رشيدة محمدي: الشعر بذات أصله قضية إنسانية حقيقية



حوار: نوّارة لحــرش


في هذا الحوار، تتحدث الشاعرة والأكاديمية والتشكيلية والمترجمة رشيدة محمدي، عن الشِّعر وعن اختيار نصها “قصيدة لسحب الثقة من المسلمات” ليدخل انطولوجيا شعراء العالم وأفضل القصائد للخمس سنوات الأخيرة عالميا، حيث ستكون قصيدتها الفائزة أيضا بالترتيب الأول كأفضل نص مُترجم من لغة أجنية بجانب قصائد لشعراء من مختلف العالم.

الشاعرة أصدرت حتى الآن، مجموعة شعرية أولى بعنوان “أوراد الدمعة” في بغداد العام 1999، وفي 2015، صدرت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية عن مؤسسة لوإوي التابعة لشركة لوإوي LOEWE العالمية في مدريد. وتم تحويل نصوص المجموعة إلى أوبرا بنفس العنوان “أوراد الدمعة”. في حين صدرت مجموعتها الشعرية الثانية “شهادة المسك” العام 2001.
أختيرت قصيدتك “قصيدة لسحب الثقة من المسلمات” كأفضل نص شعري لأنطولوجيا الشعر العالمي لهذه السنة، وكأفضل نص يصل لتصفيات العشرة نصوص المختارة والتي ستضمها الأنطولوجيا. كيف تلقيت هذا الاختيار أو هذا التتويج لنصك؟
رشيدة محمدي: بكلّ هدوء وتأمل ورضا، عندما طُلب مني المشاركة في المؤتمر كان بناءً على سلسلة من الاحتكاكات بكتَّاب إسبان ومن دول أخرى كاللاتينية في أهم المحطات الإبداعية في إسبانيا: في الآنينيو، جامعتي الكومبلوتانسي والأُتونوما في نادي لاكويفا أين بدأ اهتمام المبدعين والأكاديميين بي يتِّضح بعد أوبرا “أوراد الدمعة”، على اعتبار أنها العمل الشعري الملحمي الأول من نوعه في تاريخ أوروبا وليس في أسبانيا وحدها الذي قُدِّم باللغات الثلاث: الاسبانية، العربية والإنجليزية. 
بعدها بدأت تأتيني دعوات للحضور إلى مؤتمرات ومراكز ثقافية لها وزنها كالمركز الثقافي “رفائيل آلبيرتي”، وقد جاء الشاعر الكبير خوسيه لويس آلباريس بعد أنْ لاحظ أمرا ما مقتربًا مني بكل جمال روحه في أحد اللَقاءات التي كنتُ أحضرها كمهتمَّةٌ متابعة وعاشقة لفنّ الاستماع عموما وللشَعر تحديدا وسألني: “هل تكتبين شعرا بكل اللغات التي تتكلمينها؟”. أجبته: “لا، أنا أقرأ كثيرا بتلك اللغات لكنني غالبا ما أكتب بالعربية”. قال بقناعة: “تُرى كم شاعر عرفه التاريخ يكتب شعرا مميزا ويتكلَّم ستة لغات؟، هل انتبهتِ يوما أنك حالة متفردة؟”. قلتُ: “لكنَّك لم تقرأ لي”. قال: “بلى أنا كنتُ مِمَن حضروا أوبيراكِ كما أنني ومنذ أكثر من نصف سنة أتابع منشوراتك على الفايسبوك ولي صديق مستشرق حيث نتابعك وقد صار يُترجم لي تلقائيا ما تنشرين ويبعثه لي على الخاص (مشيرا إلى البروفيسور ميكال آنخل آريياس)”. فشكرته مبتسمة ولم أُعلَّق غير أنَّ خاطرة مُرَّة عبرت ببالي لأنني لم أسمع أي كاتب عربي يحكي عني بهذه الطريقة بعد محمود درويش (وأنا أعرف أنَّ الكثيرين منهم يتابعونني على شبكات التواصل)، طريقة تبعث على احترام قائلها أكثر مما يمكن أن تبعثه من ارتياح في المستمع إليها، لأن الأحرار فقط لا يَخشون إسماع ما تحتفل به ضمائر صدورهم بصوت عادل وعالي ومتصالح مع ذواتهم.
ثمَّ أردف: “ماذا لو تُعدِّين شهادة إبداعية عن علاقتك باللغات ضمن مناوشات الشعر لكِ؟”، ففعلتُ. فما مَرَّ أكثر من شهر حتى أعددت محاضرتي بالإسبانية وكان القسم الأكبر منها شهادة إبداعية وقد اختار خوسيه عنوانها “شاعرة تصلُبها اللُّغات”، وما إن جاء موعد إلقائها حتى وجدتُ (وهو ما عرفته لاحقا أثناء المداخلات) أن القاعة تحتوي على أكاديميين ومترجمين ومهتمين بالشعر من تشيلي، برازيل، المكسيك، كوبا، فرنسا، بريطانيا، جمهورية الدومينيكان، نيكاراغوا والإكوادور، البيرو، والعديد من طلبتي وإذاعة مدريد المحلية… وهكذا علمتُ بفكرة المؤتمر العالمي للشِّعر. فطُلِبَ مني المشاركة فيه، وقد أرسلتُ إلى رئيسة المؤتمر قصيدتي عن طريق الإيمايل فردَّت: “لابُد من ترجمتها”، قلتُ: “إذنْ أعتذر، أنا لا أترجم قصائدي بنفسي، لا أحد يستنسخ أكباده”، ورجوتها أن تنسى الموضوع، فأصرَّت مُقْتَرِحة مُترجما إبداعيا؟، ووافقتُ بشرط إطلاعي على الترجمة قبل تسليمها النهائي للمشاركة في المؤتمر. فكما ترين لم يكن لي عِلم لا بتصفيات ولا بدخول نصي إلى “انطولوجيا الشعر العالمي”. لم أكن بذلك الحماس الكبير للمشاركة لولا إصرار الأصدقاء الشعراء والأصدقاء الأكاديميين وعلى رأسهم رئيسة المؤتمر الشاعرة والإنسانة الجميلة ماسكاب أسونسيون كاباييرو.

النص اُختير أيضا ليدخل انطولوجيا أهم شعراء العالم وأفضل القصائد للخمس سنوات الأخيرة عالميا، وسيكون بجانب قصائد لشعراء من مختلف العالم. إلى أي حد يعنيك تواجد نصك في خارطة الشعر العالمي؟
رشيدة محمدي: أعتقد أن حياتي في نيويورك التي تعتبر العاصمة التلقائية للثقافة العالمية واحتكاكي بأسماء عالمية من المبدعين إضافة إلى أكثر من سنتين في أوروبا وعضويتي ونشاطي في رابطة الكُتاب العرب الأمريكان أعطوني مراسًا يَكاد يُلحق بحالة فطرية من التعوُّد المُحصَّنة بزهد ما مُضاد لصَعقات الدَّهشة الوبائية التي يسيل لها لُعاب غيري من الخلق وخاصة (الكَتَبَة) الجوعى بنهم أشفقُ عليهم منه لكلّ شئ له علاقة بالشبع المفاجئ.
أنا كائن بسيط، تستطيع القراءة كفعل دهري والتأمل كتضاريس قلب وبعض الكيلومترات التي أقطعها على دراجتي أو متابعة محاضرات حول أصناف وشؤون الفنّ من الرّسم إلى المُتعة بشريط يدقِّق في حياة الحيوانات، الحشرات أو النباتات مواسم من السعادة الرشيقة وتُغدق عليَّ سلاما داخليا ورذاذا رحيما لمداعبة أجنحة روحي الهادئة التي أرى من حقي الحفاظ على ملامح هوِّيتها بكل وسائل الجمال الممكنة.
ببساطة إن دخولي انطولوجيا أهم شعراء العالم للخمس سنوات الأخيرة مسألة تدوينية توثيقية مُنَـيْشَـنَـة ببهجةٍ جمالية ما من حق الإنسانية الاستمتاع بها ومن حقي بمناسبتها أن أقول للشعر: “شكرا لأنك تقبَّلت أقدامي الحافية لتسير على أحراش ومروج كوكب إيقاعك المكتظ بجمرة الخَلق وثلج الحرية”.
وكأكاديمية أُدرك قيمة التوثيق لاسيما عندما يشمل تدوين سيِّد فنون الوحي الشِّعر. إنَّها ليست فرحة لكنَّها حالة امتنان غامرة لا يعود فيها الفضل إلاَّ لرجل واحد في هذا العالم وهو المفكِّر الروائي المَنْجَم الدكتور يوسف زيدان الذي أعاد لي الثِقة في حرارة وحِراك الثقافة العربية عموما بعد الهزَّة الوجودية التي قصمت ظهري بلوعات فَقْدٍ وطعنات فقدان، حيث كشفت لي كتابات يوسف زيدان تحديدا أن قدرة الإبداع على التمسك بالحياة كأساس لمملكة الخير لأن لا هدف من انسياق الجمال إلى بساتين الفن إلاَّ إنقاذ الإنسان من النسخة المزوَّرة للإنسان فهزَّ يوسف بفكره وتفانيه في العمل نخيلي اليائس من كلّ مكتوب بالعربي وانتشلني بسحر ما ليمكنَّني من أن أشرئب إلى حالة باسقة مزهوة بما يفتِّت ركود الفكر العربي ويساور اللغة على نفسها المتمنِّعة ولذا أكون سيِّدة نفسي لو امتنانا وحبا أهدي هذا الحصاد إلى يوسف زيدان.

جاء نصك الأول في الترتيب، هل تهم التراتبية في الشعر، وهل الترتيب الأول يعني بشكل ما انتصار اللجنة للشعر ولشعرك على وجه الخصوص؟
رشيدة محمدي: يُكتب الشِعر بإحدى شروط المَعرِفة التي يستحيل تحديدها، لكن اللغة كهوية تُنطِقه تحتِّم عليه ضرورة القبض على أرخبيل محظوظ الجمال يستند ُإلى قيم صوتية و رؤيويّة مسبوكة بتدليك مفاصل النص وتشريحه بمشرط حيثيات غامضة ومتكافلة لا يمكن الـتَّنكر لها، فوجود نص يحمل على عاتقة تمثيلا جماليا لرعشة الكلمة في حلق الغيب المعشَّق بنهاوند الحيث وسيكا الحدث في زمن الكبسات الالكترونية التي تحالفت إلى حدّ بعيد مع كل الفنون إلاَّ مع الشعر، ومع ذلك لم تستطع كتم صوته، بل رغم المكابدات المهدِّدة بزواله ظل الشِّعر الصوت الأصلي للثغ الإنسان صلاته الأولى مُعلقا على حبال صوته في مناطق كيانهِ العميقة والسحيقة مُعولا على فراشة الحرف الشفيفة مُحَمِلا إيَّاها أُنثروبولوجيا عتيدة بكل وِزْرِها وزفراتها الصعبة.
أمّا دخول نصٍّ بكل توابله العربية إلى انطولوجيا الشعر العالمي (أظن أنَّ النصوص التي شاركت في المؤتمر مكتوبة بــــ 6 لغات وبغض النظر عن كون نصِّي ضمنها) فتلك حالة تحمل طمأنات بأنَّ موهبة اللغة العربية في احتضانها سلوكا إلهاميًا عالي الشعرية لا بعلاقة الكلمة بالكلمة فحسب، بل بأنساق شخصية الحرف الصوتية المأهولة بسولفاج نغمي كامل الدائرة الذبذبية وهي خاصية تجعل من صوت الحرف العربي صوتا لا يتعارض مع فطرة الأذن البشرية (أتكلم كمختصة في الصوتيات) أن يدخل نصا كُتِبَ باللغة العربية كلغة ميلاده انطولوجيا الشعر العالمي فهذا انتصار لبسمة الشِّعر على شفة اللغة وعلى ثغرها المُشهَّد بعلامة عالمية كونها لغة مُستعصية الإحالة على متحف الرعب الإنقراضي الألسني من الخارطة الإنسانية المعاصرة في نظر غير أهلها وهو المهم للغاية، عِلاوةً على أن حدوثه في زمن كزماننا هذا الذي يبدو فيه كل شيء غير عربي أجمل وأرقى وأكثر انسجامًا مع مدنية البشرية وأنجع تحضرا وأقوى رسائليًا في تعاطيه الفنّ وتمسكه بكرامة الإنسان من خلال حقه في الإبداع.
احتكامًا لما سبقتُ ذِكرا فالتراتبية في الشِّعر كما سميّْتِها وفي حالة بالمواصفات التي شرحتُ آنفا ليست نِتاج صدفة مقذوف بِها في حقل ارتجالي لا يعي مجال اشتغاله على الشَعر كهوية ترانسدانسية تقف على صهر ملامح سماء ما في الإنسان داخل شرك عنكبوت انتماءات تتقاسمها علائق طردية مُرغمَةُ الانعكاس على مرآة واقع العالم الشرس الجبار والداكن في كثير من الأحيان .

كنتِ حاضرة مع مجموعة من شعراء العالم وقرأتِ في افتتاح المؤتمر شهر مارس. ما الذي تضيفه قراءة الشعر في العواصم الغربية، ولا تضيفه العواصم العربية؟
رشيدة محمدي: إلقاء القصيدة نسق آخر لولادتها، أنا ممن يؤمن أنَّ الشّعر حالة صوتية محكمة التضاريس، حكيمة التقائيًا بسجية الموسيقى الموجودة بين كروموزومات الحرف القادم من منطقة واحدة لا مِنطقة إلاَّها عند كلّ البشر، وهي إقليم “الرئة” العجيب المُزوَّد بميراث النفخة الماورائية الأولى التي لا تخون مُهمتها المحدَّدة في حالة كالشِّعر، وهي إحياء أُذُنِ الإنسان بأحد شروط الجمال الإيحائية العالية الضّامنة للمُنْصِتِ إليها حق استلام كل عناصر الطبيعة العظيمة مُختصَرا في وصلة هواء تتنفس دلالةَ معناها حتى في فواصل صمتها. إنها حالة مُعْتدَّة بكيانها حتى لا تٌخِّيب أمالا يَعْقِدها عليها المُتلقي الذي يُدرك أنَّه جاء ليستمع إلى إمبراطورية الوجود بكامل نزيفها ونزقها وزغاريدها مُمثلة في قصيدة من الشّعر والتي عليها أن تتصرّف بمعجزة ذاتها منبجسة من لولبٍ هوائي اسمهُ “الحرف”، حرفٌ لا يُتقن سوى حِرفة واحدة و وحيدة وهي صناعة قدَرَهِ بحجر الملكوت داخل بيت واحد لا ثاني له وهو بيت “الكلمة”.
سيبقى إلقاء الشِّعر منسوجا بعلاقة تواصل حميمة المِزاج، نمارقها عرش من غيام وأرائكها فلك يعتمد على توريط المُتلقّي في المُكَوِّن “الكوزمو إلهامي” لثنائية “البين بين” وذلك بتمرير بيانات فحص نبض القصيدة إلى لليلكة ْاللحظة السمعية المقدسة بنجوى الملائكة واقتراحات الشياطين.. هكذا أرى ماهية الإلقاء الشّعري في الأصل، في الشرق كانت أو في الغرب باللُّغات السامية أو باللُّغات الغير سامية وهذا هو الذي يعنيني.
لذلك أنتِ تصرين دائما على قراءة الشعر بلغته الأصلية التي كُتب بها؟
رشيدة محمدي: أجل، ولذلك أنا لا أقرأ الشِّعر بغير اللُّغة التي أَكتُبه بها في الأصل، فما أكتبه بالإنجليزي أُلقيه بالانجليزي وما أكتبه بالإسباني أُلقيه بالإسباني. حتى الآن تُعد كتاباتي بهاتين اللُّغتين قليلة، ـوكذا الحال بالنسبة إلى ما أكتبه بالعربية. ليس إلقاء الشِّعر بالأمر الجديد علَيّ في الغرب، يستمع إليكِ المُتلقي الغربي باستعداد موسيقية نغمية فائقة الانتباه لحركةِ وتموجات كل ديسيبل يغادر فمك إلى سمعه ولا ينتظر منك ملحمة من المعاني أو قواميسًا من الحِكَمِ، بل ينتظر منك أوركسترا تقوم على مؤشرات روحية موحية ممصولة بحقنة صوتك في صدى سمعه وقد يرشح صوتك وأنتِ تلقين شعرا ليجده صنفا من الصلوات كما تقول لي صديقتي الشاعرة الأمريكية شارون أولْدِسْ: “لا أجد فرقا بين لغة صلاتي الداخلية وصوتك وأنت تُلقين شعرا بالعربية”. وهناك من يجد في إلقاء شِعرك ذبذبات تأملية سيعتمد عليها لتساعده على التركيز أو تذهب به إلى الاسترخاء أثناء عمله أو يذهب بها إلى سرير نومه ليلا… 
عادة تسلِّم الجِهة المُنظِمة للقراءات الشّعرية نسخة مطبوع عليها ترجمة النصوص التي سيُلقيها الشاعر قبل بدء القراءة بلحظات، بينما أتصوَّر أن جمهور الشِّعر في البلاد العربية قليل وعلى قلته يجيء إلى الاستماع إلى الشعر وهو معبأ بشتيت من القضايا التي وضعها ضمن خارطته الغير جمالية بل الجيوسياسية الساكنة في لا شعوره، و ويلٌ للشاعر إن خرج عما يريده المتلقي. 
تعرفين وأعرف أن لا شيء يقتل الشّعر إلا حشره بتعنُّت في قضايا تنسى أنَّ الشعر بذات أصله قضية إنسانية حقيقية، كما أن المُتلقي في البِلاد العربية لديه فكرة عن السُمعة السيئة للشعراء الذين يختفون وراء ستار الشِّعر (مجازا) لعجزهم عن مواجهة المجتمع بوسائل أكثر جرأة وأسمى نبلا، فهذا الشاعر المسكين كيف يبدع في القصيدة وهو عاجز أن ينشر صورته الشخصية مع زوجته حتى لا أقول حبيبته، بينما يَلهث لنشر صورته مع شاعرة صدفة أهداها له “مهرجان في دشرة”. الشاعر الذي يلتقط صورا لاحتفاله بزجاجة خمر ويعتبر شربه كأس من النبيذ حادث بالغ الأهمية شاعر منكوب في حريَّته، وهل يُكتب الشعر دون حريات نبيلة!!؟؟. يَعرف المتلقي إذن وتماما أنَّ الأغلبية الغالبة من الشعراء هم صناعة كواليس أو نِتاج تطفُّل على جوهر الإبداع والأمْرُ الأمَرّ من كلّ ذاك أنَّه لا يَغيبُ عن المتلقي العلاقة المتشنجة فيما بين الشعراء أنفسهم وما يحملونه من صِغر نفس وصل حد ما يبدون من شللية تُحاسب وتحسب “اللَّيكات” على الفايسبوك أكثر مما تقرأ مِن كتب.
بيني وبينك أنا أخاف من الشعراء الذين لا يمارسون هوايات جوارية أخرى، كم شاعر في الوطن العربي يعزف موسيقى أو يمارس نحتًا أو رسمًا أو تمثيلا مسرحيا أو سينمائيا أو رياضة أو حتى لعب الطاولة أو نرد، مما شدَّ انتباهي في إسبانيا مثلا طريقة الإلقاء الثنائي لنص أحد الاثنين في خشوع وتواضع وقناعة بأن الشاعر لا يَمُنَّ بالكتابة على أحد من المُتلقين أو القُراء وأدرك أن للإعلام في البلاد العربية يد في تسويق وتكريس بعض الأسماء من الكُتَّاب دون غيرها وهو ما لا يمكن حدوثه في الغرب. 
بعد “أوراد الدمعة” و”شهادة المسك”، أنت تشتغلين حاليا على “إكليل خمسيني”، وقطوفه المنشورة حتى الآن على جدارك تحيل إلى أنه عبارة عن حِكم، كأن الشعر عند رشيدة محمدي تحول في هذا العقد من العمر إلى ما يشبه الحِكمة، أم أن الشعر دائما هو حِكمة الشعراء؟
رشيدة محمدي: نختلف!!.. مع التلويح أن واقع تاريخ موقع الشعر في العالم أثبت أن أقوى ما يُنحت من ماضي النص الشعري في حاضر الأيام دائما هو الحِكمة المتلبسة بمبادئ الشعر، تليها أشعار التصوف إثْرَها من حيث الترتيب يأتي شِّعر الحبّ وفي المرتبة الرابعة الأشعار الوطنية، وذلك حسب نتائج دراسة قام بها الشاعر وأستاذ الكتابة الإبداعية “كافن يِيَانْ” في جامعة إيمِــري جورجيا.. رغم أنني أسيرةٌ مؤبدة للشِّعر كقضية جمالية موسيقية بالأساس، فلا يُمكنني التنكر لعبير الحِكمة التي يُملِّسها الجنون الصادق مرحبًا بعراء وحفاء وجوع وشعث ما في مكنون الإنسان، تماما كما يُرحب بمفاتن وأناقة ولباقة الملاك الذي في الإنسان.
“إكليل خمسيني” بصمتي التي ربّما أرادت لتوقيعها على أيام العمر أن تكون بحبر الشرايين ومِداد العاشقين وصمغ المتعبين على أوراق خشوع أخلاقي للسيدةِ فيها من كل الأشياء شيء ولها في العدم ظلال وفئ. سيدةٌ رغم تصحُّر وجوع العالم لا تأكل بثدييها، إن صادف وكان “إكليل خمسيني” ما ترينه فليكن .
———
جريدة النصر الجزائرية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *