الكاتبات الخليجيات: لسنا مجرد حقيبة باهظة الثمن




*ليلاس سويدان


أن تكون الكاتبة خليجية يعني أنها موضع تساؤلين، أولهما عن الأدب في مجتمعات الرخاء، وثانيهما يتعلق بالكتابات النسائية عموما ومقارنتها بالأدب النسوي العربي كما يصنفه البعض، رغم الاختلاف على إمكانية تنميط الأدب بذكوري ونسوي، وفحصه نقديا وفق هذه النظرة.
لفت نظري مؤخرا «بوست» على فيسبوك لصحافي عربي ينتقد الكاتبات الخليجيات و«البوستات» التي يكتبنها، ويرى أنها تظهر أنهن بلا قضايا ولا هموم ويكتبن فقط في غزليات القهوة، كما أسماها، أو «كأنهن يشربن قهوتهن في مدن فاضلة لا في «مدن الملح»، كما قال، واستغرب تهربهن- كما وصفه- من المشاركة في ملفات عن الكتابة النسوية والإبداعية عموما.
فهل الكاتبة الخليجية بلا هموم فعلا؟ ولماذا ينظر البعض إلى كتاباتها على أنها مجرد «ترف»؟. هذه التساؤلات أجابت عنها بعض الكاتبات الخليجيات.
عم.. نشرب شاياً ونضحك
ميس العثمان قالت:
يخلط كثير من الصحافيين، للأسف، بين ما نصرّح به على صفحاتنا «الشخصية/الخاصة» على وسائل التواصل الاجتماعي -أمكنتنا الخاصة جدا- التي تضم الأصدقاء ورفقاء الكتابة، والتي دائما ما أشبهها بصالون صغير في البيت للدردشة ونفث «غبار الروح»، والمشاركة الخفيفة لما نفعل أو نفكر كيوميات نعيشها جميعا. ويبدو لي أن فيما كتبه الصحافي موقفا «خاصا» يريد به إثارة «سريعة» لمن هم على صفحته في الفيسبوك. لا أظنه قرأ أو اطلع على «مجمل» أعمال الكاتبات الخليجيات ليطلق حكمه السابق، ويصفهن بالمترفات، وفق وصفه. المعيشة في بلد «غني» لا تعني بالضرورة ترف أهله. والكاتب يثري السرد والشعر بما يراه من قضايا تلامس الإنسان أينما كان، والحياة ليست كل مآسيها نتاج الفقر، إنما تتعدد أسباب المعاناة المشتركة التي تنتج إبداعا، ولمَ أصلا الفصل والتحديد بين الكتّاب والكاتبات وفق انتماءاتهم وأصولهم؟ ما يربطنا بالقارئ (أيا كان) هي مجموعة أعمالنا المنتجة والمصنفة كإبداع، والتي من حقه كقارئ الحديث عنها، لكن مساحاتنا الشخصية التي من ضمنها صفحاتنا التواصلية، هي شرفة نسترخي بها مع أحبائنا فقط، ونعم نشرب فيها شايا وقهوة ونضحك ملء ارتياحنا بينما العالم يحترق، لأن الجميع يفعل ذلك.
ترف ليس في مصلحتنا دائماً
ليلى البلوشي قالت ان الكاتبة الخليجية أثبتت جدارتها ككاتبة متمكنة ليس في قضايا مجتمعها فحسب، بل قضايا التي تشتعل في المنطقة العربية منها والعالمية. وأضافت:
الكاتبة الخليجية قد تعيش في مجتمع مترف غير أن هذا الترف لا يكون دائما في مصلحتها، هذا الترف الذي يشعرها بغربة ساحقة، هذا الترف الذي يكون أحيانا في مقام النقمة وليست النعمة؛ و لعل أبسط مثال هو أن هذه الكاتبة الخليجية يراها الآخرون، لاسيما في معارض الكتب، مجرد حقيبة باهظة الثمن أو عباءة مزركشة، يحكمون على مظهرها لا على عقلها اليقظ و لا فكرها الحر.
الكاتبة الخليجية التي إذا ما مرت على دور النشر العربية يحاول البائع قدر ما يستطيع من حيلة أن يفرض عليها وصايته في انتقاء الكتب، وكأنها عاجزة عن الاختيار بنفسها وكأن ثقافتها هشة!. هذا المسوّق لا يراها سوى جاهلة لا تهتم سوى بالمجوهرات والملابس الباهظة، ولا ترتاد سوى المقاهي الفخمة متبجحة بالقهوة التي يغطي ثمنها شراء ربطة خبز تكفي لعشرات الجياع في العالم.
المرأة الخليجية، سواء كانت كاتبة أو حتى امرأة عاملة لها قيودها الضخمة التي تطاردها في مجتمع يسعى حثيثا لتشييئها، لاتخاذها شماعة لكل آثامه وخطاياه. الكاتبة الخليجية حين تستعرض ما لديها من ترف تستعرضه عن سخرية وعن مدى فجاجة الواقع وكآبته في محيطها، هذا الترف بحد ذاته ليس عيبا وليس مقياسا على خلوها من قضايا تشغلها بجدية كبيرة، غير أنها لا تجد الوسيلة الأنسب كي تعلن تضامنها معها أحيانا، قد تخونها الطريقة غير أنها تحاول أن تكون طرفا مؤثرا. أن تفعل ما يحدث فرقا حقيقيا. يكفي إساءة الظن بالمرأة الخليجية وبالكاتبة الخليجية بل بالمرأة عموما في مجتمع بطريريكي اكتفى بصناعة الحروب من ثم لوم المرأة بالخراب الذي يحدثونه.
آبار النفط لا تصبّ في جيوبنا
مريم الساعدي استغربت أن يفسر اعتذار بعض الكاتبات عن المشاركة في الملفات الأدبية وموضوعاتها بأن لاهم لديهن أو أنهن لا يجدن ما يقلنه:
كوننا خليجيات لا يعني أننا نجلس طوال الوقت على مقاعد الحرير يهفنا العبيد بالمراوح الريش، وتحيطنا الجواري تقلم أظفارنا وتسرح شعورنا. نحن أيضا نكدح وعلينا العمل لتأمين لقمة عيشنا. بعضنا موزع بين العمل والأسرة والأطفال والتزامات الحياة اليومية، بالاضافة لمحاولة اللحاق بركب القراءة والالتزام بعهد الكتابة. آبار النفط لا تصب بالضرورة في جيوبنا. نحن نحاول فقط أن نعيش بأقل قدر ممكن من الخسائر النفسية في لهاث الحياة. إن كان أحدهم قد صادف نموذجا سيئا فهذا لا يعني التعميم، وبالنهاية من حق الكاتبة أن ترفض المشاركة في تحقيق أو ملف صحافي لأي سبب كان.
لكل مجتمع مشكلاته
أمل الرندي قالت:
من يحمل راية الكتابة، يحمل في قلبه الكثير من الأحاسيس المرهفة لمجتمعه، يفجرها بقلمه، ليعبر عن نفسه وآماله وأحلامه، ليكون مجتمعه أفضل، فلا يمكن أن نصل إلى أهدافنا بلا مسؤولية.
كثيرون طرقوا باب الكتابة ولم يستمروا، لأنهم لم يحملوا على عاتقهم هذه الرسالة ولم يثابروا ليحققوا أهدافهم، فليست الكتابة الحقيقية عملاً ترفيهيا، أو للتفاخر، كما يعتقد البعض. بل هي نور للعقول.

والمرأة الخليجية منذ أن انطلقت في هذا المجال وأبدعت، كانت لها بصمات تُحسب لها في نشر الثقافة والمعرفة، وعبرت عن مشكلات بنات جنسها، إلى جانب تعبيرها عن مشكلات مجتمعها، فلكل مجتمع مشكلاته، مهما كان مستوى الرفاهية المادية، فالمال يحل مشكلات ويخلق أخرى. تكفينا العادات والتقاليد التي تشكل قيوداً على تحرر المرأة ومساواتها بالرجل، وتقف في طريقها لتكون عضوا فعالا في المجتمع، كما أن هناك العديد من الكاتبات الخليجيات اللواتي استطعن أن يؤكدن موهبتهن وحضورهن على المستوى الأدبي والدولي، خصوصا الكاتبات السعوديات اللاتي اخترقن العادات والتقاليد المتعارف عليها في مجتمعهن التي تقلص دور المرأة وتحصرها في كونها أما وتابعا للرجل فقط.

وهناك الكثير من الأمثلة مثل الروائيتين رجاء الصانع وسهام مرتضى. أما في الكويت فهناك العديد من النساء اللاتي أبدعن في مجالات متنوعة كالأدب والفن، واثبتن حضورهن وقدراتهن على الابداع والتميز مثل الشاعرة سعاد الصباح، الروائية ليلى العثمان، والفنانة التشكيلية ثريا بقصمي، والكاتبة الصحافية إقبال الأحمد، وغيرهن الكثيرات اللاتي كان حضورهن وقلمهن الحر اضافة متميزة للأدب والفن الكويتي والعربي، نفتخر بهن، وبأقلامهن الحرة المتميزة. الآداب والفنون إبداع ممتع لكنه يموت بلا رسالة، والخليجيات يحملن الهمّين معا، ولم تعد أسماؤهن اليوم خلف الستار.
____
*القبس الكويتية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *