لماذا رفض أندراس جائزة غونكور؟


*بوداود عمير


أثار رفض الرّوائي الفرنسي الشّاب، جوزيف أندراس (1984-) تسلّمه جائزة غونكور لأوّل عمل روائي، عن روايته الموسومة: «عن إخواننا المجروحين»(De nos frères blessés)، جدلاً واسعًا في فرنسا، بين مستنكر ومشكّك، للموقف «غير المفهوم» الذي أقدم عليه، خاصة وأن الجائزة، علاوة على ما تتيحه من شهرة واسعة للفائز بها، وتحقيق مبيعات معتبرة للرواية، ستكافئ الفائز أيضاً بمبلغ مالي تشجيعا له.
وسرعان ما برّر جوزيف أندراس رفضه للجائزة، على ضوء فهمه الشّخصي للأدب، والذي يتنافى بالضّرورة مع أي شكل من أشكال التّنافس أو الصّراع، حسب اعتقاده، واحترامًا منه للمبادئ التي كرّسها المنّاضل الراحل فرنان إيفتون(1926-1957)، وهو موقف نابع كما صرح «عن رغبة عميقة في احترام الأفكار التي آمن بها فرنان إيفتون، العامل والمناضل من أجل المساواة الاجتماعية والسياسية».
صدرت رواية «عن إخواننا المجروحين»، مطلع الشّهر الحالي، في وقت واحد، عن كل من دار النشر «أكت سيد» في فرنسا، ودار «البرزخ» في الجزائر، وهي الرواية التي تناول من خلالها جوزيف أندراس، حياة ونضال «فرنان إيفتون»، المناضل الجزائري ذو الأصول الفرنسية، الذي ألقى الاستعمار الفرنسي عليه القبض بتهمة «الإرهاب»، بعد أن عثروا على قنبلة، كان يحاول أن يلقيها في مصنع الغاز الذي كان يشتغل فيه، والواقع بالحامة، في الجزائر العاصمة، بإيعاز من الشّهيد عبد الرحمن طالب، هكذا ألقت عليه قوات الأمن الفرنسية القبض، وتعرّض للاستنطاق، كما تلّقى أبشع أنواع التعذيب، قبل أن ينفّذ فيه حكم الإعدام بواسطة المقصلة، في سجن برباروس في الجزائر العاصمة سنة 1957، يومها كان فرنسوا ميتران الرئيس الفرنسي الأسبق، وزيراً للعدل، حيث وافق دون تردّد على الحكم، بعد أن باءت بالفشل، جميع محاولات ثنيه عن تنفيذ الحكم، من طرف العديد من الشّخصيات والمنظمات الدولية، وخاصة الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي كان فرنان إيفتون، ينتمي إليه.
ضف إلى ذلك، يعتبر فرنان ايفتون الفرنسي والأوروبي الوحيد، الذي حكم عليه الاستعمار الفرنسي في الجزائر، بالإعدام، ونفذ فيه الحكم بواسطة المقصلة.
منذ البداية، أحاط الروائي الشاب نفسه، بهالة من الأسرار، لا يكاد يُعرف شيء عن شخصيته وحياته، ما عدا معلومات بسيطة لا تف بالغرض، عن تاريخ ميلاده، أو منطقة إقامته (في النورماندي ، شمالي فرنسا)، ثمة صورة وحيدة ملتقطة عنه، تظهر شاباً حليق الرّأس، يقف أمام نهر، ويضع يديه خلفه، كما لو أنهما مكبلتان، وفي الآن نفسه، يكاد يدير ظهره للمصوّر. ولعلها الصّورة الوحيدة التي صارت تتداولها جميع المنابر الإعلامية في فرنسا عندما يأتي ذكره. الأمر الذي أثار فضول الوسط الأدبي والإعلام في فرنسا، الذين حاولوا دون جدوى، إجراء حوارات معه، وطرح مجموعة من التساؤلات عن هوّيته: هل جوزيف أندراس، اسمه الحقيقي، أم هو عبارة عن اسم مستعار يختفي وراءه كاتب معروف؟ لماذا رفض تسلم جائزة غونكور لأوّل عمل روائي، التي يتمناها أيّ كاتب مبتدئ؟ ولماذا يمتنع عن الظهور في وسائل الإعلام الفرنسية والعالمية؟
علاقة جوزيف أندراس، بالجزائر، علاقة مميّزة جدّا، يأتي لزيارتها من حين لآخر، كان حريصا على طبع كتابه في الجزائر بالتزامن مع طبعه في فرنسا (صدرت روايته في الجزائر، عن دار النشر البرزخ)، وكان حريصاً أيضا على إجراء حوارات مع بعض منابرها الإعلامية. ففي حين رفض رفضا قاطعا كثيراً من وسائل الإعلام الفرنسية، وافق على حوار مع صحيفة «الوطن» الناطقة بالفرنسية، ومع مجلة «نفحة» الإلكترونية.
________
*نفحة

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *