زهرة مروة: نرجسيتي تساعدني وتحميني من الغرق



*حوار – عبدالرحمن الخضيري


من النادر أن تجد شاعراً يبوح لك، بصوت مسموع كاشفاً أن ما يكتب عن قصائده لا يخلو من المجاملة أو المبالغة أحيانا، هذا ما تحدثت به الشاعرة اللبنانية زهرة مروة لـ”ثقافة اليوم”، فمنذ صدور مجموعتها الشعرية الأولى “جنة جاهزة”، كشفت لنا عن شاعرة موهوبة حيوية متمردة، وقد قال عنها الكاتب ياسين رفاعية – رحمه الله – إن زهرة مروة شاعرة الصورة بامتياز، ولكنها صورة مركبة تعبر عن المعنى الذي تريد، قائلا: هي من النوع الذي لا تستطيع إلا أن تحبه وتحترمه، إذ بحضوره يؤثر بالجميع ويجذبهم.
كما وصفها الشاعر والناقد ميشال سعادة “هذه الشاعرة تكتنز في ذاتها خزاناً شعرياً لا يستهان به، فهي واعدة بمستقبل حافل بالإبداع”، على وقع الأصداء الايجابية لمجموعتها الشعرية الثالثة الصادرة حديثا “الحياة على دفعات” عنها وعن أشياء أخرى، كان هذا الحوار مع الشاعرة زهرة مروة.

يقال عن القصيدة، إنها بنت زمانها ونتاج ماحولها، ماذا تضيفين لذلك؟
هناك آراء متناقضة حول هذه المقولة، كتاب ونقاد معها وآخرون ضدها، مثلا السورياليون يعتقدون أن القصيدة السوريالية تنبع من اللاوعي وليس بالضرورة أن تعكس قيم وهموم عصرها الاجتماعية. وأنا أوافقهم الرأي كوني لا أتبنى قضايا اجتماعية في قصيدتي التي هي خارج الزمن، وتطرح أفكارا وأسئلة تنطبق على كل العصور، هذا بالنسبة إلى المضمون. أما بالنسبة إلى الأسلوب الذي أعتمده، أو طريقة الكتابة، فأنا كما تعرف أكتب قصيدة النثر التي انتشرت منذ زمن بعيد في الغرب، وفي الشرق أو في لبنان، مضى عليها جيلان أو ثلاثة، فهي أيضا ليست بنت زمانها.
خالفتِ أبناء جيلك في نهج الكتابة الابداعية عندما اخترت القصيدة وليست الرواية، ماتعليقك؟
لم اختر القصيدة عن وعي، بل وجدت نفسي أكتب هذا النوع من النصوص، نصوص قصيرة مكثفة تنتمي إلى قصيدة النثر العربية، أعيش يوما بيوم، بل لحظة بلحظة، وهناك لحظات قاسية علي، لا أستوعبها ولا تستوعبني، أتحرر منها عبر الشعر.
أما بالنسبة للرواية فهي تناسب أشخاصا لا يعيشون اللحظة، بل يتابعون الشخصيات ويمتلكون نفسا طويلا، في حين، أفكر أحيانا بكتابة قصص قصيرة.
ذكرت في حوار سابق لك “أن الشاعر عندما يكتب القصيدة يحاول أن يرضي حاجاته”، فهل أرضيت حاجاتك من خلالها؟
شخصيتي متقلبة، ومن الصعب أن أصل إلى الرضى في حياتي، فكل مرة أكتشف فيها نفسي أو أعثر على مفتاح من مفاتيحها، أضيعه. فانطلق للبحث مرة أخرى. أما الشعر فهو يؤمن لي نوعا من التوازن النفسي وسط هذه العواصف الداخلية.
أيضا لك رأي فيما يكتب في الصحافة عن الكتب، وقلت حرفيا “هو ليس نقداً بل مراجعات ومجاملات وإطراءات”، هل استفدت من هذه المراجعات والمجاملات؟
عندما قلت هذا الكلام، كنت أقصد بعض النقاد في بعض الصحف اللبنانية والعربية، وليس جميعهم. بالتأكيد هناك صحافيون ونقاد يكتبون بضمير ويتابعون كل جديد، ويطورون أنفسهم باستمرار، أما بالنسبة لما كتب عن شعري، فلا أنكر أن هناك مقالات تحمل مجاملة أو نوع من المبالغة. وفي المناسبة أعتقد أن المجاملات قد تكون خداعة وخبيثة و قد تقضي على الشاعر إذا انساق وراءها أو صدقها لأنها توحي له أنه وصل الى القمة.
في المقابل، أعجبت كثيرا هذه السنة بمقالين بنّاءين عن مجموعتي الشعرية الجديدة، الأول للشاعر عقل العويط بعنوان “شعرُ الشاعرة الفتية ممغنطٌ بالحب” في جريدة النهار اللبنانية، والثاني للروائية مايا الحاج في مجلة “لها” الخليجية وهو بعنوان “زهرة مروة شاعرة تعيش الحياة على دفعات”.
ديوانك الاخير “الحياة على دفعات” هل وصلت به مرحلة النضج أو هو خطوة ضمن خطوات كثيرة وصولاً للقمة التي تطمحين بها؟
هناك بعض النقاد يعتبرون أن كتابي الأول “جنة جاهزة” هو الأهم بين كتبي، كونه يعكس تجربة وجودية عميقة، ومنهم من يعتبر أن ديواني الثالث “الحياة على دفعات” هو أنضج من كتابي السابقين. أما أنا لا أكتب الشعر بهدف الشهرة ولا أقارن كثيرا بين كتبي، لأن كل كتاب يعكس تجربة معينة. والشعر برأيي ليس اختبارا علميا، ينجح به من يحصل على العلامة الأعلى، إنما هو حاجة إنسانية قبل كل شيء.
بلا شك على الكاتب أن يقرأ ويطور نفسه باستمرار، أما عن الوصول إلى القمة، فهو منتهى اليأس بالنسبة لي، لأن القمة هي النهاية، وبطبيعتي كلما وصلت إلى شيء، جذبني شيء آخر بعيد وممنوع، وهذا ما يجعل حياتي أكثر حيوية.

