*إسراء المنسي
خاص ( ثقافات )
لعدة عقود لم يكن المصريون يطلقون على عاصمتهم اسمها التاريخي الذي اختاره لها جوهر الصقلي وعلماء الفلك المصاحبون له فيما قرأنا عن تاريخ بناء وتسمية القاهرة المعزية بهذا الاسم، بل ظل المصريون وحتى مطالع القرن العشرين يطلقون علىها اسم المحروسة، وقد ظهر هذا الاسم “مصر المحروسة” منذ عهد المماليك بعد تحصين القاهرة، حيث أطلق علىها القاهرة المحروسة. وقيل لأنها محروسة بطبيعة موقعها الجغرافي، حيث يحدها من الشمال البحر المتوسط، ومن الشرق جبال البحر الأحمر، ومن الغرب الصحراء، وفي الجنوب جنادل وشلالات تمنع الإبحار في النيل. وربما أطلق علىها هذا الاسم تيمنًا ورجاءً بأن يحرسها الله عز وجل من أعدائها وحاسديها والراغبين في الكيل لها. وقد اختفي اسم المحروسة بالتدريج وصارت القاهرة هي”مصر” بإطلاق اسم الكل على الجزء، أو ربما إشارة لمركز الحكم والسلطة واعتباره رمزًا للوطن بأكمله.
وقد حدد المؤرخون تاريخ مصر الإسلامية من سنة (641م/ 21هـ) وحتى سنة (1517م/ 923هـ) بنهاية دولة المماليك وتحويل مصر إلى إمارة عثمانية. ويقسم هذا التاريخ إلى ثلاثة حلقات: الولاة والطولونيين والإخشيديين، والدولة الفاطمية، والأيوبيين والمماليك، لكل حلقة منها طابعها المميز مع وجود صلات قوية تربط بينها جميعًا.
وتروي صفحات هذا الكتاب (الصادر عن دار زهران للنشر والتوزيع، 2015) قصة عصر الولاة والطولونيين والإخشيديين، والتي تبدأ مع دخول عمرو بن العاص لمصر سنة (641م) وحتى سقوط الدولة الإخشيدية سنة (969م). حيث تميز هذا العصر بانتشار الإسلام في مصر، وكذلك تبعية مصر في صورة أو أخرى للخلافة الإسلامية على الرغم من قيام الدولتين الطولونية والإخشيدية كدول مستقلة لها خصائصها وشخصيتها.
وفي ثنايا هذا الكتاب، سبع مباحث من عمر مصر في العصور الوسطى، وهي فترة تزيد عن ثلاث قرون، تعرضت مصر خلالها لتغيرات عظيمة في النواحي السياسية والاجتماعية والفكرية، بدايةً من علاقة مصر بالعرش البيزنطي وتلك الأسباب التي عجلت بالقضاء على الحكم البيزنطي ومهدت السبيل لدخول العرب إلى البلاد، وموقف الأقباط من الفتح الإسلامي. ثم بداية عصر الولاة في مصر بانتهاء الفتح الإسلامي، حيث وصل عدد الولاة منذ الفتح حتى نهاية الدولة الأموية إلى ما يقرب من اثنين وثلاثين (32) واليًا في مقابل ثمانية وسبعون (78) واليًا في الفترة الممتدة من العصر العباسي حتى قيام الدولة الطولونية.
مع إلقاء الضوء على مسار رحلة الإسلام واللغة العربية داخل مصر، ومظاهر الحريات التي تمتع بها الأقباط، وما تعرضوا له من مضايقات معنوية ومالية، مما كان له أكبر الأثر في إشعال ثورات متعددة في وجه الجنرالات الأمويين والعباسيين. ووصولاً إلى قيام الدولة الطولونية في مصر على يد أحمد بن طولون أول سلسلة الحكام البارزين الذي حكموا مصر على فترات متقطعة، حيث استقل بمصر عن الخلافة العباسية وكون إمبراطورية واسعة تمتد إلى الشام وحدود الدولة البيزنطية شمالاً، وإلى النوبة جنوبًا، وإلى برقة غربًا، وتخوم العراق شرقًا. وانتهاءً بقيام ثان الدول المستقلة في مصر “الدولة الإخشيدية” على يد محمد بن طغج الإخشيد، الذي حاول محاكاة أحمد بن طولون في مظهره ومواكبه وبلاطه، إلا أنه لم يرزق من مواهبه أي شيء، وانقضت السنوات دون أثر. ومع ذلك فإن الدولة التي أقامها الإخشيد في مصر، أتاحت للشعب المصري أن يعيش فترة من الزمن في هدوء واستقرار، بعيدًا عن الفوضى والفتن التي انتابت الخلافة العباسية.
إن هذا الكتاب قراءة جديدة في تاريخ مصر في العصور الوسطى، قصد فيه الباحثان (الدكتور أنور زناتي، والدكتور أشرف صالح) توفير المعلومة العلمية حول الموضوعات التاريخية التي تهم الباحثين والطلاب، بأسلوب أكاديمي يتوافق مع متطلبات البحث العلمي.
_________
*كاتبة وأكاديمية من مصر