جلال الدين الرومي جسر الحب من الشرق إلى الغرب



*محمد الحمامصي


يتمتع جلال الدين الرومي شاعرا وإنسانا بأفق جمالي وفني عارف فتح الطريق لتجليات وجماليات الحال والحق والعدل والصدق والجمال، وهذا وضح تماما في أثره “المثنوي”. وهذا السفر البحثي الجديد بعنوان “الرومي بين الشرق والغرب” الذي أصدره الباحثان المغربية عائشة موماد والمصري خالد محمد عبده يسعى إلى إضاءة تجربة الرومي وما قدمه للإنسانية من تفسيرات وتجليات للقرآن والسنة النبوية، وحضوره الفريد في الشرق وأبرز مترجميه وشارحيه، وتلامذته كالشيخ برهان الدين محقق ترمذي وأيضا الدرويش الجوال شمس تبريزي.
كما ترجم الباحثان جزءا منتخبا من الكتابات الغربية المتخصصة في درس وتحقيق وشرح مؤلفات الرومي حيث يحظى باهتمام بالغ في أوروبا.
يرى الباحث خالد محمد عبده، في كتاب “الرومي بين الشرق والغرب” الصادر عن مركز المحروسة للنشر، أن الرومي حول الشعر من موضوع للمدح والثناء والهجاء والتغني إلى قالب صب فيه الرموز والإشارات وفصل فيه المجمل من الكلمات، ورتل فيه الآيات واستعاد آلاف الحكم والأحاديث وما خلا نبض الحياة من كل كلمة مما قال، فلم يراع نظاما لقوالب حددت سلفا، ولم يشغله الترتيب والتنسيق عن سرد الأفكار وإن وصفه أحد الأعاجم بأنه أعظم من شكسبير. يمكن أن تقول إنه إنسان صوفي متدين سجل في آلاف الأبيات من الشعر ما استعصى على غيره أن يسجله بهذا الشكل. إن الرومي سماء واسعة لذلك لا يمكن لمن يستظل بالسماء للحظات قصار أن ييسر كل ما تحويه السماء.
ويضيف “قدم الرومي للبشر احتراما للفنون، فالنفخ في الصور الذي قرأه في القرآن علمه أن النفخ في الناي ليس من أنغام الشيطان، ومن يستمع إلى الكائنات ويتذكر ما قاله ربه عن تسبيحها وأنينها لابد أن يخشع لذكرها، فالناي إنسان آخر وليس كما يظهر في صورة العصا صامتا. كما قدم رقصا لا يتلخص في كشف الجسد أو التركيز على إثارة الشهوات، بل نقل حركة الجسد من الانغماس في الصورة والطين إلى العلو والارتفاع عن هموم البشر والمساكين “.
ويؤكد عبده أن بين الرومي وغيره من الصوفية الذين عاصروه فراسخ طويلة ؛عارض الكلام بالصمت، والفلسفة بالشعر، والتكبر بالتواضع، والتقليد بالحياة، عشقه جليل، وحبه سر عظيم، لا يحد بقيد، ويدخل فيه كل محترز يظنه صاحب القلم دائما المكبل أنه خارج عنه. هرب من البردة وفكك خيوطها مديحا دائما للمحبوب وحده، دون اعتبار لما قيل أو يقال. ففي الحب لا تحسن سوى الجرأة والحديث بقلب مفتوح دون الانشغال بالروي أو القافية.
وتقرأ الباحثة عائشة موماد كتاب الباحثة الفرنسية ليلى أنفار عن الرومي ” الرومي دين العشق”، وكذا كتاب الإيرانية الأصل الفرنسية النشأة نهال تجدد “على خطى الرومي”، وتترجم عددا من أبرز الكتابات الإيرانية المعاصرة والكتابات الغربية التي تناولت الرومي، فتترجم بحث إيفا دوفيتري ميروفيتش المتخصصة في تطوير الدراسات حول تاريخ وفلسفة الأديان والتي رأت أن الحدث التاريخي الأهم في حياة الرومي كان لقاؤه بالدرويش الجوال شمس الدين التبريزي “قلب هذا اللقاء حياة الرومي رأسا على عقب حيث ألهبته نار العشق الروحي عند رؤيته لشمس، ويشهد الرومي أن حكمته قد طمست كما تطمس شمس الصباح نور المشكاة. غدت هذه الشخصية الصديق والمريد والشيخ لجلال الدين الرومي والمجسد للصورة الأقنومية للعشق الأكبر حيث قال “رأيت الله في وجه مرشدي الروحي”.
وتشير إيفا دوفيتري ميروفيتش إلى أن كل أعمال الرومي تحمل بصمة الكونية والتسامح: بما أن الله هو الحقيقة الوحيدة وهو الهدف الوحيد للصوفي في طريق بحثه المتواصل، فالطريق المؤدي إليه لا يكتسب أي أهمية. يقول الرومي “هناك طرق كثيرة للبحث، لكن موضوع البحث يبقى واحدا”، لا يبلغه إلا “ميل القلب الذي لا إلى إيمان ولا إلى كفر بل إلى العشق”. يعتبر الرومي العشق روح الكون، بواسطته ينزع الإنسان إلى الرجوع إلى أصله.
______
*العرب

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *