*سيومي خليل
خاص ( ثقافات )
أَظُّن أنِّي كُنت حَيوانَا مَا ، فِي زَمن آخر رُّبما ، وفِي مكان آخر .
قلْتُ لهَا وأنَا أبْتَسم .
مَنْ يَدري رُّبما كَانت لي أَرياش طَائِر حَّادُ النَّظر ،و مخالبُ مُّفتَرس نَزق وسَريعُ الحَركة ، لكني اعتَقدُ ، وحَسب شَكلي الخَّارجي الآن ، أني لَمْ أَكن سوى دُّب لطيفٍ ، أو غُوريلا تَعرف كَيف تَبحثُ عنْ القَّمل في ظُّهور أَبنائِها ، لا أَعتقد إطلاقَا أنِّي كُنت يَومَا نَّمرَا يَتحرك وَراء أعشَاب الشِّيح بخفة ، وحَسب مَا يَجول بخَاطري لا أَظُّن أيضَا أنِّي كُنت ثَعلبا مَّاكرا ، وذَكيا ، يَستطيع تَفَاد الفِّخَاخ التي يَضعهَا أبنَاء القَبائل العُّراة ،الذين يَتناكحون جَميعَا ، ولاَ يَعرفُون أعمَارهم .
ضَحكت ،كَمَا العَادة، ضحكة غَامضة .
تخيلي أَنْ نَكُون فعلاً عِشنَا حيوانَا مَا في زَمن آخر .
انْتظري … انتظري …
هكَذَا قُّلت لهَا وأنا أتذكر عنوانَ كتَاب اسمه الحَيوانَات التي نَكُونهَا .
حينَ سَألتني عَنْ اسم كَاتبه ، أجهدتُ الذَّاكرة دُون أنْ أتذكر اسمه عَلى الإطلاَق ، لكني قُلتُ لهَا إنَّ الكتاب يَتحدث عن الحَيوان الذي َيقترب إليه جَسدنَا ،فَكُّلما تَأملنَا جَيدا فِي أجسَاد بعض ، وحَركَاتنا ، وطَريقة كَلامنا ، وتَنَقُلاتنَا ، إلا وَستومض في أذهاننَا صُّورة عن حيوان ما .
ابتسَمت مَّرة آخرى …
أشرت لَها أنْ تُّمعن النَّظر في الطاولة التي أمَامنا داخل المقهى .
عَليك أن تَتَأملي ذَلك الشخص ، انظري إلى طَريقة نُّطقه للكلام ، كَيفَ يَرشُف القَّهوة ، نَّظرته إلى سقف المَّقهى ، كَيف يُعيد النَّظر إلى باطن كفه ، تَأملي عينَيه جَّيدا ، وسَتَرين أنَّه يَقترب من حَيوان ما … مَا هُو ؟؟؟
الدِّيك الرُّومي …
قالت وهَي تَضحك .
لمْ تَقل الدِّيكُ الرُّومي
فَهي لاَ تَعرفُ أن _بيبي- اسمُّه الدِّيك الرُّومي .
قَالت وهَي تَّقتُل ضحكة واَضحة ؛ -بيبي_ .
نَّبهتها انَّ الأمر لَيس مَّدعَاة للضَّحك عَلى الإطلاق ، إنَّه بالفعل كتاب يَتَحدت عن نُّقَط الاشتَراك بَينَنا وبَين الحيوان ، ومن يَدري رُّبمَا نَّجهل الرَّوابط الخَّفية لهذَا الوجود العَّظيم .
وأنَا …
قَالت …
وأنَا ، أَي حَيوان أَكون ؟؟
بسرعَة قُلت :
قطة …
قِطَّة من فَصيلة النَّمريات ، تَّمَّ تهجينها كي تَعرف كيفَ تَسكن البّيوت ، وتَّنَام عَلَى أَرياش جَميلة ، وتَموء كُّلَّ مَساء قَصيدة شعرية لمحمود درويش ، وتُّنظف فَروهَا بِعطور مُّقتنَاة من المدينة القَديمة ، وتَمشطه بطريقَة غَاية في التَّناسق .
أنت قطة …
لو لاَحظت جَيدا سَتَكْتَشفين أنَّ لك مِيزاتها وقَبائحها ،هُنَاك شَيء مشترك داخل عَينيكُمَا مَعا ، فَلم أنْجَح يومَا في معرفة نظرة قطة لي ، سَواء كانَت جائعة أم لاَ ، وهَذا فعلاً مَا يَقع مَعك ؛ أخبرني مَتَى عَرفت المُّقصود بِنَظراتك ؟؟ لا مَّرة عَلى الإطلاَق ، ولاَ تَنسي أنَّك سَريعة الإنفجَار كالقطة ،، فَرغَم الهُّدوء البَادي على القطة ، والذي يجعلكَ تُّؤمن أنَّهَا من أروع الكَائِنَات ،إلاَّ أنَّ أقل خَطأ في تصفيف فَروها مثلاً ، سَيجعلها ترتمي على يَديك ؛ أَنت الآخرى سَريعة الإرتمَاء ….لكن لا تَلبثَان معَا أن تعودان إلى نفس الإسْترخَاء المثير .
أنت قطة ولاَ شَيء غَير ذَلك
وهَذا يَعني أنِّي سَأكون مَع من دافعوا عن القِّطَط مقابل من دافعُوا عن الكِّلاَب في كتاب الحيوان للجَاحظ .
أتعرفيِن أنَّ مُّنَاظرة كَانت حامية الوَطيس كمعركة بين مزايا القِّطط ومزايَا الكِّلاَب ، وأظنُّ أنَّ من فَاز هي القطط ، فالجَاحظ كانَ يَميلُ على ما أَظن لَتفضيل القِّطَط في كتابه عَن الحَيوان .
لا تَنسي أنَّك لَست مُّجرد قطَّة ، لكن أنت قطة بأَساور مُّميزة في الأذنين ، والجيد ، وأنْت قطَّة تَعرفين كَيف تَمشين علَى قَدمين ، وعلى أربع ، ولاَ مشكلَ عندَك في التَّمدد أمَام الشَّمس كمَا فعلت ذلك اليوم في البَحر .
ابتسمت …
وشَرعت فِي وَضع يَدها على يَدي ،وأشَارت بطَريقة سحرية بأَصابعهَا ، فبدأنَا مَعا نَّتَحول، تَحولت هِي إلى قِّطة بَألوان زَاهية ، وكنت أنَا أتَحول إلى خَليطٍ من الكَائِنات والأفكار والمَّعاني ، بَدأت هي تموء وتنط ، وبَدأت أَنَا أَموء ، وأنبح ، وأَصهل ، وأُغرد …
ضحكنا مَعا
قالت ..
إنْ كُنت قطَّة فَقدرك أن تَّكُون قطَّا .