بيروت- تظلّ التربية من بين مناطق الظل في تناول الفلاسفة، حيث تبدو خصوصاً في العصور الحديثة قد تُركت إلى أهل الاختصاص (علوم التربية) أو إلى علماء الاجتماع والنفس. وقلّما حاول فيلسوف توجيه أنظار مجاله بالكامل نحو التربية لتظل مقاربات جان جاك روسو أبرز المساهمات إلى اليوم.
المفكر الفرنسي إدغار موران (1921) أحد القلائل الذين خاضوا هذه التجربة من خارج الاختصاص حين وضع كتاب “تعليم الحياة: بيان لتغيير التربية” الذي صدر في العربية مؤخراً بترجمة الباحث التونسي الطاهر بن يحيى عن “منشورات ضفاف”.
العمل قريب من فكرة موران العامة، والتي تسمّى بفلسفة التركيب أو التعقيد، ومفادها أن المقاربة العقلانية (الديكارتية) أثبت التاريخ نواقصها، إذ تتضمّن نزعة تبسيطية مخلّة بالبحث الموضوعي عن الحقيقة، لذا باتت كل معرفة تقتضي عملية تركيبية تكون على مستوى قريب من تعقيدات الحياة.
بخصوص التربية، يعتقد المفكر الفرنسي أن هذه الوظيفة الاجتماعية ظلّت محكومة بعمليات إسقاط، لتصبح أقرب إلى جهاز توجيهات كبير، ما يمنعها من إنتاج استقلالية الأفراد، في حين أنها تدّعيها كغاية. من هنا، يرى موران أن التربية تعاني أزمة متعددة الوجوه، مآخذاً جميع المجتمعات لجعل هذا المجال من الأشياء غير المفكّر فيها لتصبح بوضعها الحالي فضاء لاجترار السرديات الكبرى. ولكي يصل إلى مقترحاته لإصلاح التربية، يؤكد موران على ضرورة تعريف الحياة الجيدة قبل تقديم أية مقاربة تربوية، وحين يقدّم مقترحاته يشير إلى واضعي الخطط التربوية بأن عليهم “تعلُّم أن يتعلموا”.
___
*العربي الجديد