لك نص عنوانه “سأبتعد” تقولين فيه: “أنا لا أعرف أكنت أتلذذ أم أتعذب”، زهرة في خلوتها مع القصيدة تستلذ أم تتعذب؟
في خلوتي مع القصيدة، أتلذذ، لأنها الوحيدة التي تستوعبني بجنوني ونزواتي، عندما أكتب أستسلم للكلمات، اتركها تأخذني حيث تشاء، وعندما أنتهي، أعيد قراءة النص، إن لم يعجبني أمزقه، أكتب بهدف المتعة والتسلية وأحتفظ فقط ببعض النصوص. أعتبر نفسي هاوية في الكتابة لا محترفة، عشيقة لا زوجة.

أيضا في نص آخر تقولين: “أحلامك تعلقينها على الحائط”؛ كم حلم لزهرة معلق؟
في الفترة التي كتبت فيها هذا النص، كنت أعيش في غربة عن ذاتي وأؤجل أحلامي، أما الآن تصالحت مع نفسي أكثر. لم أعد أعلق أو أؤجل بل أنضح الماء على احلامي وأرويها كما يروى الزهر. وأنصح كل انسان وخاصة إذا كان فنانا أو كاتبا أن يعيش حلمه وطبعه، ويبتعد عن الأشياء التي يفرضها عليه المجتمع أن كانت لا تتناسب مع شخصيته، لأن الشعر أو الفن ينبعان من تلك التلقائية والبساطة في الأشياء.

هل استندت على عائلتك “مروة” بما وصلت إليه الآن؟
أنا بطبعي متمردة على هذه الأمور، على العائلة والتقاليد، فمثلا لم يشأ أهلي أن أسلك طريق الكتابة في البداية، ولكن نجاحي ومثابرتي جعلاهم يغيرون رأيهم، ربما انتمائي إلى عائلة “مروة” قد ساهم في هذا النجاح، ولكنني لم أستند أو أرتكز على ذلك من أجل الوصول، فمنذ البدء شعرت أن هناك شيئا يجب أن أقوله، منذ البدء وجدت نفسي مختلفة عن الآخرين، غريبة في مشاعري وأحاسيسي، فكتبت دون وعي ودون هدف.
أعتقد أن العائلة أو النسب قد يعطيان دعما للكاتب أو الشاعر في بداية طريقه، ولكن مع الوقت، لا يبقى إلا التجربة والعمل الفردي.
هل يمكننا أن نسميك الطفلة النرجسية؟
نعم أحب نرجسيتي، لأنها تساعدني وتحميني من الغرق، وبرأيي على الإنسان أن يحب نفسه أولا ويمتلئ بها، ومن ثم يشرف على الآخر، ويشبعه حبا.
_______
*الرياض

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *