صدوق نورالدين*
خاص ( ثقافات )
1 – يبدو للقارئ الحصيف أن تشكل يوميات”خواطر الصباح” للدكتور عبد الله العروي، تبلور في روايتي«اليتيم» «وأوراق». وأن إنجازها تحقق في وقت متقدم، مما يحيل على الوعي بمدى قيمتها، كما كفاءة توظيفها كجنس متخلل ضمن الكتابة الروائية.
بيد أن عملية إفرادها وتخصيصها كجنس قائم الذات، تمثل في صورة مشروع متضام يتكون من أربعة أجزاء وسمت بـ«خواطر الصباح». ما يتحكم في بنية المشروع الأدبي في جوهره وعمقه، مكون الزمن. وبذلك، فإن الـ«خواطر» استكمال وتتمة لما اعتبرناه التشكل والبداية النواة، في سياق التوسيع والإضافة لما يعد كتابة للذاكرة، والذات أساسا.
2 – تتشكل بنية «خواطر الصباح»، من أربعة أجزاء، يتحكم في صورتها، مكون الزمن.
و تتوزع وفق التالي:
أ – الجزء الأول من:1967 إلى1973.
ب –الجزء الثاني من:1974 إلى1981.
ت –الجزء الثالث من:1982 إلى1999.
ث – الجزء الرابع من:1999 إلى2007.
في ضوء السابق، فيوميات «خواطر الصباح»، تمتد لتغطي زمنيا أربعين سنة، في تماسك يحيل
على وعي المفكر، المؤرخ، السياسي والإنسان. ما يلاحظ على الأجزاء الأربعة، تفاوت المدة التي تحققت تغطيتها، فإذا كان الجزء الأول والثاني والرابع يتقاربون زمنيا، أي من ست سنوات (الجزء الأول)، وثماني سنوات (الجزء الرابع)، إلى تسع سنوات (الجزء الثاني)، فالثالث الأطول تغطية، أي سبع عشرة سنة. ويظهر أن التحكم في المدة وليد القيمة التي يكتسبها الحدث أو الأحداث التي تستوجب تدوينها كيوميات.
من جانب آخر، فالتشكل الذي خضع له جسم «اليوميات»، فرض إلى تحديد الزمني، تخصيص كل جزء بعنوان، باستثناء الجزء الأول، وذلك بهدف:
أ – مطابقة المعنى الوارد في اليوميات، للعنوان المحمول.
ب-التمييز بين الأجزاء الأربعة.
ت- إمكان التلقي الجزئي، والكلي عند التقويم النقدي.
من ثم فإن العناوين صيغت وفق التالي:
– الجزء الثاني: المسيرة الخضراء ما قبلها وما بعدها.
– الجزء الثالث: حجرة في العنق.
– الجزء الرابع: المغرب المستحب أو مغرب الأماني.
وإذا كان الثاني والرابع مباشرين، فالثالث صيغ بطريقة أدبية استعارية – إذا حق – بحكم ما ترتب بين بداية الثمانينيات (1982)، ونهاية التسعينيات(1999). يقول الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي عن هذا الجزء:
«يشمل الجزء الثالث من «خواطر الصباح» لعبد الله العروي، الفترة التي تمتد من1988 إلى 1999، أي حتى رحيل الملك الحسن الثاني.وهي الفترة التي كان العروي تقلد فيها مهمة رسمية، وكلف بشرح قضية الصحراء واستكمال وحدة التراب الوطني لدى بعض رؤساء الدول العربية والأوروبية» (1).
أي أن الجزء الثالث، يستحضر الجانب الذاتي من خلال تجربة ديبلوماسية. والواقع أن الملاحظة وبقدر ما تحوز أهميتها، فإن الكتابة في جنس اليوميات لا يمكن أن تكون سوى ذاتية. ومن ثم – كما سلف – نعد رباعية ال «خواطر» مشروعا يوازي ويستكمل رباعية:
(الغربة، اليتيم، الفريق وأوراق)، في سياق كتابة الذاكرة وأسئلة الذات.
