منحوتات معتصم الكبيسي.. حساسية الإشارة والاحتجاج




*خضير الزيدي


خاص ( ثقافات )


تثير مخيلة معتصم الكبيسي النحتية، حساسية المتلقي؛ فهي تبدي مواجهة لعناصر لم تبتعد عن المخيلة ولم تكن غريبة بل تقبع في الذاكرة،وبما أن مفاهيمه ومركباته البنائية شيدت ضمن أسس النحت الموجه والباعث لسياق ثقافي ونفسي حاد فمنظومة صياغاته تسهم في إعطاء فكرة إنسانية عليها أن تواجه عجلة الحرب ومدرعاتها.
ومثل هذا الإدراك من الطبيعي أن يمثل هاجسا لمناصرة الإنسان، فتتحول بواعث الإشارة التي أرشدنا إليها بيير جيرو في تنظرياته السيميائية من تجلي وظيفة الجوهر إلى التعلق بالمرجع وهي وظيفة مرجعية تفرض نوعا من الشيفرات الانفعالية مع قيمها الإيحائية، وهذا التصور كان متواجدا في عجلة الحرب التي صاغها معتصم وجعلها مركزا حيويا يبني عليه مشيداته ويلزم نفسه بمعايير الجمال الواقعي التي تؤسسه ماكينة الحرب، هذا النداء الداخلي لا يملك سلطة على عراء الكائن أمام قوة الدمار فحسب بل يصغي لهتافات باطنية ولوازم خطاب موضوعي فماذا تجلب لنا رؤية عجلة الحرب وتراكمها إزاء مكونات عقل الإنسان ؟
في هذا المعرض نكتشف حاجتنا للهتاف والإثارة بحيث تميل شبكة المنحوتات لإظهار علاقتها معنا وهذا ما يجعلنا نخاطب العمل ونواجهه في حوار تتنامى معه أسباب الجدل ..وأحسب أن الكبيسي أراد آن يوقفنا أمام فاصلة التاريخ المعاصر والتنافس بين قوى الخير والشر واستطاع بمهارته أن يوفر أكبر قدر من الفرادة الأسلوبية في هذه الأعمال مع التمسك بخيار التحديث البنائي والجمالي، فالوجهة التي تسيطر على نحته الأخير تحيلنا إلى معياريتها حيث دقة الصياغة الأسلوبية والثاني نداء هاجسها وطاقة المدلول التعبيري فكأنما تبتكر وقائع نهايتها من زوايا السمة الشعورية. وما خطاب معتصم ببعيد عن اجتراح العودة إلى تاريخ الحرب وإدانتها وكل ذلك كان حاضرا عبر هذه المنحوتات التي صاغت خطاب مدرعة الاحتلال من جهة ولوازم تفعيل الدكتاتور من جهة ثانية وأخيرا قوارب الهجرة التي عمل عليها وهذا الثلاثي المبني على اشتراكات التنوع مكن تطبيع التوثيق من إعطاء مشروعه النحتي هوية أخرى غير التي دلنا عليها في عيدان الثقاب التي أشعلت الحرب أو خيوله الجامحة .البساطة في منحوتات معتصم الكبيسي تمازج بين الحدس وتكييف اللحظة الخاصة بتاريخ الألم الحاد، وحساسيته وتفجيرها عبر الهجرة في قوارب الموت.
جل ما أود التأكيد عليه بان العلاماتية المركزة في منحوتات معتصم لم تتعد أي من طبقاتها المفاهيمية ولم تسترجع لنا الذاكرة أو توثق الأحداث ،بل كانت على قدر عال من بث شفراتها وهي توظف بوجهتها البصرية مسار وضوح نهاية الإنسان ولعل مثل هكذا خطاب فني وجمالي يندفع تحت تأثير العاطفة ومساربها لكن الأمر يدل على ميول سرد الحكاية وتاريخها عبر منظومة النحت ومفاهيمه حتى وإن كانت سيرة لطبقة سياسية أو عدوان على بلد .. ولعل من يعرف الكبيسي عن كثب يعي الأسباب الداعية لولوجه في منطقة المحظور وبما أنها رؤية ذاتية لها وجهتا إلا أنها تتجه نحو إشراك الجميع في فهمها بمعنى هي نتاج عوامل داخلية انبرت بحساسيتها لتعلن رفضها في أعمال تشجب حالة الصراع والحرب.

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *