ساق البامبو.. متعة النصّ والفرجة



*نجاة إدهان


خاص ( ثقافات )
“ليست لي أمنيات كثيرة، كلّ ما أتمنّاه هو أن أعرف من أكون..” (عيسى في مسلسل ساق البامبو)
الثّابت أنّ رواية سعود السّنعوسي الحائزة على جائزة البوكر للرّواية العربيّة قد كُتبت بسلاسة لافتة فجاء عالمها السرديّ مكتملا بتفاصيل تُظهر خفايا الشخصيّات وتقاطع مصائرها وصراعَ ذاتٍ تبحث لنفسها عن هويّة صادرتها ملامح وجه لا تشبه أهل الوطن: الكويت. أمر يدفع قارئها إلى التّساؤل: هل سيستطيع العمل الفرجويّ أن يكون وفيّا لروح النصّ الأوّل أم أنّه سيكون “إساءة” بالابتعاد أو التّشويه أو حتّى الإعادة الخالية من رؤية إبداعيّة؟ هي جملة أسئلة تطرح مواضيع هامّة قوامها علاقة الأدب بالفرجة في زمن انصرف فيه النّاس إلى ثقافة الصّورة ومهرجان الألوان والأجساد وقتل العقل المنتج وفي هذا الباب مجال نقاش طويل قد نرجئه إلى قراءة أخرى.
لقد كانت الحلقة الأولى فاتحة واعدة لأنّها أعلنت بداية عمل مغر بالمتابعة فرجة ونصّا وصراعا تعيشه ذات باحثة عن هويّة. قضيّة مركزيّة وظّفت لها كلّ عناصر العمل وخاصّة سطوة الأمّ ودقّة الجمل القصيرة التي تأتي على لسان عيسى . إنّهما أداتان ذكّيتان بلّغتا المقصد فجعلتا المتفرّج ينصرف إلى همّ واحد هو متابعة ما سيصير إليه الأمر بينهما. فبقدر ما وُفّقت الفنّانة الكبيرة سعاد العبد الله في تجسيد شخصيّة الجدّة المتشبّعة بمقولات يفرضها المجتمع حتّى أنّها تستميت في الدّفاع عنها رغم ارتجاف قلبها أحيانا نجح كاتب السيّناريو رامي عبد الرّازق في جعل عيسى يلخّص وجعه في جمل قصيرة تذكّر بسيناريوهات الأفلام الكبيرة. هي جمل قوامها التّكثيف اللّغويّ وجماليّة التّصوير فكأنّنا به يعلن أنّ الوجع هو ما يمنحنا بلاغة التّعبير. يقول عيسى موجّها الخطاب إلى أمّه وهو الذي اعتاد استحضارها محاورا ما قالته له سابقا: “أنا حفيد بدرجة طبّاخ، يا أمّي.” ثمّ مخاطبا ابنة عمّته: “خذوا هذا الاسم (الطّاروف) واعطوني حرّيتي.” جملٌ يسكنها هاجس السّؤال المتواتر على لسان الشخصيّة وذاتٌ تقتلها الحيرة من بيت يئد لحظات الفرح “الأشياء الجميلة في هذا البيت يجب أن تبقى سريّة.” ولعلّ تواتر صورة ساق البامبو في غرفة الكويتيّ الغائم الهويّة وتعليقه عليها واصفا: “نبتة مسكينة في مزهريّة راقية تشبهني في بيت الطّاروف” خير ما يجمع النصّين: نصّ الرّواية ونصّ السّيناريو، سيناريو كتب نصّا آخر بلغة عالية دون أن يقطع مع الرّواية فكأنّما هو الانتصار لعيسى الذي جاء كلامه مركّزا ومشحونا بالمعنى فأثبت أنّه الأقدر على الفهم وبلاغة الخطاب معا. 
عمل تكاملت عناصره فتقاطعت متعة الفرجة والنصّ ونقلت صورة شخصيّة هويّتها هي أزمتها لذلك كلّما خاطبت أهل البيت صدّرت كلامها بــ”أنا آسف”. أسَف على دخول البيت وعلى الكلام وربّما على الوجود المشبوه الذي لا حلّ له رغم الاعتراف الرسمّي ومنحه الجواز. مسلسل بسيناريو لافت وجرأة في تصوير قضيّة تجعلنا نواجه أنفسنا وجملةَ الاعتبارات التي نتوارثها دون أن نتفطّن إلى أنّها تقتل الإنسان السّاكن فينا فلا الــملامح تشفع للــــ”بدون” فيجدون لهم مكانا (غسّان) ولا الجواز يغيّر سمات الوجه فيُعترف بصاحبه.

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *