*د. سوزان جورج توماس، د.شيري هاملي،د. سوزان كراوس ويتبورن / ترجمة : آماليا داود
خاص ( ثقافات )
نظرية الهوية السردية نموذج لفهم مرونة الأفكار والسلوك البشري، والفرضية : نحن القصص التي نخبرها، نحن مضطرون لخلق القصص لفهم أنفسنا، وتقول جوان ديدون :” نخبر أنفسنا القصص لكي نعيش “، ونحن نعيش ” بفرض خط سرد على صور منفصلة ” بسبب حاجة ماسة ” لتجميد الأوهام المتغيرة التي هي تجربتنا الفعلية “.
نحن بحاجة جوهرية إلى توضيح وتنظيم واستخراج المعنى من الفوضى في حياتنا، القص هو سلوك تكيفي يعود إلى 40.000 سنة، والقصص التي نخبرها لأنفسنا لا تتعرض إلى التدقيق، لكن عليها أن تشعرنا بأصالتها ضمن تجربتنا الشخصية، وقدرتنا على الفهم وخلق المعنى، الذكريات تعرف كيفية شعورنا تجاه أنفسنا وتشكل هويتنا التي نخلقها طوال حياتنا .
” هناك دافع قوي جداً بالنسبة لنا لتحويل قصص العار والرفض والفقدان إلى فوائد لبناء الحكمة ” كما يقول أستاذ علم النفس جيفرسون سينغر ” نحن نريد أن نقول بطريقة ما أننا سعداء لخوض تلك التجارب لأنها علمتنا شيئاً للكيفية التي نريد أن نعيش بها حياتنا”.
لكن كيف نحول تلك القصص إلى قصص إيجابية ؟ قام عالم النفس الاجتماعي تيم ولسون بإجراء بحث في جامعة فرجينيا عن إعادة صياغة قصننا بسرعة وبإيجابية، وابتكر ما اسماه ” تحرير القصة “، وتقنيات ” توجيه القصص ” والتي أثبتت حدوث تغييرات مفاجئة في وجهات النظر والسلوك .
والهدف من ” تحرير القصة ” نزع فتيل الخبرات الضارة، وتجربة تحديد الذات التي يمكن أن تكون إشارة للهزيمة والتفكير والسلوك الهدام، وهذه التجربة يمكن أن تكون أقوى باعتبارها إستراتيجية للتعامل مع الخبرات الاجتماعية الواسعة . .
على سبيل المثال أظهرت الدراسات في جامعة ستانفورد وجامعة فرجينيا أن عملية ” توجيه القصة ” يمكن أن تساعد الأقليات والطلاب المحرومين اقتصادياً لتحويل عقليتهم وطرد التشاؤم الذي من شأنه إن يحدث تغييرا ايجابيا في تقدير الذات، ويقول ويلسون إن هذه الطريقة ليست سحرية، بل بكل بساطة تأطير ” توجيه القصة ” في إطار اجتماعي لتغيير تفكير المجموعة، ” تغير تفكير الأطفال حول الذكاء والأشياء الثابتة وبدلاً توجيهيا لإدراك أن تحقيق الإنجاز يدور حول الاستعانة بالمساعدة الصحيحة والتغلب على العقبات “. يعلق ويلسون قصة حياتنا تصبح راسخة خلال سن المراهقة، ونبدأ في توجيه نفسياتنا حول الذكريات القوية، بالرغم على عدم قدرتنا على السيطرة على القصة التي سوف تؤثر علينا أكثر . هذه ” ذكريات تحديد المصير” تأتي لتعكس إلحاحاً نفسياً مكروهاً . نحن نفهم أنفسنا وهوياتنا العامة من خلال تفسير تلك الذكريات وقيمتها وأهميتها .
وبحسب تعبير الطبيب النفسي دان مكأدامس فإن تلك القصص لا تعكس شخصيتنا بل هي شخصيتنا، من فترة سن البلوغ نقوم بتطوير قصص سردية التي نتبعها للتنبؤ والتقييم والرد وللسيطرة على حياتنا، ونواصل تحديث السرد والرجوع إليها للاسترشاد عندما نواجه التحديات : كيف يمكنني أن أرد على شيء كهذا ؟ وإذا أخبرتنا قصصنا الشخصية إننا صامدون فسنكون كذلك، أما إذا أخبرتنا قصتنا الشخصية أننا غير مؤهلين للدفاع، فإننا لن ندافع .
وهذا النهج هون هج جديد لتحسين توقعاتنا، ويُطلب منا حرفياً أن نعيد كتابة قصة حياتنا، وقد وجدت عدة دراسات أنه عن طريق الورق أو الصوت العالي، مراجعة النكسات بعيون جديدة من مسافة تساعد الناس على التأقلم مع هوياتهم القديمة ( أو من كانوا قديماً )، وتصور أفضل لما يريدون أن يكونوا، وإيجاد وسيلة لتصحيح المسار، إعادة صياغة القصة الشخصية تساعد الناس على رؤية الأحداث كفرص أو نقاط على الطريق بدلاً من نهاية الطريق، وعلماء النفس الذين طوروا هذه التقنيات يقولون إن التغيير يأتي أسرع مما تتوقع .
لا يمكن أن تغير الماضي لكن يمكننا أن نغير كيف يؤثر فينا وكيف يُشكلنا . فعندما نعدل ما نقوله لأنفسنا عن الماضي، يمكننا إعادة توجيه مستقبلنا، في علاقاتنا وخلال اختيارات الحياة، أو في وظائفنا، يمكننا أن ندرك أخطاءنا، أن نسير إلى الأمام، والبدء في عيش قصة جديدة .
ولإعادة الكتابة فوائد كثيرة منها تحسين المزاج والسعادة وتعزيز المناعة، وتساعدك إعادة الكتابة على ترتيب أفكارك ومشاعرك والتعبير عنهم بالكلمات، وهذا بدوره يساعد على اكتساب منظور فرز العواطف، وزيادة تماسك السرد لتفهمك من أنت، وكيف أصبحت هذا الشخص، وكيف سيكون مستقبلك .
رؤية أنفسنا كأبطال هي سمة عالمية تقريباً لأنانية المراهقين، فالمراهق مشغول بقضايا الهوية وذهنياً غير قادر على رؤية الأشياء من وجهة نظر الآخرين، مع مرور الوقت معظمنا يتخلى عن فكرة الأسطورة التي لا تقهر وندرك أنه يمكننا أن نقع عن لوح التزلج، ويمكن أن يتفوق علينا الزملاء، ويمكن أن ندخل في مأزق، ونحن نتعلم تلك الدروس معظمنا يبدأ في تنظيم سلوكه وفقاً لذلك، إنها وسيلة صحية لتطوير توقعات واقعية عن الحياة .
عندما نكون صغاراً حكاياتنا الشخصية هي سيناريوءالانجازات المتوقعة، ومع تقدمنا بالعمر نغير قصتنا باستمرار لدمج نوبات الفشل، رؤيتنا لحياتنا هي ثمرة مباشرة لهويتنا المتوقعة في المستقبل بناءا على الماضي .
الفلاسفة والعلماء يتفقون أن العالم، بما في ذلك نفسك، يمكن أن تعرفه فقط عن طريق طريقة تفكيره به . واقعك، بما في ذلك من أنت يكون على شكل قصة تخبر بها نفسك ويمكنك أن تغيرها .
ولتبدأ عليك أن تقبل أن أفكارك الواعية هي كلمات تمر في عقلك لكنها ليست كذلك، ولمدة 4 أيام عليك أن تكتب أفكارك ومشاعرك عن الصدمة الأكثر تأثيراً في حياتك أو قضية عاطفية أثرت عليك وعلى حياتك . في كتاباتك عليك أن تسمح لتلك المشاعر بأن تخرج، وأن تكتشف أعمق عواطفك وأفكارك . وقد تستطيع أن تربط القصص بعلاقتك مع الآخرين، والديك، أقاربك بماضيك وحاضرك ومستقبلك، بمن كنت ومن تريد أن تكون ومن أنت الآن، وتستطيع أن تكتب كل يوم عن موضوع أو تجربة مختلفة، لمدة 15-20 دقيقة لمدة 4 أيام سوف تتعرف على نفسك، لا تقلق حول الإملاء أو بناء الجملة المهم أن تنهي الكتابة.
اعرف أسلوبك :
تستطيع أن تختار الكلمات التي تقولها لنفسك في عقلك، وهذه الكلمات سوف تكون جزءاً من نشاط المخ المتعلق بالإدراك الواعي بعضها الآخر يرتبط بشخصياتنا من خلال تفاعلاتنا مع البيئة الاجتماعية، ويمكنك فهم أسلوبك بالكشف عن التهديدات، وردود الفعل العاطفية، أو التصرفات الدفاعية أو الداعمة، كجزء من أسلوب تعلقك . عندما تشعر بالخوف أو بالتهديد في علاقاتك، مركز العواطف في الدماغ يثير استجابة القلق،أو الانغلاق العاطفي قبل أن تكتشف فعلياً ما الذي يحدث، وعندما تعلم أن ردات الفعل تلك تلقائية، يمكنك العمل على تغيير من أنت .
غير افتراضاتك :
لدينا جميعاً أفكار أساسية حول أنفسنا والعالم وعن الأشخاص في دائرتنا الاجتماعية، أفكار احتفظنا بها لفترة طويلة، وكثيراً ما تتكرر، حتى ننسى أنها مجرد أفكار، تلك الأفكار أصبحت قصتنا، وتلك الأفكار الأساسية يمكن أن تكون غير منطقية، ومع ذلك نعتمد عليها في حياتنا، وننتزع السلوكيات التي تتناسب مع اعتقاداتنا من الآخرين.
وتستند هذه الأبحاث على فكرة أنه لدينا جميعاً حكايات تشكل وجهة نظرنا عن العالم وأنفسنا، لكن أحيانا الصوت الداخلي لا يعبر عنها بشكل صحيح، ويعتقد بعض الباحثين انه من خلال كتابة قصصنا ثم تحريرها، يمكن أن يساعدنا على تغيير تصوراتنا عن أنفسنا وتحديد العقبات التي تقف في طريق صحتنا .
ويقول الدكتور ولسون إن الكتابة لا تحل كل المشاكل، لكنها بكل تأكيد تساعد الناس على التكيف . الكتابة تجبر الناس على إعادة تفسير كل ما يدعو للقلق، وإيجاد معنى جديد لكل الأشياء .
المصدر :
physiology today
well.blogs.nytimes