*د.سمر الشامسي
خاص ( ثقافات )
في ظل هذه الظلمة، هناك صوت يدوي في الأعماق، ويقول: اختلس السعادة من بين طيات الأيام، واقتنص الفرحة من بين جنبات النفس، واستخدم المتاح من الإمكانيات واستغلها لتسعد نفسك بها، فمن المعلوم أن النفس تطمع وترغب في اقتناء ما بيدها وما بيد غيرها أحياناً.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف تُختلق السعادة؟ هناك إجابات عديدة لهذا السؤال. في اللغة العربية، اشتُقت كلمة “الغنى” من الاستغناء عن الشيء، فمن استغنى عن شيء كان “غنياً” عنه! أي أننا نكون أغنياء بقدر قدرتنا على تقليل ما نطمح لتملكه والعيش ببساطة. هذه إذن أول خطوة للسعادة وراحة البال. أن نبسط حياتنا ونرضى بما نمتلكه من وسائل العيش.
ومن الممكن أن يختلق الإنسان السعادة من خلال الذكريات. فعندما يتذكر الإنسان طفولته ويخلو بنفسه أو بأحد أصدقاء الطفولة أو الصبا، تسعده ذكريات تلك الأيام التي كانت خالية من الأعباء لخلوها من المسؤولية. فالطفل أو الصبي لا يدرك أعباء الحياة حتى تشغله وتسلب سعادته.
ربما تكون ذكريات مضت مع الأهل حيث الوئام والحياة التي تخلو من النفاق وأغلال الروتين والرسميات، حيث الألفة والتجرد، حيث الأنس والابتسامات المصاحبة لصيحات الفرح الصافية النقية. من المؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الذكريات تعيد للإنسان شيئاً من السعادة حتى وإن كانت مؤقتة. إلا أن استغلالها والتعايش فيها تجعلها لحظات سعيدة.
فعلى الانسان أن يتخذ من هذه اللحظات دافعاً إيجابياً حيث يستمر شعوره بالسعادة لفترات، وربما يُعيد النظر بأمور كان يستصغرها ويجعل منها طريقا لسعادته. وربما يتذكر بعض المواقف التي اكتسبها من معلميه أو من كبار أهله في الصغر فيتخذ منها درساً يجعله منهج حياة ويكون وسيلة للسعادة.
ومن المؤكد أيضاً أنه لا تستمر السعادة ولا تستمر الكآبة، ولكن يعيش الإنسان بين طرفي السعادة والكآبة، والفطن هو من يجعل من الضعف قوة ومن الفشل نجاحاً، ويرسم لنفسه خطوات السعادة مهما كان الثمن والتكلفة. ولأن السعادة شيء قيم له قدره ولا يجوز أن نتجاهل أهميته، فلابد أن يكون التعبير مواكباً ومناسباً للمضمون لذلك لابد أن نختلق السعادة .
ربما تكون السعادة بسبب لوحة جميلة قام الإنسان برسمها أو بالاستمتاع بمشاهدتها. ربما تكون في رواية جميلة أو قصيدة منمقة تحوي من المعاني ما يروق للإنسان تذوقه والاستمتاع به. فهذا أيضاً من صور استرجاع السعادة.
وأجمل ما يسعد الإنسان أحياناً هو التغافل ونسيان المؤرقات، فالقدرة على التغافل ونعمة النسيان من النعم التي لا يلقي الإنسان لها بالاً مع أنها سبب من أسباب اختلاق السعادة.