغسلة

والزَّبائنِ بمقالِبِهِم السَّمِجة كإشاعاتٍ ثقيلة

صلابَتي أطرى من تحمُّلِ غصّةٍ ساخرة كهذهِ

ودَورتي الدَّمويّة أسرعُ الآنَ من عدّادِكَ الواثِق

فمَنْ تُرَشِّحُ ليتوقَّفَ قلبُهُ قبلَ الآخَر أيُّها السّائق . . ؟!!

تأخَّرْ قليلاً بالوُصول

كُنْ عُذرَ العدَمِ إنْ تسمَّرَ حُكمُهُ

تأخَّرْ وأجِّلْ نزعَ صاعِقِ التَّفجير

أخشى أنْ أحطِّمَ نعشَ الجَوّال

لأجِدَ الحُبَّ جثّةً هامِدة داخِلَهُ .

ما حزْتُهُ حازَني أيُّها السّائق

وعرَّى هَشاشةَ الظَّهيرة في وَهمي

لا الوميضُ يُنقِذُ السُّفُنَ كالمَنارات

ولا المعلومات تحمي الأنوثةَ

من أكاذيبِ ( السُّوبَّر كليب )

حتميٌّ هذا الزَّيَغان

والاحتمالاتُ أرصفةٌ تتباعَدُ

وواجِهاتٌ تُغلَقُ

يمرُّ العابرونَ فوقَ جُسورِ المُشاة

وتنكمِشُ رئتي كسمكةٍ يعصرُها الهواءُ بيدهِ .

\ لنْ أستبدِلَ الأزرارَ بشاشةٍ حسّاسة لِمَلْمَسِ الهَديل

ولنْ أنشغِلَ بتغلغُلِ الذّبذباتِ في حدائقَ خالية

سأسألُ الغيمةَ _ فقط _ عن رقمِ جَوّالِها

فلرُبَّما أحظى بحليب الهوى البسيط . . ؟!! \

. . . اضغَطِ المَكابِحَ أيُّها السّائق

هَشِّمْ جسَدي بالمَطبّات

قُوايَ تترجَّلُ عندَ أوّلِ نفقٍ يُوحِي بالسَّلام

والخَيباتُ تغفو بجانبي رُويداً رُويداً

مُقنِعاً صَبْري الشَّحيح

أنَّ الفِراقَ أجْوَدُ مُقتنيات العُمْر .

_ أنا التِّلميذُ المُخطِىءُ أمامَ مُعلِّمِهِ

أماراتُ الاشتياق

تنفشُ حُزني كصُوف المُنَجِّد

شحَنْتُ البطّاريّةَ من رُوحي

وقلتُ : سينمو الحُبُّ منَ الآنَ فصاعِداً

وجهاً لوجهٍ

كنافذتيْن مُتقابلَتيْن في قطار

أو سيموتُ وحيداً

كمقعد سيّارةٍ مَرمِيٍّ في مكَبٍّ للنِّفايات .

. . . أأكونُ مثلَكَ أيُّها الجَوّالُ

رَجْراجاً أو صامِتاً أو عامّاً

أأكتنفُ ميزاتٍ لا حصرَ لها

بسِعَةِ شتاءَيْن وكارِثة

وبإشاراتٍ تنقشُ الحِيرةَ وشماً على الجلد

فمَنْ يَهوى الازدحامَ مثلي

ومَنْ يمدَحُ العجلات المُبطئة

كأنَّها النَّجاةُ من عاصفةٍ مرَّتْ للتَّوّ :

] أرسلِي كوكباً هائماً في رسالة

لأنَّهُ لنْ تكونَ هُنا مُعجزةٌ في بَيان

أسمعيني طقطقةَ شجَرةٍ تحُنُّ

لأصدِّقَ مَزاعِمَ النَّدى فينا

القُبْلَةُ لا تُمنَحُ تباعاً

ومَصَبُّ العاطفةِ ينشطِرُ

كمَنْ هرَسَتْهُ صخرةٌ عملاقة [

. . . تشابُكُ حكايا، أمْ تشابُهُ مُشتَركِين،

أمْ لكوننا اختلافاً في التَّفسير . . ؟!!

رنينٌ طوالَ الطَّريق

تعبئةٌ للفَراغِ بأشباحٍ من إعلانات مُرْسَلَة

نَضِجَ الغُرابُ بيننا

وما أرسلناهُ قهقهةً على السَّطح

استعَدناهُ بَلْبَلَةً تحتَ الغِطاء .

. . .

. . .

جَوّالي مُغلَقٌ حتّى إشعارٍ آخَر

والسُّرعةُ

مَجزرةُ

الباقي

مِنْ

حَدْس .

_______
*شاعر وناقد سوري.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *