لا محلَّ لها من الأعراب

*مصطفى رجوان

 
خاص ( ثقافات )
لا شكَّ أن المجتمع القبليَّ العربي، الذي قام بإنتاج اللغة العربية وقواعدِها، مجتمعٌ ذكوريٌّ بامتيازٍ، والمرأة فيه أقلّ شأنا من الرجل.واللغة العربية،بما أنها وليدة هذا المجتمع،فهي انعكاس له ولا بد أن يكون هذا الحيف والانحياز للرجل على حساب المرأة قد مسها أيضا في اللغة.
تعلمنا في المدرسة أن التاء المتحركة لها محل من الإعراب وهو الفاعلية،وتعلمنا أن تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الإعراب.فلماذا تاء التأنيث لا محل لها من الإعراب؟ أم أن المرأة لا محلَّ لها من الأعراب؟ ! وقد تفاجئك بعض التلميذات بالسؤال الاستنكاري: لماذا لا محل لتاء التأنيث الساكنة من الإعراب؟ ومهما شرحت لها وقلت، تبقى علامة استفهام في ذهنها وعلامة تعجب على وجهها وهي ترى في هذه القاعدة الإعرابية حيفا.ونحن نعلم علم اليقين أن ما لا محلّ له من الإعراب لا وظيفة له وزائد.
في اللغة العربية، عند الحديث لجمع من النساء نقول أنتنَّ، لكن إذا كانت ألف امرأة ومعهنَّ طفل صغير ذكر لا يصحّ في اللغة العربية إلا أن نقول (أنتمْ)، ولا يصح إلا أن نقول خالدٌ وهندٌ حضرا.هذا ما أخبرنا به الأستاذ أيام الابتدائي واندهشنا.
في اللغة العربية، نقول للذكر أنتَ وللمرأة أنتِ، ونقول للذكر كتبتَ وللأنثى كتبتِ، ونقول للرجل قمْ وللمرأة قومي … نلاحظ الكسرة ملازمة للمؤنث، أ هذا الصرف في دلالته اعتباطي أم ذو معنى؟ ثم أهذا تعبير عن انكسار المرأة أم كسر لها في اللغة العربية أيضا ؟؟
رغم أن اللغة مؤنثة، فالأصل في اللغة العربية هو التذكير،والتأنيث استثناء.ذاك أن النحاة يقولون: “أصل الأسماء التذكير،والتأنيث داخل عليها … أما الأفعال فمذكرة كلها، وإنما تلحقها علامة التأنيث دلالة على تأنيث الفاعل.” إذن التأنيث طارئ في اللغة العربية والأصل هو التذكير. ولا يجوز تأنيث ما لا يحتاج إلى تأنيثه، مثل الصفات التي تنفرد بها الأنثى دون الرجل، نحو (عاقر، حائض، طالق، مرضع، ناهد، كاعب، حامل).
في الشعر،لاحظ أبو الطيب المتنبي هذه القضية ولعب عليها في مدح المتوفاة والدة سيف الدولة بن حمدن :
ولو كان النساءُ كمن فقدنا
لفضلت النساء على الرجالِ
وما التأنيث للشمس عيب
وما التذكير فخر للهلالِ
اللغة العربية ضد المرأة عن قصد وعن غير قصد،فمن غير القصد أنها غدرت بها في مواضعَ ستةٍ.فقيل:
1. ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻴﻘﺎﻝ ﻋﻨﻪ ﺃﻧﻪ “حَـيّ”،ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻓﻴﻘﺎﻝ ﺃﻧﻬﺎ “ﺣيّـّﺔ”.
2. ﺇﺫﺍ ﺃﺻﺎﺏ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﻭﺣﺪﻳﺜﻪ ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻨﻪ ﺃﻧﻪ “مُصيب”،ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺃﺻﺎﺑﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻬﺎ ﻓﻴﻘﺎﻝ ﺃﻧﻬﺎ “ﻣﺼﻴﺒﺔ” .
3. ﺇﺫﺍ ﺗﻮﻟﻰ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻣﻨﺼﺐ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻨﻪ “ﻗﺎﺿﻲ”،ﺃﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﺗﻮﻟﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﻨﺼﺐ ﻳﻘﺎﻝ ﺃﻧﻬﺎ ” ﻗﺎﺿﻴﺔ”،ﻭﺍﻟﻘﺎﺿية ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺰﻝ ﺑﺎﻟﺸﺨﺺ ﻓﺘﻘﻀﻲ ﻋﻠﻴﻪ.
4. ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻫﻮﺍﻳﺔ ﻳﺘﺴﻠﻰ ﺑﻬﺎ ﻓﻴﻘﺎﻝ ﻋﻨﻪ “هاوٍ”،ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺮﺃة ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻨﻬﺎ “ﻫﺎﻭﻳﺔ”،ﻭﺍﻟﻬﺎﻭﻳﺔ ﻫﻲ ﺃﺣﺪ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺟﻬﻨﻢ !
5. ﺇﺫﺍ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻟﻨﻴﺎﺑﻲ ﻳﻘﺎﻝ ﻋﻨﻪ “ﻧﺎﺋﺐ”،ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻴﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ « ﻧﺎﺋﺒﺔ ﻭ”ﺍﻟﻨﺎﺋﺒﺔ” تعني ﺍﻟﻤﺼﻴﺒﺔ !
6. ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳﺘﺒﻊ ﻟﻤﺬﻫﺐ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻓﻬﻮ “ﺣﻨﻔﻲ”،ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻬﻲ “ﺣﻨﻔيّـــــة”، والحنفية هي الصنبور.سمي الصنبور بالحنفية نسبة للمذهب الحنفي الذي ينسب إلى أبي حنيفة النعمان، حين اعتبرت مذاهب الشافعية والمالكية والحنبلية الوضوء من الصنابير بدعة، في حين أقر فقهاء الحنفيةِ الوضوء منها لأنه يسهل على الناس ولأنه ماء جار،فسميت بالحنفية.
قد لا تكون هذه النتائج مقصودة، وقد تكون نتاج لاوعي العربي القديم، ولكن لها حظ غير يسير من الطرافة وتمثيل الواقع.ويمكن للمعترضين على هذه الفكرة أن يحتجوا بمجموعة من الأدلة من قلب اللغة العربية.منها أن الرجل إذا أريد أن يُمدح مدحا كبيرا لتفوقه في شيء ما أنِّثَ،فيقال: نابغة أي كثير النبوغ، داهية أي رجل عظيم الدهاء، علامة وهو الرجل كثير العلم، رواية أي الرجل كثير رواية الشعر، نسابة أي الرجل كثير العلم بالأنساب … وقد يحتجون بأن الشجاعة مؤنث بينما الجبن مذكر، وأن السفاهة مؤنث والعقل مذكر … وهكذا فالحياد ظاهر في اللغة.
ويمكن للقارئ أن يتعمق في هذا الصدد،وهناك حفر جميل قام به الدكتور عيسى برهومة،يمكن الاضطلاع عليه،وهو تحت عنوان “اللغة والجنس: حفريات لغوية في الذكورة والأنوثة.”

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *