لماذا لا نكون معا بعد عامين على حرب غزة؟


* محمد البريم


خاص ( ثقافات )
تمر هذه الأيام الذكرى الثانية للحرب الأخيرة على غزة والتي شنّتها إسرائيل واستمرت 51 يوماً في أوضاع غاية في التعقيد على كافة الأصعدة متجاوزة حصيلة الحربين السابقتين لها، هذه الحرب التي لم ينبس القائمين على حياتنا ببنت شفة؛ حول ما إذا اخفقنا في مواقع ونجحنا في أخرى، على عكس مرحلة الثورة الفلسطينية التي عرضت نفسها إلى عملية مراجعة ونقد ذاتي مُعربةًعن أخطاءٍ ونقاط عجزها.
واليوم بعد مرور عامين على الحرب لم نجد أي شيء تغيّر سوى أن الحصار اشتد أكثر من ذي قبل والمصالحة بقيت تراوح مكانها وعملية الإعمار الحقيقة لم تبدأ بعد ولم يتم بناء أي منزل من المنازل التي تم تدميرها بشكل كلّي وعلى صعيد المعابر التجارية المحيطة بغزة لم يتغير أي شئ و إن الأوضاع على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والمعيشية آخذة في مزيدٍ من التدهور.
جوابي في هذه القصة للقائمين على حياتنا: فى عام 1989 ضرب زلزال مدمر أرمينيا، وكان من أقسى زلازل القرن العشرين وأودى بحياة أكثر من خمسة و عشرين ألف شخص خلال عدة دقائق، وقد شُلّت المنطقة التي ضربها تماماً وتحولت إلى خرائب متراكمة، وعلى طرف تلك المنطقة كان يسكن فلاح مع زوجته، تخلخل منزله ولكنه لم يسقط، وبعد أن اطمئن على زوجته تركها بالمنزل وانطلق راكضاً نحو المدرسة الابتدائية التي يدرس فيها ابنه والواقعة في وسط البلدة المنكوبة.
وعندما وصل وإذا به يشاهد مبنى المدرسة وقد تحول إلى حطام، لحظتها وقف مذهولاً واجماً، لكن وبعد أن تلقى الصدمة الأولى ما هي إلا لحظة أخرى وتذكر جملته التي كان يرددها دائماً لابنه ويقول له فيها: “مهما كان سأكون دائماً هناك إلى جانبك”، و بدأت الدموع تنهمر على وجنتيه، وما هي إلا لحظة ثالثة إلا وهو يستنهض قوة إرادته, ويمسح الدموع بيديه ويركز تفكيره ونظره نحو كومة الأنقاض ليحدد موقع الفصل الدراسي لابنه وإذا به يتذكر أن الفصل كان يقع في الركن الخلفي ناحية اليمين من المبنى، و لم تمر غير لحظات إلا وهو ينطلق إلى هناك ويجثو علىركبتيه ويبدأ بالحفر، وسط يأس وذهول الآباء والناس العاجزين.
حاول أبوان أن يجراه بعيداً قائلين له: لقد فات الأوان، لقد ماتوا، فما كان منه إلا أنقال لهما: هل ستساعداني!، واستمر يحفر ويزيل الأحجار حجراً وراء حجر، ثم أتاه رجل إطفاء يريده أن يتوقف لأنه بفعله هذا قد يتسبب بإشعال حريق، فرفع رأسه قائلاً: هل ستساعدني؟!،واستمر في محاولاته، وأتاه رجال الشرطةيعتقدون أنه قد جن، وقالوا له: إنك بحفرك هذا قد تسبب خطراً وهدماً أكثر، فصرخ بالجميع قائلا: إما أن تساعدوني أو اتركوني، وفعلا تركوه، ويقال أنه استمر يحفر ويزيح الأحجار بدون كلل أو ملل بيديه النازفتين لمدة 37 ساعة!وبعد أن أزاح حجراً كبيراً بانت له فجوة يستطيع أن يدخل منها فصاح ينادي: (ارماند)، فأتاه صوت ابنه يقول: أنا هنا يا أبي، لقدقلت لزملائي، لا تخافوا فأبي سوف يأتي لينقذني وينقذكم لأنه وعدني أنه مهما كان سوف يكون إلى جانبي. مات من التلاميذ 14، وخرج 33 كان آخر من خرج منهم (أرماند)، ولو أن إنقاذهم تأخر عدة ساعات أخرى لماتوا جميعا، والذي ساعدهم على المكوث أن المبنى عندما انهار على شكل هرمي، نقل الوالد بعدها للمستشفى، وخرج بعد عدة أسابيع. والوالد اليوم متقاعد عن العمل يعيش مع زوجته وابنه المهندس، الذي أصبح هو الآن الذي يقول لوالده: مهما كان سأكون دائماً إلى جانبك…!
لقد سمعنا وعودات من المسئولين بأن لطالما سيكونون بجانبنا نحن الشعب، وسيعملون من أجلنا ولأجل استقرارنا، لكن يبدو أنه طال انتظارنا، ولذلك لابد أن تأتِ اللحظة التي تقرر فيها إرادة الشعب ما هو شكل حياتنا، تلك هي الحياة التي تعيشها الشعوب والبلدان المتحضرة.
_______
*كاتب فلسطيني

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *