مواطنٌ عربيٌ حُرّ


* حازم شحادة


خاص ( ثقافات )
شعورٌ غريبٌ ذاكَ الذي اعترى سليمان علي وهو ينهضُ من فراشهِ هذا الصباح.
لقد كان حُرَّاً.
للوهلةِ الأولى لم يدركِ الأمر بشكلٍ جلي لكن..
ما أن مرّت دقيقتان حتى بدأ يتحسس جسدهُ مذهولاً من قوة العضلاتِ والطاقة الهائلة المكتنزة داخله.
قفز عن السريرِ بخفةٍ كأنّه يطير..
في الحمَّام وقفَ أمامَ المرآة غير مُصدِّقٍ ما تراهُ عيناه.. 
نفسُ الوجه لكن البشرة نقية لا تشوبها تجعيدة واحدة..
ولا واحدة..
وعندما حنى رأسه ليرى وجهه بوضوحٍ في المرآة أفاق على حقيقة أخرى.. 
لقد كان أطول..
تأمّلَ بانفعالٍ ساقيه وعروقه البارزة بانسياب من الفخذين ثم وضع يده على أعضائهِ فسرت داخل جسده قشعريرة كأنما صاعقة بُعثت منها وقال لنفسه..
ـ لا شكّ أنني قادر على مضاجعة أربعين امرأة في ذات الوقت..
كانت غرفتهُ الحقيرة قد واكبت ثورة جسده فتحولت إلى مكانٍ رائعٍ تعبقُ منه رائحة الخزامى..
استطاع سليمان أن يرى البحرَ الجميل تتلألأ مياههُ الزرقاء تحتَ أشعة الشمسِ من خلف الستائر الناصعة..
ـ من أين جاء هذا البحر إلى هنا؟ 
هرشَ رأسهُ مستفسراً والحيرة تأكلهُ فالمنظر الوحيد الذي كان يراه طوال عشرين عاماً من نافذة الغرفة هو مجموعة من العمارات القذرة والشوارع المزدحمة بالفقراء والسيارات..
لم يكن هذا الصباح عادياً على الإطلاق..
جلّ ما خشي منه أن يكون الأمر حلماً فقرر أن يصرخ بأعلى الصوت ليستيقظ بشكلٍ ما لكن شيئاً لم يتغير..
مدَّ إبهامه وسبابته بهدوء نحو خدّه وقرصَ نفسه بقوةٍ..
لم يطرأ أيُّ جديد..
كل شيء حقيقي. 
سليمان علي رجلٌ فقير مربوع القامة خفيف الشعر أجعده ترك الجدري الذي أصابه في مقتبل العمر آثاراً كالآخاديد على وجنتيه..
هو الآن في منتصف الأربعين يعمل منذ خمسة وعشرين عاماً بدوامٍ كاملٍ في مصنع للنسيج على أطراف المدينة الجنوبية..
غير متزوج ولا أصدقاء عنده سوى التلفاز الذي يتابع عبر محطاته الفضائية أخبار العالم والناس ويمارس عادته السرية قبل أن ينام على مشاهد الجنس في محطاته الإباحية.
إمكانياته العقلية المتواضعة لم تُقدِّم له جواباً شافياً عن طبيعة هذا التحول العجيب الذي أصابه..
قرر سليمان أن يخرج..
في خزانة ملابسه وجد مجموعة من أجمل القمصان البحرية البيضاء والزرقاء ومجموعة من السراويل القصيرة الرائعة فتجاهل دهشته وارتدى قطعتين منها فمن وضع البحر إلى جوار غرفته وجعل منه رجلاً خارقاً لن يعدم حيلة كي يضع بعض الملابس في خزانته..
فتح الباب بهدوء فداعبه النسيم البحري ثم أشرقت الدنيا عليه بألوان خلابة..
كانت مجموعة من الأشخاص على مسافة غير بعيدة تلعب وتمرح والقاسم المشترك بين أفرادها من ذكور وإناث أنهم جميعاً.. عُراة. 
ـ اللعنة.. أنا في شاطئ العراة
قال لنفسه.. 
ـ من أحضرني إلى هنا؟ وأي بلد هي هذه؟ 
ليقطعَ الشكّ باليقين اقترب من المجموعة اللاهية على الشاطئ وما أن بدت له نهود النساء وحلماتهن بوضوح حتى تدفق نهر خصوبته دونما انقطاع وكأنما لن ينتهي وسرت في عروقه رعشة مستمرة ما أحسّ بمثلها في حياته قط ثم لمح الفتيات يهرعن إليه.. 
** 
كانت تسعة أيّام قد انقضت..
الرائحة المنبعثة من الغرفة لم تعد تُطاق فلم يجد جارُ سليمان بُدّاً من الاتصال بالشرطة بعد أن أعياه الطرق على الباب دون جواب..
حين قام الرجال باقتحام المكان فاحت تلك الرائحة الفظيعة بشكلٍ مُضاعف وانتشرت تسعة جراذين في المكان بعد أن أصابها الهلع..
إنها غرفة سليمان علي.. 
العاملُ الذي أمضى أكثر من نصف حياته وهو يكدحُ ليسدّ رمقه فقط وليحيا عمره في غرفة حقيرة على الأطراف الجنوبية من المدينة البائسة ذات السكان البائسين وعلى السرير في الزاوية اليمنى من الغرفة كان عارياً..
يدهُ على أعضائه دون أيّ حراك بينما يخرج الذباب ويدخل من أنفه وفمه..
_________
شاعر وكاتب قصة قصيرة من سوريا

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *