*د. بلقاسم مارس
خاص ( ثقافات )
مدخل نظريّ:
نتطرّق في هذا المبحث إلى مسألة البدايات والنّهايات في النّص القصصيّ القصير من خلال نماذج من قصص محمد آيت ميهوب و نقصد بالبدايات المطلع السّرديّ الذي يستهل به السّارد قصّته، لما للبدايات والنّهايات من أهميّة مركزيّة في النّصّ القصصيّ ،وما يمكن أنْ تحيل عليه في بنية القصّة القصيرة، إذِ انشغل النّقاد بمسألة البداية والنّهاية في النصّ الأقصوصيّ، بل و اِعتبروها مسألة ثابتة في بنيتها. وشرطًا لكتابة النّص القصصيّ القصير،وجعلوا لها شروطًا وجب توفّرها في البداية كما في النّهاية من ذلك ما كتبه النّاقد العراقي ياسين نصير في مؤلفه « الاِستهلال فن البدايات في النص الأدبي » أو ما أشار إليه النّاقد صدوق نور الدين في كتابه « البداية في النّص الرّوائيّ »أو ما ذكره أحمد العدواني في كتابه « بداية النّص الروائي » كما لا يفوتنا التذكير بما كتبته جليلة طريطر في كتابها الموسوم بـ« في شعريّة الفاتحة النّصيّة: حنامينة نموذجا » وبناءً على ذلك، فإنّ اِعتناء الكاتب للقصّة القصيرة بالبدايات والنّهايات اُعتُبر شرطاً من شروط الجودة في كتابة القصّة القصيرة . وقد وقع الاختيار في هذا البحث على مجموعة قصصية لمحمد آيت ميهوب وهي الموسومة بـ« الورد والرّماد» وتتضمّن القصص القصيرة التّالية« رجال بلا شمس- القارب والرّيح-الرسائل تصلنا دائما – حكاية أجمل سمكة في العالم أو مدن بلا أساطير – الورد والرّماد – أسرار المعلمة – تلك المرأة …أولائك الرّسامون – الأزرق /الأسود – طعم القصة ورائحة المطر- الأنفاق-»
هذا المبحث النّقديّ في كيفية تقديم الأحداث القصصيّة في القصّة القصيرة وهيئة النّهايات فيها وتلك العلاقة الجدليّة بين البدايات والنّهايات يُعدّ في اِعتقادنا توجهًا مهمًا في تشكيل هيئة الكتابة القصصيّة و طرائقها في النّصّ القصصيّ القصير عند الكاتب محمد آيت ميهوب ، إذْ نزعم أنّ طرائق الكتابة القصصيّة عنده قد شكّلت علامةً فارقةً في مسار القصّ، خاصّة عندما يتعلّق الأمر بالقصّة القصيرة أو الرّواية على حدّ سواء. فالكتابة القصصيّة عنده تتشكّل بهيئات لغويّة متفرّدة قلّ نظيرها عند كتّاب القصّة القصيرة من أبناء جيله، إذا أخذنا بعين الاِعتبار طرائق تصريف الملفوظ اللّغوي عنده وكيفيّات إنجازه. و لعلّ من أبرز الغايات التي ينشدها هذا التوجّه في كتابة القصّة وسبل تشكيلها هي تخطّي طرائق الكتابة السّائدة والمألوفة ومحاولة تجاوزها، إذْ هو يحاول- في اِعتقادنا – إرساء هيئة جديدة في تشكيل النّصّ القصصيّ القصير و تبيّن خباياه وعوالمه الخفيّة، ولعلّ ذلك أحد أهمّ المبرّرات التي دعتنا إلى اِختياره ككاتب للقصّة القصيرة واِختيار مجموعته القصصيّة « الورد والرّماد».
إنّ هذا المبحث من شأنه أنْ يثير قضايا أدبيّة ونقديّة تتّصل بهيئة الكتابة و طرائق إجراء السّرد في نصوص القصّة القصيرة وموقع الرّاوي وهو ينجز الأحداث ويرتّبها ( العون السّرديّ). لكونها غنيّة بأحداثها و شخصياتها وفي نفس الوقت بأساليبها وتقنياتها بالرّغم من كمّ الاِختزال والاِكتناز والحذف الهائل في حجم الملفوظ القصصيّ الذي بدا واضحًا وجليًا في مجمل النّصوص القصصيّة القصيرة التي سنتناولها في هذا البحث.
إنّ الغاية الأساسيّة من البحث في مسألة البدايات والنّهايات في النّصّ القصصيّ القصير من خلال هذه المجموعة القصصيّة فحواها التعّرف إلى جماليات الكتابة في القصّة القصيرة: أي كيف تتشكّل البدايات والنّهايات في القصّة القصيرة خاصّة على مستوى تشكيل الملفوظ اللّغويّ الذي بدا موجزًا إيجاز مفرطاً في البنية القصصيّة. هذا الخطاب القصصيّ الذي نزعم أنّه غالبًا ما يكون مكتنزاً. لذلك فإنّنا سنهتم في هذا المبحث بصنف مخصوص من الكتابة القصصيّة وبجنس أدبيّ متميّز من البني السّرديّة التي تحفل باِكتناز اللّغة العائد إلى سبل تصريفها وهيئات اِختصارها بطريقة تصبح معها وظيفة السّارد وهو ينجز الأحداث في مسار القصّ موضع تساؤل وتأمّل طالما أنّنا لاحظنا محاولته التنصّل من وظيفته الأساسيّة المنوطة بعهدته. فلا يسرد وإنّما يصف، وهو في كلتا الحالتين حاضر لكنّ العقدة القصصية لا تتحقّق دومًا، ممّا يجعل من هذا النّهج في تصريف اللّغة رؤية متميّزة لتجويد النّصّ القصصيّ وحسن إخراجه، وبالتّالي تحديثه باِعتبار أنّ هذا الصنف من السّرد يُعدّ مكونًا رئيسيًا في بناء النّصّ القصصيّ و تشكيل عالمه الفنّيّ وإنْ كان مختزلاً، لما ينتجه من رؤية جديدة للكون والحياة والعالم، وذلك بإعادة صياغته لغويًّا ودلاليًّا على هيئة مخصوصة قائمة على الاِختزال والحذف. فليس بوسع هذا الخطاب القصصيّ المكتنز- في القصّة القصيرة خاصّة- إلاّ أنْ يتعامل مع البنية السّرديّة « بسيطةً كانت أم مركّبةً. » ونقصد ببلاغة البنية السّردية المكتنزة في هذا المبحث: البنية القصصيّة المحدودة جداً من حيثُ عدد الكلمات وهيئة تشكيلها و توزيعها على مسار القصّ، فتحيل بذلك على عالم متّسع ومنفتح من المعاني والدّلالات ينهض المتلقّي بتفكيكها والتّعرّف على رمزيّتها من خلال نشاطه التّعاضديّ في محاولة منه لبلوغ قصديّة المؤلّف ، ذلك أنّ« البطل المضاد هو قارئ النّص حينما يأخذ متعته ».كما أنّ البلاغة تعني الفصاحة وحسن الكلام وقلته وسبل التّصرّف فيه على ما يذكر ابن منظور في لسان العرب والمتأمل في التّعريف الذي أورده ابن منظور في اللّسان لمادة ( ك . ن .ز.) يلحظ بما لا يدع مجالاً للشكّ التّركيز على معني الاِمتلاء والاِجتماع والتراصّ والاِختزال وما ينتج عن ذلك كلّه من قوّة و قدرة على الدّفاع والصّمود . والثّابت أيضًا في هذا المبحث أنّ البنية السّرديّة المختزلة تحمل في ثناياها معني الاِمتلاء والاِجتماع والقوّة في آن لما يعتمل داخلها من مقوّمات تركيبيّة وبنيويّة معقّدة تصل حدّ الاِختزال والحذف. فهي محكومة بمحوريْ الاِختيار والتّوزيع و ما يسودهما من توتّر لغويّ خاضع لاِختيار عبارة دون غيرها. وتلك مسألة نزعم أنّها ليست هيّنة أمام تدافع المفردات اللّغويّة واِزدحامها، إذْ يُنتج التوتّر اللّغويّ تركيبًا لغويًا دون آخر تلعب فيه الذّات المتلفّظة دورًا حاسمًا . فكأنّ محور الاِختيار منفذٌ تسري عبره الذّات لتهجم على اللّغة. فتتحقّق الدّلالة. وإنْ كانت هذه الدّلالة لا تبدو على الأقل أنّها موحّدة، بل هي منفتحة لا متناهية ( نصّ مفتوح) يعمل القارئ التّعاضديّ والنّشيط على بلوغها وتحيينها وتنشيطها ومعرفة قصديّتها بحكم تكوينه ومعارفه وثقافته على ما يزعم إمبيرتو إيكو . إنّ البنية المكتنزة هي بنية منفتحة الدّلالة. وليست بنية مغلقة موحّدة الدّلالة( النّصّ المغلق والنّصّ المفتوح) . هي إيقاعات لغويّة متعدّدة في عبارات تبدو محدودة – بحكم محور الاِختيار- إلى درجة تصبح معها هذه الجملة السّرديّة في هذه البنية القصصيّة جملة دلاليّة متلوّنة بحكم تلوّن القرّاء وتنوّعهم.
وللتّعرّف على خصائص هذا الفنّ القصصيّ عنده نستدلّ بما أشار إليه النّاقد البشير الوسلاتي في كتابه« النّصّ الأقصوصيّ وقضايا التّأويل » وبالتّحديد في الفصل الثاني الموسوم « في الخطاب الأقصوصيّ المقارن بين قيد دومابسان و يوسف إدريس » إلى الخصائص الفنيّة للأقصوصة الكونيّة من قبيل البداية السّريعة غير المتراخية و النّهاية المفاجئة والمباغتة ووحدة الاِنطباع والأثر والإيحاء والتكثيف والاِقتصاد والاِقتضاب والتّركيز والوصف البرقي الموظّف أو ما أشار إليه صبري حافظ حينما حدّد الخصائص البنائيّة للأقصوصة فأجملها فيما يلي:
1- وحدة الاِنطباع : خصيصة الأقصوصة وأكثرها وضوحًا وهي من أكثر الخصائص تداولاً. فقصر الأقصوصة لا يسمح بالتراخي أو الاِستطراد أو تعدّد المسارات، بل يتطلّب الكثير من التّكثيف والتّركيز واِستئصال أية زائدة أو عبارة مكرّرة. أي أنْ تتّجه كل جزئيات الأقصوصة إلى خلق هذا الأثر الواحد بصورة بنائيّة محكمة أو يتحقّق خلال المفارقات والنقائض والذّكريات والتّأمّلات أي خلق اِنطباع أو أثر إجمالي واحد.
2- لحظة الأزمة: هي لحظة الكشف والاِكتشاف لحظة الإشراق والكشوف إذْ يكشف الكاتب عن الشّخصيّة في لحظة معيّنة وهي لحظة تعرف خلالها الشّخصية تحوّلات حاسمة .
3- السّياق / التّعميم : هي الخصائص البنائيّة التي تقود في الواقع إلى دراسة الملامح والعناصر البنائية المختلفة التي ينهض عليها شكل الأقصوصة من شخصيّة وحبكة وزمن وأحداث .
نأمل من خلال هذا البحث إذًا، أنْ نكشف عن البدايات والنّهايات في البنية السّردية للنّصّ القصصيّ القصير و وظائفها ودلالتها والتي نعتقد أنّ القصّة القصيرة عند محمّد آيت ميهوب تمثّل أحسن مثال على تواترها وشُيوعها في ثنايا نصوصه. ذلك أنّ البحث في مسألة البدايات والنّهايات في البنية السّردية للنّص القصصيّ هي مسألة متّصلة بالخطاب القصصيّ وبمسألة التلفّظ فيه وكيفية جريان اللّغة القصصيّة على لسان القاصّ وهو يرتّب البدايات وينجز نهاياتها .
وهذه القصص القصيرة التي وقع اِختيارها من مجموعته الورد والرّماد تعتبر في اِعتقادنا مُدونةً قصصيّةً كافيةً يُمكن الاِعتماد عليها لدراسة مسألة (البدايات والنّهايات في القصّة القصيرة) من خلال ما تتضمّنه من نصوص. ذلك أنّ هذه النّمط من القصص على اِختزاله وضمور الحبكة القصصيّة فيه، قد اِستطاع أنْ يُثير قضايا دلاليّة و نحويّة متباينة لدى مختلف النّقاد – وهو ما يبرّر اِحتفال الباحثين بهذه النّصوص- خاصّة متى تعلّق الأمر بكيفيّة بنائها و طرائق التّشكيل اللّغويّ فيها. ذلك هو ما سنحاول أنْ نتطرّق إليه من خلال هذه النّماذج القصصيّة التي تتّخذ من مسألة الاِكتناز في الجملة السّردية عنوانًا لها لتؤسس لبداياتها ونهايتها في آن.
وإذا تدبّرنا هذه النّصوص القصيرة، يمكن أنْ نتتبّع هذه البدايات والنّهايات التي تحفل بها البنية القصصيّة في مختلف مستوياتها عند هذا القاصّ، وكيف أنّ هذه الاِستهلالات على طرافتها وتنوّعها يمكن أنْ تساهم في تشكيل القصّة القصيرة، بل اُعتبرت مقومًا أساسًيا من مقوّماتها.فهذه البدايات والنّهايات على قصرها وإيجازها تبدو مكتنزة بالمعاني والدّلالات ، بل هي محكومة بمنطق مخصوص قوامه تضاؤل حجم الملفوظ القصصيّ و اِكتنازه كنتيجة لذلك بالمعاني والدّلالات في نفس الوقت. فالسّارد لا يميل إلى التّفصيل والاِستغراق في الحكي في البداية كما في النّهاية. و آثر على نفسه عدم التورّط في مجادلة المتلقّي وإثارته، مما جعل ملفوظه اللّغوي مختزلاً . فإذا بالجملة النّحوية لديه تنزع إلى تكثيف الدّلالة وحشدها واِستنهاضها و إنْ كان الملفوظ اللّغوي موجزًا ومختصرًا. وهو ما جعل هذه الجمل السّردية على قصرها واِكتنازها في آن واحد تبدو محكومة بالتوتّر الشّديد في علاقتها بالدّلالة من ناحية وفي علاقتها بالنّحو من ناحية ثانية. ولا شكّ في أنّ الاِكتناز في البنية السّرديّة متمثلاً أساسًا في تضاؤل حجم الملفوظ القصصيّ واِختزاله والكامن في البدايات كما في النّهايات يحمل في ثناياه كمًا هائلاً من الدّلالات المخْفية والمضْمرة والمتعدّدة والتي سيعمل القارئ النّموذجيّ على الإمساك بها والوقوف على قصديّة المؤلّف فيها.
I – منطق الأحداث في الورد والرماد:
جاءت هذه القصص القصيرة ضمن مجموعة قصصيّة موسومة بـ« الورد والرماد» وفي الدّاخل نجدها معنونة بعناوين مختلفة هيّ« رجال بلا شمس ، ضمير نحن – القارب والرّيح، ضمير هي -الرسائل تصلنا دائما، أنتم ، نحن ، هو – حكاية أجمل سمكة في العالم أو مدن بلا أساطير ضمير : هم ، هو- الورد والرماد ، ضمير: هما- أسرار المعلّمة ضمير: هي – تلك المرأة …أولائك الرسامون ضمير: هي – الأزرق /الأسود ضمير: أنا – طعم القصة ورائحة المطر ، ضمير : هو- الأنفاق ضمير : هو ، هي-» وهي عناوين نصفها ورد نكرة من قبيل « رجال بلا شمس- حكاية أجمل سمكة في العالم أو مدن بلا أساطير – أسرار المعلمة – طعم القصة ورائحة المطر- » و نصفها الآخر ورد معرفة من قبيل« – القارب والرّيح-الرسائل تصلنا دائما – الورد والرّماد – تلك المرأة …أولائك الرسامون – الأزرق /الأسود – الأنفاق-» وقد غلب على هذه العناوين التّعميم و عدم التّحديد وحضور الألوان فيها ، وهو ما يُيسّر منذ البداية فتح أفق الدّلالة على مصراعيه.ولكنّها بالرغم من ذلك فإنّ هذه العناوين تبدو على صلة بقصصها وأحداثها. إذْ تحيل عليها من قريب أو من بعيد. وتبعث في نفس الوقت بتلك الإشارات الأوليّة التي من شأنها توجيه القارئ وتكريس تلك الأفكار حول مسار الحكي وتوجهاته في النّصّ القصصيّ ، وطورا آخر ترخي بظلالها كعناصر مُبأّرة في هذه النّصوص.ويمكن أنْ نعدّ ذلك وجيهًا متى أقررنا أنّ علاقة القصّة القصيرة بالعنوان هي علاقة شديدة الاِتصال والتّماسك، إذ بإمكان العنوان أنْ يؤسّس للبنية القصصيّة وتوجيهها في هذه النّصوص. ويُيسّر فهم منطق الأحداث وبنيتها بما يمكن أنْ يحيل عليه ، تلك البنية في القصة القصيرة التي يحدّدها النقاد على أنها «النّظام الأدبيّ الذي يقوم على مجموع العلاقات الدّاخلية الموجودة بين مختلف عناصر النّصّ » بما تتضمنه أولاً من لحظة الأزمة و هي لحظة الكشف والاِكتشاف أو لحظة الإشراق والكشوف، إذ يكشف الكاتب في القصّة القصيرة عن الشّخصيّة في لحظة معيّنة وهي لحظة تعرف خلالها الشّخصيّة القصصيّة تحوّلات حاسمة ومؤثّرة في مجرى الأحداث على ما يزعم صبري حافظ .وثانيا ما يعرف بالسّياق أو التّعميم و هو تلك الخصائص البنائيّة التي تقود في الواقع إلى دراسة الملامح والعناصر البنائيّة المختلفة التي ينهض عليها شكل الأقصوصة من شخصيّة وحبكة وزمن وفضاء وأحداث .وصولاً إلى وحدة الاِنطباع وهي في هذه القصص القصيرة تعتبر أكثر الخصائص حضورًا ووضوحًا. وهي أيضا من أكثر الخصائص تداولاً. فاِكتناز القصة القصيرة واِختزالها للأحداث لا يسمح بالتّراخي أو الاِستطراد أو تعدّد المسارات وتباينها بل يتطلّب الكثير من الاِكتناز و التّكثيف والتّركيز واِستئصال أيّة زائدة أو مكرّرة ، أي إحكام التّصرّف في اللّغة. بمعنى أنّ تتّجه كل جزئيات القصّة القصيرة إلى خلق هذا الأثر الواحد بصورة بنائيّة محكمّة ومنظّمة بما يتحقّق خلالها من مفارقات و نقائض و ذكريات و تأمّلات.
غير أنّ البناء القصصيّ في هذه القصص القصيرة لا يبدو في رأينا بناءًا محكومًا بالتّتابع المنطقيّ عبر تقنية السّرد العاديّ اِنطلاقًا من البداية إلى النّهاية مرورًا بالعقدة القصصيّة كما هو مألوف وسائد في مجال القصّ. إذْ أنّ مختلف الأحداث في هذه النّصوص القصيرة لا تسير سيرًا عاديًا مألوفًا منذ الوظيفة الفاتحة للقصّة القصيرة حتى الوظيفة الغالقة « بداية القصّة ونهايتها ». ذلك أنّ السّارد قد عمد إلى عرض مختلف الأحداث عرضًا غامضًا ومُشوّشًا ومُلتبسًا، فلا يلوح للقارئ سردًا متتاليًا و مسترسلاً محكوما بآلية منطقيّة. ولا يستند إلى ذلك التّتابع الزّمنيّ الذي يبدو واضحًا في مختلف القصص التّقليديّة. فقد اعتمد السّارد أساسًا على تقنية السّرد الآنيّ والسّرد المتأخّر في تقديم الأحداث القصصية من ذلك مثلاً قصّة « رجال بلا شمس »حيث هيمنت من خلالها أفعال في زمن المضارع من قبيل «حيث نتجمّع للغذاء ..تأتي متى كان اليوم مشمسًا …تطفلت وأتت مع الشمس تتفرج علينا نطير للمنظر ونرى ..يتدفق الدم فيها من جديد فتنط وتحرك طرفيها الأماميين ما إن ترى القطط الفأر صغيرا لذيذا حتى تجري منقضة عليه ولكنها تلتقي في الإتجاه نفسه فتنشغل عن الفأر يتصرف الفأر وينظر إلى عيوننا مسترحما » أمّا في بقيّة القصص القصيرة المتبقيّة فقد اعتمد من خلالها السّارد على تقنية السّرد المتأخّر على شاكلة ما ورد في هذه القصص القصيرة من قبيل « شعرت بالكروسة تكاد تفلت من بين أصابع…حين وصلت الجسر يبدو أنني استيقظت متأخرة …في طفولتها كانت مثل هذه البواخر ترهبها وكلما مرت بجاتب الميناء منذ كنت في عمر أخي الأصغر كنت أحاول اللحاق بكفيها وجدتها عشرة بعشرة كررت العد عشر مرات قفزت إلى أمي في المطبخ رجعت إليها فرحا قديما حين كنت شابا سمعت من يقول …مر بطل القصة بقاعة أفراح كلما تذكرت طفولتي وفترة الشباب تسلل بي خطر الذكريات إلى مدينتي القديمة حاضنتي الأولى فيمتلئ أنفي برائحة البحر » هذه الهيئة السّرديّة في كيفية تقديم الأحداث سيكون لها الأثر الكبير على طرائق البدايات والنّهايات في هذه القصص القصيرة .
1- 1- البدايات في الورد والرّماد:
يكاد يتّفق أغلب نقاد القصّة القصيرة على أهميّة الوظيفة التي يمكن أنْ تنهض بها البدايات و تنوّعها في تشكيل النّصّ القصصيّ القصير وتأثيث أبعاده و رسمها ، لذلك شدّدوا على أهمية البداية القصصيّة وضرورتها واِتصافها بسمات تجعل منها بدايات مقبولة ومُحفّزة على عمليّة التّلقّي. فلا ينبغي للبدايات في النّصّ القصصيّ القصير مثلاً أنْ تتميّز بالإطناب والاِسترسال في الكلام. فجنس القصّة القصيرة لا يتلائم مع المقدّمات الطّويلة والمفتوحة، إنّه جنس أدبيّ مُنفلت في شكله وفي مضمونه. وللإشارة فقد كان هذا النّوع من السّرد الوجيز والمقتضب مجال بحث مُطوّل في كتاب النّاقد البشير الوسلاتي الموسوم « بالنّصّ الأقصوصيّ وقضايا التّأويل » كما أنّه لا يحتمل في الوقت ذاته التّفصيل والاِستغراق في الحكي بهدف التّبرير والتّفسير ، حتى أنّ الناقد « أحمد السماوي » قد أكد مرارًا على أهمية العناصر الأساسيّة في بدايات القصّة من قبيل التّشويق والإثارة في مطالع القصّة القصيرة بدل الاِستغراق في الكلام دون مبرّر. ذلك أنّ قدرة الكاتب على تجويد البدايات و توظيف الاِستهلال في مفتتح النّص القصير من شأنه أنْ يلفت اِنتباه المتلقّي إلى كيفيّة سير الأحداث القصصيّة وهيئة تواترها أو إلى الإطار المكانيّ والزّمانيّ ( البداية الظّرفية أو الزّمانية )أو إلى الشّخصيات ( البداية الشّخوصيّة ) أو إلى الوصف ( البداية الوصفيّة )أو التأمّل ( البداية التأمّلية) وغير ذلك كثير . و نزعم أنّ القاص محمد آيت ميهوب يعتبر من أبرز كتّاب القصّة القصيرة القلائل الذين يمتلكون طرائق متميّزة في اِستهلال هذه النّصوص و تجويد بداياتها على نحو يضمن الاِستمرار في قرائتها وتتبّع أحداثها، الأمر الذي جعله يحقّق تبعًا لذلك نجاحات إبداعية كثيرة اِحتفل النقاد بها في مختلف كتاباتهم النقدية حينما تناولوا أعماله القصصية القصيرة بالدّرس و التحليل، وذلك حتى قبل أنْ يطرق أبواب السّرد الرّوائي في مسيرته( رواية حروف الرمل )، إذْ سعي القاصّ إلى تنويع بداياته الاِستهلالية. فصيغت هذه الاِستهلالات بشاعرية نادرة قلّ نظيرها عند نظرائه من كتاب القصّة القصيرة تجسّدت أساسًا في تغيير وضعياته الاِستفتاحيّة و تنوّعها من ناحية وتحميل هذه المشاهد المختزلة بالخطاب الوصفيّ، مما جعل هذا الخطاب يلعب فيها دورًا مركزيًا في تأثيث النّصّ السّرديّ . وقد عمد محمد آيت ميهوب في بدايات هذه القصص القصيرة إلى التّعريف بشخوصه مشيرًا إلى البعض من ملامحهم وصفاتهم التي تميّزهم على غرار شخصيّة كريم في قصة الأنفاق أو الشّابين الجميلين في قصّة الورد والرّماد أو الأخ الأصغر الذي قتل المرأة الطّويلة في قصّة تلك المرأة أولائك الرسامون في حين تستّر السارد عن بعض الشّخصيات في بعض القصص القصيرة ولم يسمّها، وإنْ أطنب في التّعريف بها لتستحيل شخصية رامزة. فنجده يركز أساسًا على علاقتهم بالفضاء الذي يتحرّكون فيه بأسلوب فنّيّ رائع يعتمد الاِكتناز اللّغويّ أسلوبًا وطريقةً، ولعلّ ذلك من شأنه أنْ يؤسّس لاِهتمام القارئ واِنشغاله بمختلف الأحداث القصصيّة مما يُيسّر حرصه على متابعة الأحداث وتتاليها.ففي قصّة الورد والرّماد « هما شابان جميلان كفرخي حمام بين سنابل القمح وهم رجال يحملون فنارات خافتة عند السّواحل كما في حكاية أجمل سمكة العالم وهو شاب حالم بالعينين الزرقاوين في قصة الأزرق والأسود أو هو كريم الذي توقف عن تلاوة القصة كما في قصة الأنفاق »
و يمكن أنْ نعتبر أنّ القاص محمد آيت ميهوب يحتفظ لنفسه بإستراتجية خاصة قي اِستهلال قصصه القصيرة . إذ اِستهلّ معظمها بالخطاب الوصفيّ المسكون بالتأمّل يصل حدّ اِستدعاء الذّكريات وتنشيطها. فلا تُفتتح الأحداث القصصيّة عنده بالخطاب السّرديّ مثلاً إلاّ فيما ندر.كما في قصة الأزرق / الأسود « حين يضغط عليّ شوق الحنين تحترق الصور فيحيط بي غبار رمادي أرى فيه كائناتي القديمة خيوطا دامعة البحر هزل وضاق و أصبح مستنقعات صغيرة الأزقة تتلوى في الطريق جائعة تنبش في الأرض حفرة تواريها » و كنتيجة لذلك فإنّنا لا نقف على الفعل السّرديّ المؤسّس في القصّة القصيرة منذ بداية الحدث القصصيّ. بل أنّ ذلك لا يتحقّق إلاّ بعد أن يُمعن السّارد ويتمادى في وصف المشاهد الطبيعيّة والصّور المحيطة به من إطار مكانيّ وزمانيّ ، ومن ثمة تأثيث الفضاء القصصيّ للشّخصيّات كي تتحرّك فيه وللقارئ كي ينبهر بروعة الوصف والموصوف في آن. و بالتّالي بجمال الفضاء.وكأنّه يحاول أنْ يصرف نظر المتلقّي عن متابعة السّرد، أو أنّ السّارد نفسه يروم أنْ يهمس لنا بقول مفاده أنّ جماليّة التّلقّي كامنة في المشهد الوصفيّ وتفاعله أكثر ممّا هي كامنة في المشهد السّرديّ. ممّا يجعل من الخطاب السّرديّ و كأنّه مسألة ثانوية، أو أنّه ليس مطلوبًا في ذاته. فقد وقعت الاِستعاضة عنه بالخطاب الوصفيّ وبالتّالي تهميشه وجعله ثانويًا. فقد اُفتتحت القصّة الأولى في هذه المجموعة القصصيّة وهي الموسومة بقصّة «مدن بلا أساطير» بوصف مطوّل للمشهد الطّبيعيّ تناسى السّارد معه التّذكير بالحدث القصصيّ الرّئيسيّ في القصّة « كان نسيم اللّيل أرق من دمع العذارى ومن بعيد يسمع تفتت الموج على الساحل الصخري كأنه الهمس بين القبل » لذلك بدت البدايات في هذه القصّة القصيرة لوحات متتاليّة من المشاهد الطّبيعيّة محورها «حي الصيادين » وكيف غفا تمامًا واِستسلمت إلى الحلم منازله . وهي مشاهد هيمنت على سائر القصّة القصيرة في بداياتها. ولم نلحظ عدا ذلك حضورًا للخطاب السّرديّ باِستثناء حدثين لا يبدوان على قدر كبير من الأهميّة في مسار القصّ، وهما حمّة المجنون الذي أتى يجري وحين وصل إليهم صاح بصوته المتقطّع الآن أتيتم يا كلاب …لن تسرقوها ….أنا الذي وجدتها الأول… هي لي أمّا في « الورد والرماد » فهي لا تختلف عن سابقتها من حيث إستراتجية الاِستهلال في الحكي. فالوصف حاضر منذ السّطور الأولى للقصّة ، غير أنّه تعلّق هذه المرّة بشابين جميلين«شابين كانا و جميلين كفرخي حمام بين سنابل القمح ..كم من قطرات مطر رأيناها تتسكع في جفونهما » أمّا في قصّة « أسرار المعلمة » فقد ركّز السّارد على وصف « شخصيّة سعاد » التي « تململت فوق الأريكة وأخذ فمها ينفتح وينغلق تثاؤبًا وبحركة فيها بعض جهد اِنتصبت قائمة » هذا التوجّه في التّركيز على الشّخصية القصصيّة( البداية الشّخوصيّة )منذ البداية وإخراجه على شاكلة مخصوصة سيتواصل في قصّة « تلك المرأة… أولائك الرسامون » إذ ينحصر اِهتمام السّارد على شخصيّة المرأة المقتولة على شاكلة السّرد الرتيب الباهت الذي يدور حول نفسه فلا يتقدّم « وفجأة وجدت أخي الأصغر قد قتل المرأة الطويلة ذات العينين الخضراوين إنّها نفسها تلك المرأة هي بعينها تلك المرأة التي رافقتني عشرين سنة » وغير ذلك كثير مما يحيل على مواطن الوصف الذي اُفتتحت به هذه القصص القصيرة في بقيّة النّصوص محور الدّراسة في هذا البحث.
1- 2- الحبكة القصصية في القصة القصيرة:
نقصد بالحبكة القصصية تسلسل الأحداث في القصة تسلسلاً ينهض على العلاقة السّببية بين مختلف الوحدات القصصية التي تُشكّل مسار القص في النّص، فعن المقطع الأوّل ينتج المقطع الثّاني وعن الثّاني ينتج الثّالث وهكذا . ويُنجز ذلك إمّا بواسطة الصّراع الوجدانيّ بين مختلف الشّخصيات في القصّة القصيرة ( أو في الرّواية ) أو بتأثير الأحداث الخارجيّة التي تستهدف تلك الشّخصيات. ومن أبرز تلك الوظائف التي يمكن أن تنهض بها الحبكة القصصيّة تفعيل الدّهشة والإثارة وإثرائها لدى المتلقّي طالما أنّ الحبكة القصصية تجسّد تسلسل الأحداث وتناميها حينما يأخذ بعضها برقاب بعض. وقد اِتّضحت ملامح الحدث القصصيّ على يد الكاتب الفرنسيّ« موبسان » بتأثير من الاتّجاه الواقعيّ الجديد، والذي يرى أنّ الحياة تتشكّل من لحظات منفصلة، ومن هنا كانت القصّة عنده تصوّر حدثاً واحداً وفي زمن واحد لا يفصّل فيما قبله، أو فيما بعده، ومنذ دعوة « موبسان » عمل أغلب النقاد الأدبيين على نهجه، ممّا جعلهم يعتبرون الحدث القصصيّ عنصراً مميزاً وأساسيًا للقصّة، وهو ما جعلهم يحافظون عليه كتقنية فنّيّة يصعب تجاوزها. ولعلّ من أبرز كتاب القصّة الذين تتّضح في كتاباتهم هذه الخاصيّة« أنطوان تشيكوف، وكاتريل ما نسفيلد ولويجي براندللو، » ومن أهمّ العناصر التي يجب توفيرها في الحدث القصصيّ هو عنصر التّشويق والإثارة، وفائدة هذا العنصر تكمن في شدّ اِهتمام المتلقّي و تحيينه من بداية العمل القصصيّ إلى نهايته، و به تسري في القصّة روح نابضة بالحياة والعاطفة يقتضيها ذلك التّفاعل بين المتلقّي من ناحية والحدث القصصيّ من ناحيّة ثانية.
لا تختلف هذه القصص القصيرة في مجموعة محمد آيت ميهوب القصصيّة الموسومة بــــــ « الورد والرّماد » عن بعضها البعض فيما يتعلّق بالحبكة القصصيّة، وبالتّالي اِحتوائها على فعل سرديّ من المفترض أنْ يكون مؤسسًا للأحداث القصصيّة تنطلق منه وتعود إليه. فهذه القصص على تنوّعها وتعدّدها لا تجعل السّرد مقصدًا وغاية لها بقدر ما تميل إلى التأمّل والعرض والصّمت واِختزال مسار السّرد معتمدة في ذلك على تقنية السّرد الاِسترجاعيّ ، لذلك فإنّ مختلف هذه القصص القصيرة تفتقد إلى العقدة القصصيّة المألوفة والتي تنهض على الهدوء والتوتّر ثم العودة إلى الهدوء من جديد ( التوازن / اِختلال التوازن / عودة التّوازن الجديد) إنّها عقدة لا يمكن الولوج إليها إلاّ متى تسلحنا بالتّأويل والتأمّل، لأنّها عقدة قصصيّة لا تبدو واضحة المعالم، بلْ شأنها في ذلك شأن السّارد متخفيّة ومضمرة في غالب الأحيان يعمل القارئُ على فكّ طلاسمها وتبيّن مواطن الطرافة فيها. فكأنّك أمام مجموعة من اللّوحات المكتنزة بالعلامات والرّسوم المتتاليّة،التي تستدعي معرفة ببواطن لوحاتها وسبل تشكّل الرّسم فيها. ولذلك فإنّنا نزعم أنّ هذه القصص القصيرة تكاد تكون شبه خاليّة من الفعل السّرديّ المؤسّس ومن حبكة قصصيّة التي تتأزّم من خلالها الأحداث حتى تبلغ الذّروة. فهي أقرب إلى الأحداث العاديّة المقتضبة واليوميّات والوقائع التّاريخيّة التسجيليّة والذّكريات التي يستدعيها السّارد جرّاء التّهميش المقصود للخطاب السّرديّ وتجريده من سرديّته و لذلك أيضا كانت الأحداث في هذه القصص القصيرة مُشتتة ومضمرة في آن ومُكتنزة ومُستقلة عن بعضها البعض حتىّ في مكوّناتها الدّاخلية ممّا عطّل نموّها وتطوّرها إلى مصاف الحبكة والأحداث المعقّدة، بلْ هيّ إلى البساطة والرّتابة أقرب منها إلى التّعقيد بفعل طاقة الاِكتناز والاِختزال الكامنة فيها و المتجسدة أساسًا في تركيبها الحدثيّ ومكوناتها النّحويّة والتي بوسعها يمكن أنْ تنقل هذا التّعقيد والغموض إلى دائرة الدّلالة والتّأويل.
إنّ الفعل السّرديّ في هذه القصص القصيرة سرعان ما يتلاشى ويشوبه الاِلتباس في أغلب القصص. فلا نقف على حبكة قصصيّة شديدة التّركيب كما في القصّة الأولى « رجال بلا شمس » إذْ بدا الحدث القصصيّ فيها هشّاً ، مداره علاقة السّارد بمجموعة من القطط منذ بداية القصّة إلى نهايتها، مما يجعلها أقرب إلى المشهد أو اللّوحة لا يتنامى الحدث القصصي فيها و إنّما يدور على نفسه في نسق رتيب كما تدور القطط. فقد «أنسنا إليها و ألفناها ما عدنا نعرف هل قدمنا إلى هذا المكان لننظر إليها ؟ أم هي التي تطفلت وأتت مع الشمس تتفرج علينا وحين يفيق الصباح نسأل والقلب يخفق ثمالة الظلام : ترى هل ستأتي القطط الجميل؟ » أمّا في قصة « القارب والريح » فقد بدت الأحداث القصصيّة غائبة والفعل السّرديّ ضامر ومرن يتشكّل في لوحات وصفيّة هي أقرب إلى المشاهد التّصويريّة المتتاليّة. ليتشكل مشهدٌ وصفيٌّ عزف السّارد من خلاله عن فعل التلفّظ والتّفسير والتّبرير، فكأنّه هو الآخر يشاهد ولا يرى إلاّ ما نراه، محاولاً أنْ يتبرّأ من فعل اللّغة ومن الاِنتساب إلى الحكاية. ففي المدينة« كان الصّمت قد اِنقطع وأخذت نوافذ العمارات تعانق النهار الجديد ومن هنا وهناك كانت تلوح مجموعات من التلاميذ…أمّا الشمس التي ما كانت تكتمل فكأنها قد ضاقت ببرودة الصباح عادا وأغمضت عينها من جديد وتوارت خلف سحب بعثرتها الريح في كل الجيهات وقد تمطر ياربي سترا لم أشتري لخالد معطفا» إنّ التقطيع المستمر للحكايات في هذه القصّة القصيرة يجسده هذا التّباين الزّمنيّ الذي بدا واضحًا من خلال الأفعال السّرديّة وهيئة توزيعها « كان الصّمت… اِنقطع…أخذت ..عادت : زمن الماضي / تعانق ..زمن المضارع / قد تمطر ..زمن المستقبل » لقد اِتسمت الحبكة القصصيّة في معظم هذه القصص بتقنية التقطيع المستمر للحكايات. يدعم ذلك اِكتناز السّارد للحدث القصصيّ وعدم التّصريح بكلّ جزئياته ومحاولة إفراغ السّرد من محتواه وتهميشه لإفساح المجال للتأمّلات والوصف واليوميات والوقائع تجسّدت فيما ينقله العمّ صادق حارس المحطة من أخبار عن القرية و ما يتداوله أهل القرية عنه في قصّة « الرسائل تصلنا دائما» إذْ أنّ « جميع أهل القرية يعرفونه ويعرفون قصته وفي الحقيقة إن هذه الفكرة لا تزيد شيئا ذا بال فنحن في قريتنا يعلم الواحد منا بكل شيء يخصّ الآخر ولكن بالنسبة إلى حارس المحطة فالأمر يختلف قليلا » فقد خلت هذه القصّة أيضًا من الأحداث القصصيّة المعقّدة واِتّجهت صوب الشّخصيّة القصصيّة « العم صادق حارس المحطة »في مشاهد وصفيّة تذكّر ببطولته. وتُعلي من شأنه . ناهيك عن الحضور المكثّف لبعض الأمكنة الهامشيّة التي تحوّلت إلى أمكنة رئيسية بحكم اِستهداف الخطاب الوصفيّ لها، كما هو الشأن في قصّة « حكاية أجمل سمكة في العالم » حين اِحتفل السّارد بوصف حيّ الصّيادين، ولعلّ ذلك الصّياد العجوز في المشهد القصصيّ في هذا النّصّ يذكّر بالصيّاد العجوز في صخب البحيرة لمحمد البساطي فاِستحوذ الصيد والصيادون على كمّ كبير من الوصف ضاعت معه ملابسات « الصيحة الثالثة التي لم تترك أية طمأنينة في ذلك الحي الصّغير »حتى اِستحال حيُّ الصيّادين هو القطب الذي تتآلف حوله مستويات الكلام السّرديّ . خاصّة وأنّ الواصف – وأمام هذا التّجريد للعمليّة السّرديّة – «له حريّة التّركيز على هذه العمليّة أو تلك في وصفه بحسب ما يختار من أساليب في ذلك » وهو ما جعل مسار القصّ في هذه القصص مسارًا مفككًا في غالب الأحيان تهيمن عليه المشاهد الطبيعيّة المستقلّة والمتناثرة( حي الصيادين ، القوارب ، الغريق، البحّارة ، الجزيرة ، البحر ، )هذه المشاهد الوصفيّة التي لا رابط بين وحداتها السّردية ولا جامع بين مكوّناتها عدا اِنتسابها إلى معجم الصّيد والبحر أو حدوثها في مدينة بنزرت التّونسية. ممّا جعل هذه القصص القصيرة مجالاً رحبًا لاِستعراض أحداث و وقائع اِتّصلت بأنشطة الصيد حينًا وبعزوف الصيادين عن البحر حينًا آخر وهذا من شأنه أنْ يكون«سببًا في إيقاف السّرد ». فلقد بات من الثّابت والأكيد أنّ الحبكة القصصيّة في هذه القصص لا تبدو واضحة المعالم، بل تبدو غائبة في أغلب القصص ليصبح الفعل القصصيّ الرئيسيّ- إنْ وُجد – يشوبُه الغموض والاِلتباس والضّمور.ممّا يجعل من الكتابة القصصيّة في هذه النّصوص القصيرة موضع تساؤل وتأمّل، إذ لم نلحظ في هذه القصص تتابعاً واضح المعالم للحدث القصصيّ ولا نموًا وتطورًا يؤسّسان للعقدة القصصية بقدر ما لاحظنا اِنكفاءًا من السّارد على نفسه جسّده تواتر الخطاب الحواريّ في أغلب هذه القصص القصيرة موضوع الدّرس .
إنّ الثابت لدينا في هذا البحث أنّ الأحداث القصصية على كثرتها وتنوّعها في هذه القصص القصيرة لا تنهض على تتابع الأحداث القصصية تتابعًا خطيًا يضمن بلوغها إلى الذّروة ويسهّل تناميها بطريقة متسلسلة خطيّة. بل أنّنا نزعم أنّ هناك بنيةً مكتنزةً وممتلئةً تسمح للسّارد بعدم الاِسترسال في الحكي والكلام ومن ثمّة يضمن السّارد عدم اِستفزازه للمتلقّي ، وبالتّالي لا يتمادى في التّفسير والتّبرير. فيعمد إلى اِكتناز الخطاب اللّغوي واِختصاره. فلا نظفر بكل الأحداث، بل تأتي مبتورة في غالب الأحيان، يدعم قولنا هذا تنوّعُ المواضيع والشّخصيّات في هذه القصص القصيرة والحديث عنها من خلال وجهات نظر متباينة. فلا تبدو متّحدةً في فكرتها وفي أرائها ممّا يجعل الأحداث القصصيّة المتناثرة غير واضحة المعالم والرؤى، إذْ تُمثّل هذه القصص القصيرة أصواتًا متباينةً وأحداثًا ووقائع وذكريات حاول السّارد تنشيطها واِستدعائها في نسق سرديّ موجز و مقتضب.
1-3- النّهايات في الورد والرّماد :
بنفس التّأكيد على أهميّة الاِستهلال في القصّة القصيرة و دوره في شدّ اِنتباه المتلقّي لمتابعة مجريات الأحداث القصصيّة في بقية القصّة، فإنّنا نؤكّد أيضا على الأهميّة البالغة التي يجب أنْ يولها القاصّ للنّهايات في قصصه القصيرة، إذْ هي بمثابة التّتويج الكلّي والنّهائي لمختلف الأحداث خاصّة وأنّها تأتي بعد أنْ تتداخل هذه الأحداث وتتشابك في عوالم متباينة بما يقتضيه منطق القصّ من تدافع نحو الذّروة والتّأزم مما يُيسّر بلوغ العقدة القصصيّة وصولاً إلى لحظة الاِنفراج.والتأكيد على أهميّة النّهايات في القصّة القصيرة مأتاه اِعتبار النّهاية في القصّة القصيرة جزءًا لا يتجزّأ من كيان ووحدة القصّة، أضف إلى ذلك أنّها ترتبط شديد الاِرتباط بالبدايات في محاولة من القصّة القصيرة لتكون نسيجًا سرديًا موحدًا محكمًا تنهض النّهايات فيه بتحصيل النّتائج والفوائد وتجميع محصّلات الحدث القصصيّ وقصْديّته في معان ودلالات هي مهمّة القارئ ومسؤوليّته. إنّ هذه النّهايات في مختلف القصص القصيرة على تنوّعها تُعتبر محصّلة لذلك التّماسك في البناء السّرديّ داخل القصة منذ البداية إلى النّهاية. فليست النّهايات في هذه النّصوص القصيرة مجرّد خواتم لا وظيفة لها وإنّما هي مجال رحب يُلخّص قصديّة المؤلف ويجعل الحدث القصصيّ يسير بسلاسة نحو ما يروم القاصّ إبلاغه إلى المتلقّي.
وإذا كانت هذه القصص القصيرة موضوع البحث تكاد تتّفق من حيث إستراتجية الاِستهلال متجسدًا ذلك في تقديم الخطاب الوصفيّ على الخطاب السّرديّ، فإنّها تختلف في النّهايات على تنوّعها وتعدّدها، إذْ عرفت بعض القصص القصيرة نهايات يمكن أنْ تفاجأ المتلقيّ و تراوغ أفق اِنتظاره من قبيل إعجاب السّارد بمدينة بنزرت وتفضيلها على عواصم عالميّة من قبيل باريس و بيروت وأثينا كما في قصة « حكاية أجمل سمكة في العالم »حيث « كان الناس يختارون لمدنهم أجمل الأسماء الجميلة فكانت باريس وكانت بيروت و كانت أثينا لكن واحدة منها لم تفز بروعة اسم تلك السمكة المرأة وفتنته : بنزرت… » كما عرفت بعض القصص نهايات مفجعة تمثّلت أساسًا في الموت والفقدان كما في قصّة « أسرار معلمة » فقد توفيت ابنة السّيدة سعاد « التي بدأت تتأمّل الظلال التي رسمتها الشمعة هذه الليلة »ومنذ ذلك التّاريخ اِعتادت سعاد « على عادة غريبة فكأنها إحساسا باِتساع السّرير بعد ابنتها تظل طوال اللّيل تنتقل من مكان إلى آخر » أمّا في قصّة « الأزرق والأسود» فهي قصّة أخرى تنتهي بالموت والفقدان . حيث خرج السّارد يتفقد قبرها مستعينًا في ذلك بالذّكرى « ظللت أتردد مدة طويلة على المقبرة وفي كل مرة أرى فيها ابنه حارسة المقبرة .يخيّل إليّ أنني أرى جمال عينيها لأول مرة و أحبه لأول مرة » ولعلّ أطرف النّهايات في هذه المجموعة القصصية ما وجدناه في نهاية قصة« طعم القصة ورائحة المطر» حيث تتجسّد النّهاية دراميّة و مأساويّة حيث عمل السّارد على أنْ يجعلها مشهدًا تصويريًا سينمائيًا « حين جرى سقطت منه الأوراق رأيت الأوراق تتفتت في بركة ماء وقد انفصلت عنها حروفها .انحنيت ودققت النظر كان الحبر يخرج من الورق كتلا زرقاء ككريات الدم ثم يسيل في ماء المطر خيوط الحبر تغطي البركة ….انحنيت أكثر وأخذت شيئا من الماء فرأيت للماء لونا ورائحة وطعما » أمّا في قصّة « الأنفاق » حيث تُسلّط الأضواء على شخصيّة كريم و هو على خشبة المسرح . وهي القصّة الأخيرة في هذه المجموعة القصصيّة ، فقد بدت النّهاية فيها سلسة مفتوحة « و بدا وكأنهما يعرفان بعضهما منذ القديم فلقد تحاضنا كثيرًا و تبادلا القبل كحبيبين توأمين و ببساطة العشاق تشابكّا يدا في يد وسارا إلى المدينة » فلا تبدو النّهايات في هذه القصص القصيرة مثيرةً أو تراجديّةً ومأساويةً عدا بعض القصص التي أشرنا إليها سلفًا بقدر ما كانت نهايات مفتوحة تتسم بالرّتابة والبساطة وعدم التّعقيد . هي نهايات أقرب إلى التأمّل والذّكرى كما في قصّة« طعم القصّة ورائحة المطر» وإنْ كنّا قد صنّفناها ضمن القصص ذات النّهايات التّراجديّة لكنّها و إنْ كانت كذلك فطابع التأمّل والذّكرى كامن فيها. إنّه سرد رتيب وعاديّ أو هو سرد أبيض كما سمّاه محمد الخبو حينما يتجرّد السّارد من سرديّته فلا يسرد. ممّا يجعل من هذه القصص القصيرة تتميّز بالتنوّع والثّراء والاِنفتاح في بداياتها كما في نهاياتها وهو قول ييسّر اِنفتاح الدّلالة وشيوعها وتعدّدها بتعدّد المتلقّي و تنوّعه. طالما أنّ الأثر فني« هو جوهريًا الأثر الذي يقتصد في الكلام ويمكّن من الإنصات بدل التصريح »إنّ كلمة الوطن بدل الجسد في قصّة « تلك المرأة أولائك الرّسامون » على سبيل المثال هي كلمة وُضعت على سبيل الاِستعارة والمجاز فاِستحال جسد المرأة وطنًا« لا أتذكر أنني رأيت شعرها في مثل ذلك الجنون لقد غطى كل شبر في وطنها ولغزارته جلس بجانبها على حافة البحر فكانت تداعبه بقدميها »
الخاتمة:
إنّ البحث في البدايات والنّهايات في البنية السّرديّة للنّصّ القصصيّ القصير من خلال المجموعة القصصيّة « الورد والرّماد »هو بحث مرتبط شديد الاِرتباط بمسألة التلفّظ و كيفياته. ولهذا اِعتبرناه مبحثًا في الفرادة والتميّز: أيْ فيما تتفرّد به الذّات المتلفّظة عن غيرها وهي تنجز الكلام وتتلفّظ به بصنف مخصوص من الجمل النّحويّة دون غيره، وكيف تستوي هذه الذّات المتلفّظة بالجملة السّرديّة المكتنزة وهي تنجز النّصّ معبّرةً عن هيئة متميّزة في الكلام يجوز معها أنْ ننسب هذا الكلام القصصيّ لمحمد آيت ميهوب لا لغيره. وجدير بالذّكر أنّ مختلف الدّراسات النّقديّة التي تناولت البنية السّرديّة في القصّة القصيرة كما في الرّواية قد نبّهت إلى أهميّة كيفيّات القول واِنتظامها وسبل توزيعها واِرتباط عناصرها اللّغوية وأخذ بعضها برقاب بعض. وهو ما أثّر بشكل واسع وجليّ في اِستجلاء جماليات النّص القصصيّ القصير من ناحية تشكيله اللّغويّ و مقاصده الدّلالية على حدّ سواء . لذلك يمكن القول بأنّ القاصّ محمد آيت ميهوب يُعدّ من أبرز كُتّاب القصة القصيرة في تونس إذْ عُرف عنه اِنشغاله المبكّر بكتابة هذا الفنّ القصصيّ قبل الرّواية ومثّل بذلك صوتًا حداثيًا إبداعيًا متميّزًا و متفردًا في آن، و اُعتبرت قصصُه القصيرة مُعبّرةً عن نضج فنيّ في الكتابة القصصيّة وتحول في أنظمة التّشكيل القصصيّ. فالكتابة القصصيّة عنده تنهض على ملفوظ لغويّ يرتكز أساسًا على نمط مخصوص من الجمل النّحوية المختزلة نزعم أنّه أقرب إلى ما سمّيناه بالبنية المكتنزة.لقد عمل القاصّ محمد آيت ميهوب في مختلف قصصه القصيرة على رسم ملامح تجربة إنسانيّة فريدة ومتميّزة تلامس الاِجتماعي والسّياسّي والثّقافي، فاِتخذ من بلاغة الجملة السردية المكتنزة وسرد البدايات ودلالة النّهايات أسلوبًا قصصيًا للتّعبير عن هذه التّجربة الإنسانية ورسم معالمها وآفاقها، مما جعل طرائق اِنجاز القصّة القصيرة عنده تتّسم بنمط مخصوص من الكتابة مثّلت البدايات والنّهايات أبرز معالمها .وغاية هذا البحث أيضًا « البدايات والنّهايات في قصص أيت ميهوب»تكمن في البحث عما به تتميّز تجربة ميهوب القصصيّة من سمات تشكّل عمليّة الإبداع القصصيّ ورسم معالمه في مختلف نصوصه القصصيّة القصيرة وكيف تشكّلت الهيئات اللّغوية وطرق القول فيها مكتنزة ومختصرة، فتُحاول تدبّر قواعد ومناهج عامّة تؤسّس لقيام لغويات النّظام القصصيّ وتبرز نمطًا خاصًا في كيفيّة تشكيل ذلك المتخيّل القصصيّ عنده وتقديمه إلى المتلقّي في هيئة تخضع إلى مقتضيات هذا الخطاب تأسيسًا لمشروع جماليّ يروم محمد آيت ميهوب إنجازه باِعتباره أحد أهمّ كتّاب القصّة القصيرة في تونس.
_______
– أستاذ بكلية الآداب بصفاقس، تونس
– محمد آيت ميهوب :أستاذ الأدب الحديث ومناهج النقد الأدبي الحديثة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس العاصمة رئيس لجنة تحكيم مسابقة مؤسسة “الكتاما” للقصة القصيرة عضو لجنة تحكيم جائزة البنك التونسي العربي لأدب الطفل عضو لجنة تحكيم مؤسسة “كومار” للرواية مدرج في موسوعة “أبرز كتاب القرن العشرين”
OUTSTANDING WRITERS OF THE 20TH CENTURYالصادرة سنة 2000 عن المركز البيبليوغرافي الدولي بكمبردج ببريطانيا العظمى- من أبرز مؤلفاته نذكر : الورد والرماد (مجموعة قصص) (1992)- حروف الرمل (رواية) (1994)- السيد ل…( رواية مترجمة لعزة الفيلالي) (2009)- مجد الرمال( رواية مترجمة للروائي التونسي مصطفى الفيلالي) (2010)- نهاية اللعبة ( مسرحية مترجمة للروائي والمسرحي الإيرلندي صموئيل بيكيت) (2011)- الأقصوصة (دراسة مترجمة عن الفرنسية) 2013- الرواية السير ذاتية في الأدب العربي المعاصر( قيد الطبع)
– ياسين نصير: الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي ، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2009
– صدوق نور الدين: البداية في النص الروائي، دار الحوار، اللاذقية، سورية، الطبعة الأولى سنة 1994
– .أحمد العدواني: بداية النص الروائي، النادي الأدبي بالرياض والمركز الثقافي العربي بالدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة (2011)
– جليلة الطريطر: في شعرية الفاتحة النصية : حنا مينة نموذجا، مجلة علامات في الأدب والنقد، جدة، السعودية، العدد:، 1998 ص:145
– محمد آيت ميهوب – الورد والرماد – مجموعة قصصية الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم الطبعة الثالثة 2002
-كتب محمد آيت ميهوب القصص القصيرة كما كتب الرواية وتعد روايته حروف الرمل من أحسن الروايات لسنة1995 إذ تحصلت على 1995الجائزة الأولى للإبداع الثقافي في الرواية وزارة الثقافة التونسية. وقد أدرجت سنة 2000 ضمن موسوعة
OUTSTANDING WRITERS OF THE 20TH CENTURY
الصادرة عن المركز البيبليوغرافي الدولي بكمبردج ببريطانيا العظمى.
– لاحظ مثلا كثرة النقاط المتتالية في مختلف القصص القصيرة في إحالة على الملفوظ المحذوف إذ لا تكاد تخلو صفحة من صفحات المجموعة القصصية من تقنية الحذف في دعوة صريحة للقارئ لملئ تلك الفراغات وسد الفجوات – اُنظر على سبيل المثال الصفحات 9- 10- 11- 14- 15-16-17-18- 19-
– لا حظ تواتر الجمل البسيطة في النص القصصي وهيمنة هذا الصنف من الجمل على المجموعة القصصية برمتها من قبيل : رجعت إلى أمي في المطبخ باكيا/ وجدتها تنزل القدر /أخذته منها / رميته صائحا/ لا تكذب عليّ/هل فهمت/هربت إلى الشارع/كنت ألعب مع أصدقائي/ سمعت ضحكها /يطاردني ضحكها/ تسخر مني /كانت ضحكاتها جميلة/ تلك المرأة أولائك الرسامون ص 78
– النشاط التعاضدي : المصطلح أمبيرتو إيكو من مؤلفه :
– Umberto Eco –l’œuvre ouverte- traduit de l’italien par Chantal Roux de Bézieux avec le concours d’André boucourechlie v- éd – Seuil1965- p65
– Roland Barth Le Plaisir dv texteéd Seuil Paris 1943- p 156
– والبلاغة: الفصاحة.والبلْغ والبِلْغ البليغ من الرجال ورجل بليغ وبلع وبلغ حسن الكلام فصيحُه يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه والجمع بلغاء وقد بلُغ بالضم بلاغة أي صار بليغا وقول بليغ بالغ وقد بلغ والبلاغات كالوشايات ..لسان العرب ابن منظور المجلد الثامن ص 420
– ابن منظور لسان العرب مادة ( ك.ن.ز.) المجلد الخامس ص 402 دار صادر بيروت1994- اكتنز الشيء : اجتمع وامتلأ وكنز الشيء في الوعاء والأرض يكنزه كنزا غمزه بيده .و شدّ كنز القربة ملأها و يقال للجارية الكثيرة اللحم كنازُ وكذلك الناقة ..وناقة كنازُ بالكسر أي مكتنزة اللحم والكناز الناقة الصلبة اللحم والجمع كنوز و كناز..و رجل كنز اللحم و مكتنز اللحم و كنيز اللحم و مكنوزه..الكناز المجتمع اللحم القويه وكل مكتنز مجتمع والكنيز التمر يكتنز للشتاء في قواصر و أوعية والفعل الاِكتناز والبحرانيون يقولون جاء زمن الكناز إذا كنزوا التمر في الجلال….
– بلقاسم مارس : بلاغة الاِكتناز في بنية القصة القصيرة دار رسلان للنشر 2015
– Umberto Eco –l’œuvre ouverte- traduit de l’italien par Chantal Roux de Bézieux avec le concours d’André boucourechlie v- éd – Seuil1965- p65
– البشير الوسلاتي : النص الأقصوصيّ وقضايا التأويل – دار صامد الطبعة الأولى تونس ماي 2014 – ص23
– صبري حافظ : الخصائص البنائية للأقصوصة مجلة فصول المجلد الثاني عدد 4 1982.
– يعرف الكاتب الإرلندي – فرانك أو كونور – في كتابه الصوت المنفرد القصة القصيرة بقوله ” ليست القصة القصيرة قصيرة لأنها صغيرة الحجم وإنما هي كذلك لأنها عولجت علاجا خاصا وهو أنها تناولت موضوعها على أساس رأسي لا أفقي وفجرت طاقات الموقف الواحد بالتركيز على نقاط التحول فيه فالذي يقف على منحنى الطريق يتاح له أن يرى الطريق كله والذي يفجر نقاط التحول في الموقف يتاح له أن يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل في لحظة ماثلة للعيان ص 123
– اِسم القصة القصيرة يليه ضمير السرد.
– آلان روب غرييه من أجل رواية جديدة ترجمة مصطفى إبراهيم، دار المعارف مصر الطبعة 1 سنة1995.
– أنظر صبري حافظ : الخصائص البنائية للأقصوصة مجلة فصول المجلد الثاني عدد 4 . 1982.
– أنظر المرجع نفسه.
– الورد والرماد ، رجال بلا شمس، ص 06.
– م،ن، ص07
– م،ن، ص 10
– الورد والرماد : القارب والريح ص 14
– الورد والرماد : تلك المرأة أولائك الرسامون ص 78
– الورد والرماد : طعم القصة ورائحة المطر ص 118
– الورد والرماد : الأزرق والأسود ص 92
– البشير الوسلاتي : النص الأقصوصي وقضايا التأويل – دار صامد الطبعة الأولى تونس ماي 2014 – يسعى المؤلف في هذا الكتاب – 254 صفحة- إلى تدبّر هذا النوع من السرد المقتضب والوجيز والبحث في سياقته التأولية وقد تضمن الكتاب خمسة فصول : الفصل الأول : مظاهر التمايز بين مقارنة النص الأقصوصي والنص الروائيومن خلاله يقارن بين الأقصوصة والرواية وما تتميز به كل منهما الفصل الثاني : في الخطاب الأقصوصي المقارن بين قيد دومابسون و يوسف إدريس وهو فصل في الخصائص الفنية للأقصوصةأما الفصل الثالث : التكيف خاصية الأقصوصة وهو فصل ينظر في دور الأقصوصة في تشكيل أبعاد النص الجمالية في حين تعلق الفصل الرابع والخامس بالمقاربة الإجرائية .
-أحمد السماوي: فنّ السّرد في قصص طه حسين. صفاقس. مط. التّسفير الفنّي. 2000
– حروف الرمل من أحسن الروايات لسنة1995 إذ تحصلت على 1995الجائزة الأولى للإبداع الثقافي في الرواية وزارة الثقافة التونسية. وقد أدرجت سنة 2000 ضمن موسوعة
OUTSTANDING WRITERS OF THE 20TH CENTURY
– الوضعية الاستفتاحية والبداية الاستهلالية: مصطلحان لجميل حمداوي من مقاله البداية والعقدة والجسد في القصة القصيرة جدا في المغرب . www.nadorcity.com
– الورد والرماد – الأنفاق ص 124
– الورد والرماد ص 60
– الورد والرماد – تلك المرأة أولائك الرسامون ص 78
– الورد والرماد ص 60
– الورد والرماد : حكاية أجمل سمكة في العالم ص 43
– الورد والرماد : الأزرق والأسود ص 92
– الورد والرماد : الأنفاق ص124
– الورد والرماد : الأزرق والأسود، ص 92.
– الورد والرماد : مدن بلا أساطير، ص 42.
– الورد والرماد : مدن بلا أساطير، ص 42.
– م،ن، ص 43.
– الورد والرماد، ص 60.
-الورد والرماد ، أسرار معلمة، ص 70.
– الورد والرماد ، تلك المرأة أولائك الرسامون، ص 78.
– اعتبر عبد الله البهلول أن أول منطلقات البحث هو اعتبار الصمت ضروبا متمايزة فمنه ما يكون عجزا عن الإبانة والتعبير ومنه ما يكون ذا طاقة إبلاغية وبلاغية تفوق الطاقة الكامنة في الكلام يكون حينا موقفا يُكره عليه المتكلم ويُضطرّ إليه ويكون حينا آخر موقفا يتخيره المتكلم لأسباب تختلف باختلاف المقامات …اُنظر عبد الله البهلول:كتاب الصمت : الندوة العلمية الدولية كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، الصمت سياسة في القول كتاب الصمت، أيام 5،6،7، أفريل 2007- ص 83.
واُنظر كذلك :
Piere Vav Den Heuvel- Parole – Mot – Silence – p73 – 80 silence volontaires – silence involontaire
– لا حظ تواتر القرائن الدالة على الحضور المكثف لتقنية السرد الاِسترجاعي من قبيل : كان المساء ربيعيا …ذات مرة قدم أحدنا…منذ شهرين توفي حارس المحطة …في طفولتها كانت هذه البواخر… بعد أيام فطنت القطط…. في أيام الربيع …كانت تأتينا في الصبا حات البليلة …في تلك الليلة …
– الورد والرماد ، رجال بلا شمس، ص 06.
-الورد والرماد ، الرسائل تصلنا دائما، ص 22.
– حكاية أجمل سمكة في العالم، ص .42
– Jean Michel Adam -le texte narratif –précis d’analyse textuelle des récits Ed Nathan 1985 p33
– Hamon Philippe – Qu’est ce qu’une description in poétique No 31-1972- p 484
اُنظر الصفحات التالية من المجموعة القصصية الورد والرماد :ص 26، 27،29،31، 32،33،34،35،36، 37، 43، 100 ، 101،128، 129، 144، 145،156، 157، ..
– الورد والرماد ، حكاية أجمل سمكة في العالم ص 58.
– الورد والرماد ، أسرار معلمة، ص 71.
– م،ن، ص 75.
– الورد والرماد ، الأزرق / الأسود، ص 102.
– الورد والرماد ، طعم القصة ورائحة المطر، ص 121.
– الورد والرماد ، الأنفاق ص 162
– محمد الخبو: كتاب الصمت :الندوة العلمية الدولية : كلية الآداب والعلوم الإنسانية صفاقس – قسم وحدة تحليل الخطاب.مجموعة من الأساتذة. كتاب في الصمت أيام 5،6،7، أفريل 2007 ، ص 05
– Miro Shi Mino – le silence dans l’œuvre d’Albert Camus José Corti 1987 p 157
– الورد والرماد: تلك المرأة أولائك الرسامون ،ص 79.
________
المصادر:
– آيت ميهوب( محمد ) – الورد والرماد – مجموعة قصصية الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم الطبعة الثالثة 2002
المراجع:
– أوكونور( فرانك ) : الصوت المنفرد – مقالات في القصة القصيرة- ترجمة محمود الربيعي الهيئة المصرية العامة للكتاب 1993
حافظ (صبري): الخصائص البنائية للأقصوصة مجلة فصول المجلد الثاني عدد 4 1982.
حمداوي (جميل)من مقاله البداية والعقدة والجسد في القصة القصيرة جدا في المغرب ..nadorcity.com
الخبو( الخبو ) كتاب الصمت :الندوة العلمية الدولية كلية الآداب والعلوم الإنسانية صفاقس قسم وحدة تحليل الخطاب.مجموعة من الأساتذة. أيام 5،6،7، أفريل 2007.
روب غرييه ( آلان) من أجل رواية جديدة ترجمة مصطفى إبراهيم، دار المعارف مصر، ط 1 ، سنة1996
– السماوي( أحمد) : فنّ السّرد في قصص طه حسين. صفاقس، مط التّسفير الفنّي 2000.
صدوق نور الدين(صدوق): البداية في النص الروائي، دار الحوار، اللاذقية، سورية، الطبعة الأولى سنة 1994
الطريطر( جليلة): في شعرية الفاتحة النصية : حنامينة نموذجا، مجلة علامات في الأدب والنقد، جدة، السعودية، العدد1998
عبد الله البهلول( عبد الله) :الصمت سياسة في القول كتاب الصمت- الندوة العلمية الدولية : الصمت أيام 5،6،7، أفريل 2007.
– العدواني( أحمد) : بداية النص الروائي، النادي الأدبي بالرياض والمركز الثقافي العربي بالدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة (2011)
– مارس( بلقاسم) : بلاغة الاكتناز في بنية القصة القصيرة، دار رسلان للنشر 2015.
– الوسلاتي( البشير) : النص الأقصوصي وقضايا التأويل، دار صامد، ط 1 ،تونس 2014 .
– ياسين نصير( ياسين): الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي ، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، سورية، ط 1 سنة 2009.
– المعاجم:
– ابن منظور لسان العرب مادة ( ك.ن.ز.) المجلد الخامس ص 402 دار صادر بيروت1994-
المراجع الفرنسية :
– ( Eco) Umberto–l’œuvre ouverte- traduit de l’italien par Chantal Roux de Bézieux avec le concours d’André boucourechlie v- éd, Seuil1965 .
– Jean ( Michel Adam) ,le texte narratif –précis d’analyse textuelle des récits Ed Nathan 1985
Hamon( Philippe), Qu’est ce qu’une description in poétique No 31-1972–
. Mino – le silence dans l’œuvre d’Albert Camus José Corti 1987 –
Roland( Barth) Le Plaisir dv texteéd Seuil Paris 1943. –
-(Vav Den Heuvel) Piere – Parole – Mot – Silence – 80 silence volontaires silence involontaire