3 – 1.3 يتأطر الجزء الأول الذي جاء خلوا من العنونة، بين (1967/1973). والأصل أن الاستعاضة عن العنوان، أستبدلت بتوضيح يرتبط من ناحية بالجزء الأول، ويوطئ لبقية الأجزاء. يرد في التوضيح:«لذا أستهل هذا الجزء بخواطر صيف 1967 حيث اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية الثانية وأتوقف سنة 1973 في أعقاب الحرب الثالثة.» (الجزء الأول/ص:5).
فالقول «أستهل هذا الجزء..»، ينم ويوحي بأن ثمة أجزاء أخرى بالتالي، فإن وعي بداية عملية التدوين، يتحدد في «صيف 1967»، أي في فترة سياسية جسدتها حرب ثانية بين العرب وإسرائيل، بينما «أتوقف»، إحالة على أن ثمة ما يكتب، لولا الوعي المرجأ لكتابة قادمة، وإذا كانت بداية التدوين(1967)، إشارة لحرب، فإن(1973)، إحالة على حرب ثالثة، بمعنى أن الجزء الأول من اليوميات يتحدد بين حربين، وكأنه بنية مغلقة عن واقع سياسي عربي بلا أفق. والملاحظ أن منجز العروي الذاتي، يتفرد بخاصة الانغلاق، كمثال روايتيه: «اليتيم» و«أوراق».
على أن الدكتور عبد الله العروي، لا يكتفي بهذا الشق في توضيحه، وإنما يضيف: «..ولقد استغنيت عن بعض الخواطر التي تتعلق بالوضع الداخلي المغربي.» (الجزء الأول/ص:5).
فالاستغناء حذف. أي أن مدون اليوميات، لا يتمثل بالتوثيق الأحداث والوقائع جميعها، وإنما يختار الأقوى والأجدر بالتدوين. وهنا يطرح السؤال عن الـ «مادة» (الحدث) الذي يقتضي من كاتب «اليوميات»، وعيه بالتدوين والتوثيق. واللافت في هذا الجزء، أن قوة التركيز تتحقق حول الخارجي (العربي)، عوض الداخلي (المغربي). فمفهوم الحدث، يرتبط بمدى أهميته وقيمته ليس في الراهن وحسب، وإنما على المدى البعيد.وبذلك، يشكل التدوين مرجعية تعتمد بحكم صدورها عن مفكر يمتلك كفاءة حضوره عربيا وعالميا.
2.3 يمتد الجزء الأول زمنيا على مدى ست سنوات. وتتحدد البداية في (يونيو1967)، لتنتهي في (ديسمبر1967). وبذلك فعمر البداية سبعة أشهر. هذه تصل إلى تسعة في السنة الثانية من زمن الـ«خواطر»، أي من (يناير1968) إلى (سبتمبر1968). وإذا كان الحذف طال الشهور الأولى من (1967)، فإنه لحق الأواخر من (1968). على أن الوضعية الأخيرة، تطابق مسار الأحداث بين سنتي (1969) و(1970)، ولئن كان اللافت إسقاط شهر فبراير من التدوين بالنسبة لـ (1969). ولعل الأبرز، كون التدوين في بقية السنوات (1970/1971/1972) شمل العام بكامله، أي من (يناير إلى ديسمبر)، ويلاحظ عن التحقيب في الجزء الأول:
أ- ظاهرة أوخاصة الحذف: وتتمثل بداية السنوات أو أواخرها. وفي أحيان، إسقاط الشهر برغم التسلسل المحكم. وهذا يستدعي التفكير في علاقة الحدث بالزمن. إذ إن ما يفهم كون اليوميات لا تحتفي بأي حدث، وبالتالي في غياب الاحتفاء ينتفي الزمن. فالقيمة ترتبط بمدى أثر الحدث في زمنه، وعلى مدون اليوميات، أي أن الحدث يخضع للتقييم قبل التوثيق.
ب- التفاوت: ويتعلق بالسرد المقترن بــ «مادة» الحدث. إذ يستدعي في حالات الإسهاب على مستوى الشرح والتعليق، والاختزال والاختصار في أخرى.
ت- الاختلال: ويستوقفنا بالضبط في سنة (1972)، حيث طالت اليوميات السنة بكاملها. إلا أن ما يثير في سياق التدوين، الاختلال المرتبط بشهر (مارس). إذ يعاد للحديث عنه في (ماي/ص:143)، وهو ما لم ينتبه إليه حال الحديث عن هذا الجزء.
3.3 يتحدد الجزء الثاني في ثماني سنوات، تبدأ من (الجمعة 11يناير1974)، وتنتهي في (الخميس24ديسمبر1981). ما يباين هذه الجزء عن الأول، العنوان. ويتجسد في حدث:
«المسيرة الخضراء:ما قبلها وما بعدها».أي أن ما ستعمل اليوميات على تشميله بالتغطية المرحلة الزمنية قبل حدث المسيرة، وما ترتب لاحقا.فالعنوان على هذه المستوى، توجيه للتلقي.ومن آخر، إبراز لصورة المؤرخ، وبالتالي صيغة تعامله والأحداث ذات الطبيعة التاريخية. فحدث «المسيرة الخضراء» لم يأت اعتباطا، وإنما ترتب عن تفكير في ماجريات وقائع سابقة، وما تشكل بعد. بذلك فعلاقة المؤرخ بالحدث، تستلزم قراءة العوامل واستنطاق النتائج. هذا المعنى بالذات، يعمل الجزء الثاني على صوغه وإنتاجه.
تبدأ سنة (1974) في ضوء كونها ما قبل، من (الجمعة 11يناير) وتنتهي في (الخميس 19 ديسمبر). ومن ثم تطول العام بكامله دون حذف. بينما نجد سنة (1975) بما هي الحدث تستهل بـ (الأحد19يناير) وتتوقف في (الخميس20نوفمبر). أي بحذف الشهر الأخير من السنة «ديسمبر». هذه الصورة نعاينها أيضا في (1976)، لكن بتوسيع دائرة الحذف. فإن كانت تنطلق من (الإثنين 26يناير)، وتتوقف في (الأحد 14 نوفمبر1976)، فإن الحذف طال ثلاثة أشهر هي: (أغسطس، سبتمبر وديسمبر). ويمكن القول إن الحذف يصل مداه في (1977):
(من: 20يناير إلى15ديسمبر)، حيث تحذف الشهور التالية: (مارس، ماي، يونيو وسبتمبر) ويتقلص إلى حدود شهر وهي حال سنة (1978): (من الثلاثاء 28فبراير إلى 30 ديسمبر) أي بحذف شهر «يناير». ويطول الحذف السنوات الثلاثة الأخيرة، من ثلاثة أشهر في:
(1979): (من: الثلاثاء 2 يناير إلى:25سبتمبر)، حيث حذف من الشهور(أكتوبر، نوفمبر وديسمبر)، إلى شهرين في (1980): (من: الأحد30 مارس إلى: 15ديسمبر) أي بحذف: (يناير وفبراير). وأما في (1981): (من: الإثنين 2 فبراير إلى الخميس 24 ديسمبر)، فيحذف شهران.
ويترتب عن السابق كتجلية للبعد الزمني الآتي:
أ- أن التدوين اليومياتي بالنسبة للسنوات: (1974،1978،1980)، تغطية للسنة كاملة، ولئن كان الحذف مس السنتين الأخيرتين دون الأولى.
ب – كون التدوين اليومياتي المرتبط بالسنوات: (1974، 1975، 1978و1980)، يصادف الشهر الأول من السنة، أي يناير.
ت- تأكيد التداخل بين الوارد في الرباعية، خاصة «أوراق» والمتضمن في «اليوميات»، إذ ترد في الجزء الثاني من اليوميات، اليومية التالية:
«سجلت اسمي» – كتبه الموظف لاروي – ضمن قائمة المتطوعين تحت رقم 5005.
مررت وأنا عائد من مقر العمالة بمكتب مصلحة السكنى فنادى علي من النافذة عبد اللطيف بنعمر السلاوي، أحد نزلاء دار المغرب بباريس. دار الكلام حول مشروع المسيرة. قلت له إني من المتطوعين فاستغرب (الجزء الثاني/ص:82)، وهي يومية يحال عليها في الجزء الرابع من الرباعية (المقطع/22) وفق التالي:
– كان جل الطلبة في دار المغرب، المسجلين في الآداب والحقوق لا يتقيدون بحضور الدروس. يستيقظون متأخرين بعد قضاء أمسياتهم في لعب الكارتة. ينزلون لتناول الإفطار في ملابس النوم أو الرياضة يطيلون الجلوس إلى أواسط الصبيحة، ثم يقرر كثير منهم عدم مغادرة الحي الجامعي… (أوراق/الطبعة الثانية.ص:74 و75).
إن المعنى المعبر عنه من التداخل:اللامبالاة.وهي السمة التي طبعت نخبة تلقت تعليمها خارج أرض الوطن (كمثال: فرنسا). ومن هذه النخبة كما يقر عبد الله العروي، من أدار تسيير الشأن عقب الحصول على الاستقلال.
4.3 يتفرد الجزء الثالث الممتد من (1982 إلى1999)، بالعنوان غير المباشر: «حجرة في العنق». إذ ومن خلال المعنى، يتضح بأن الحجرة تمثل العقبة أو العرقلة التي تحول دون الاستقرار أو الوصول. قد تكون الحجرة: «الجزائر»، «ليبيا» أو«غيرها»، إذا نظر سياسيا لواقع «فلسطين» أو «قضية الصحراء»، وعلما بالمهمة الديبلوماسية التي أوكلت للدكتور عبد الله العروي من حيث التعريف، المتابعة وتجلية الغموض عما يمكن أن يعد غير واضح. إلا أنه وبحكم التحديد الزمني، فإن واقع المرحلة السياسي (غزو العراق للكويت)، اقتضى اهتزاز الواقع العربي وعدم استقراره.
ولا يقتصر التفرد على العنوان، وإنما يتمثل – إذا حق – في القاعدة الزمنية الواسعة: (سبعة عشر سنة)، والأصل أن التوسعة تقتضي وفرة في كتابة وتدقيق اليوميات. إلا أن المنجز، يعكس تباينا واختلافا عن الصيغة الواردة في الجزءين: الأول والثاني. فالجزء الأول الذي نحن بصدده، انبنى على الاختصار والاختزال الذي يوحي:
أ- بصعوبة تشميل المدة الزمنية بالتدوين والكتابة اليومياتية.وفي وضعية كهذه، قد يكتفى بهذا الجزء.
ب- انتفاء الاستقرار، فالكتابة، التدوين وتحري الدقة، عوامل تستلزم الاستقرار والتفكير في أسلوب الإبلاغ والتبليغ. والمتلقي لهذا الجزء، يقع على فيض من الأمكنة المجسدة لأسفار وانتقالات دعت إليها المهمة الديبلوماسية.
ت – الأثر النفسي. وقد يتضح في التعب والعياء، مما يستدعي دقة التركيز على الأهم في السياق الزمني المحدد، وبالتالي فقر المعلومة الإخبارية.
تتمظهر المدة الزمنية الواسعة من خلال صيغة تدوينها. فإذا كان الجزء الأول والثاني، تبث اليومية بالتحديد (السنة، التاريخ واليوم)، فالثالث اكتفى في معظمه بضبط الشهر، والاقتصار إذا على يوم واحد، يومين أو ثلاثة أيام.فمثلا، يكتفى في 1982، وبالضبط في شهر سبتمبر بالحديث عن: الأحد، السبت والأربعاء، وفي1983، وبخصوص شهر فبراير، تدون يومية ترتبط بيوم السبت، وهي حال يونيو من السنة ذاتها. ويلفت الحذف المتعلق بالشهور التالية: مارس،أبريل، ماي، يونيو، يوليو، شتنبر، أكتوبر، وفي 1990، أكتفي بتدوين يوميات عن الشهور: أغسطس، سبتمبر،أكتوبر، نوفمبر وديسبمر، ويبلغ الحذف مداه في 1999، إذ يقتصر في التدوين على أربعة أشهر: يناير، فبراير، أبريل ويوليو، إن ما يمكن استخلاصه، من تمظهرات المدة الزمنية المحددة في الجزء الثالث: «حجرة في العنق»:
1 – كون الرهان على توسيع القاعدة الزمنية، تمت موازاته بندرة المعلومة، أو الإخبار المدون ضمن اليوميات.
2 – انتفاء التمثل للمتعارف عليه، عند كتابة وتدوين اليوميات، ومن ثم، باين الجزء الثالث، الأول والثاني والرابع، على مستوى التعامل ومكون الزمن.
3 – يبدو الجزء الثالث، أقرب إلى المذكرات منه إلى اليوميات، لعوامل هي التالية:
أ- الارتباط بالتجربة الذاتية ممثلة في المهمة الديبلوماسية، وهو ما يكاد يوافق تصور النظرية الغربية بخصوص العلاقة الوثيقة بين المذكرات والسيرة الذاتية.
ب- الإفاضة في السرد لما يتعلق الأمر بأحداث ووقائع – كما سلف – قريبة من الذات، بعيدا عن دقة التكثيف والاختصار.كمثال الحديث عن ترجمة الجزء الرابع «أوراق» إلى الإنجليزية، وبالتحديد (سنة 1993)، من طرف الأستاذ «حسن حلمي»، وليس «أحمد حلمي» (ص/172)، وفي السنة ذاتها،تسرد واقعة المواجهة بين عبد الله العروي وهشام جعيط في صفاقس (تونس): (ص:180/181/182)، وأيضا يتطرق في: (1993)، لوفاة (الزميل الدكتور محمد عزيز الحبابي)، ويستفاض في الحديث عن توجهه الفكري الفلسفي: (188/189/190 /191).
\
إن الكتابة اليومياتية في هذه الحالة، تنتقل من مستوى ترهين اللحظة، إلى التحليل، الشرح، التعليق، التصحيح وإبداء الرأي والموقف، وكأن ما لم يعبر عنه الدكتور العروي في (الموضوع) يجد طريقه إلى (الموصوف)، وهو ما يناقض تصور بعض «السياسيين» من كون يوميات «خواطر الصباح» تشوش على الخط الفكري للعروي.\
4 – الالتباس والاختلال المرتبط بالبنية الزمنية أحيانا. كمثال: يتحدث في السنة الأولى من الجزء الثالث (1982) عن شهر«يوليو»، فيأتي التحديد: «الجمعة15»، ويليه «الجمعة16» من الشهر نفسه، والسنة ذاتها، وبالنسبة لسنة (1994)، تدون بداية يومية عن (24فبراير)، وتأتي في أعقابها ثانية عن (15فبراير).
فالعامل الرئيس الداعي للالتباس والاختلال، قد يكمن مرجعه في وفرة الأحداث والمعلومات وتوسع البنية الزمنية، ومن الممكن أن يكون مرده النسيان، حال تقدم السن.
5.3 يمكن القول بان الجزء الرابع من الـ «خواطر» الموسوم بـ«المغرب المستحب أو مغرب الأماني» والممتد زمنيا بين (1999/2007)، يمثل خاتمة مشروع اليوميات، من ناحية ثانية يجسد صوغا وتوثيقاً الإحاطة بمرحلة انتقالية بين حكمين: حكم الملك الراحل الحسن الثاني والملك محمد السادس، والواقع أن الإحاطة تتشكل باعتماد المقارنة بين أسلوبين أو طريقتين في الحكم وإدارة الشأن، وما يتقاسم من ثوابت ومتغيرات. من جانب ثالث، فالإيقاع الذي نحاه الجزء الرابع يماثل الأول والثاني بتثبيت المعلومات وتدوينها زمنيا.
يمتد الجزء الرابع على مدى تسع سنوات. والملاحظ أن البنية الزمنية خضعت لإيقاع متواتر وسريع، فلا يستوقفنا حذف على مستوى السنوات، وإنما الشهور.إذ أكتفي مثلا في سنة (2004)، بتدوين يوميات شهرين فقط (أكتوبر/ديسمبر)، وهو ما يعد أقصى درجات الحذف على مدى أربعين سنة من عمر اليوميات. ولعل ما يمكن ملاحظته عن هذه السنة أيضا صيغة بداية التدوين التي جاءت حوارية، دون تحديد سواء لليوم، أو تاريخه أو الشهر. ويكاد ما لوحظ عن (2004) يشمل (2006).
و مما يمكن استنتاجه بصدد الجزء الرابع، التالي:
1 – أن التدوين اليومياتي يتأطر- كما سلف- بين مرحلة انتهت بوفاة الملك الراحل الحسن الثاني، ومرحلة يسود فيها حكم الملك محمد السادس. ما تخلص إليه المقارنة، كون ثوابت التقليد تظل سائدة ومهيمنة:
«لابد من مقارنة ظروف اعتلاء الحسن الثاني العرش وتلك التي تحيط اليوم بالملك الجديد» ( الجزء الرابع/ص:7).
2 – إن الصورة التي يرسمها الجزء الرابع عن المغرب، توضح بألا تغيير في الأفق، خاصة وأن إجهاض فكرة”التناوب” دليل على العودة إلى الوضعية السياسية بمواصفاتها القديمة.
3 – الإيحاء بأن الجزء الرابع يجسد خاتمة اليوميات، لعوامل نذكر منها:
أ- التكرار الذي يسم الوقائع والأحداث.
ب- سواد الطقوس ذاتها دونما تجديد.
ت- صعوبة الاستمرار في التدوين، وهو ما جعل إيقاع الزمن سريعا في هذا الجزء.
«لم أكتب شيئا في هذا الكناش منذ أسابيع لأن الأحداث وهي كثيرة تكرر نفسها. ظننا أن طقوسا كثيرة ستلغى، فإذا بها تؤخر فقط.» (الجزء الرابع/ص:33) «أكتب بعض الورقات حول مغرب الحسن الثاني ولا أدري هل أقدم على نشرها.أراجع ما كتبته في هذه الكنانيش، فألاحظ تكرارا كثيرا، لأن أوضاعنا راكدة.أقرأ عند شكسبير: «نادرا ما يخلف الأفضل.» (الجزء الرابع/ص:45)
4 – إن ما يمكن استنتاجه من خلال ملامسة بنية الزمن في «خواطر الصباح»:
– كون المعنى المحمول في الرباعية، يستكمل المعبر عنه سابقا، ضمن المنجز الموصوف المرتبط بالتطرق لأسئلة الذات، كما كتابة وتدوين قضايا الذاكرة.
– إن بنية الزمن في الـ «خواطر» – كما سلف – تمتد زمنيا على مدى أربعين سنة، أي من: (1967 إلى2007).. وهي الدال على حقبة من تاريخ المغرب، كما الذات في صراعاتها وتحولاتها.
– اعتبار الجزء الثالث الأطول زمنيا، ولئن كان أقرب إلى المذكرات منه إلى اليوميات.
– هيمنة الحذف على مستوى التدوين اليومياتي المتعلق بالسنوات، الشهور والأيام.
– الإحالات المرجعية والتقاطعات بين الوارد في الرباعية السيرية (خاصة «الفريق» و«أوراق» ويوميات «خواطر الصباح».
_____________
1):عبد السلام بنعبد العالي.التاريخانية والتحديث.دار توبقال. ص/30.
* ناقد وروائي من المغرب/ عن مجلة الفجيرة الثقافية.