في ديوانه الأول – الصادر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب – “الطازجون مهما حدث” يؤكد حاتم الجوهري التزامه بالشروط الثلاثة التي وضعتها سوزان برنار لقصيدة النثر وهي أن تكون “موجزة، متوهجة، مجانية”.
قسم حاتم الجوهري ديوانه إلي خمس مجموعات وعنون كل مجموعة بعنوان تندرج تحته بعض النصوص المعنونة أيضا، ولا أدري سر تقسيم الديوان إلي هذه المجموعات برغم تقارب روح النصوص التي احتواها الديوان لدرجة التوحد أحيانا.
في نصوص حاتم الجوهري نراه معنيا في المقام الأول باستئناس العناصر الكونية ليحاورها من خلال لعبة التأمل في ماهية الكون والنفس البشرية، باختلافاتها وتصوراتها الفلسفية والإبداعية، في محاولة للتصدي للزيف والقبح والتشوه:
”أيتها البلاد التي أتعبت كاهلي / بثقل ذكريات أبنائها/ لماذا أنا وحدي/ علي أن أكون حامل كل الذكريات!/ لماذا أنا وحدي/ أشاهد ميلادهم يحاربون/ ككائنات مسخرة بحر إرادتها.” ص14 وإذا مررت علي ديار من ادعوا أنهم رفاق/ مر بنسائم الغفران/ وافرد بضرباتك انحناءات الظلام/ التي سكنت اعوجاج صدورهم ولو لمرة أخيرة.” ص23.
يعتمد حاتم الجوهري في معظم نصوص ديوانه علي التكثيف اللغوي للنص متجاوزا مرحلة المطولات الشعرية، فهو يقطر فكرته في إشارات خاطفة، تترك المتلقي في حال من الدهشة والتأمل، إشارات توجز حالته الشعورية وفكرته دون اكتناز أو تطويل، ربما يحيلنا نصه إلي شعر الهايكو الياباني في تكثيفه والتماعاته المبهرة، وإلي الأبيجراما الشعرية المختزلة:
”لعينيها/ صفاء رسائل البدايات/ و”لهالة” وجهها حين تنظر/ قوة ملائكة/ يدفعون بالأخشاب/ إلي مراجل قلبها/ لإصرار روحها في التتبع/ صدق المجاهدين الأوائل/ متي يحاربون!” ص104، 105
ومن هنا نرى أن حاتم الجوهري حريص أن يخرج بنصوصه من إسار الرتابة والتكرار، وأن يكتب نصا طازجا غير مجترح سلفا، في ومضات كالبرق الخاطف، حيث يرسم عالمه الخاص الذي يحلم به، العالم الذي لا يتواطأ علي الإنسان، ولا يقتل حلمه في مهده، من خلال استعادة لحظات الطفولة، وإزالة شوائب الزمن عن ملامح وجهه القديم، واختصار مسافات شاسعة بين الأمس واليوم:
”كان بإمكانك/ أن تكوني ست الحسن/ أميرة لأحلامي التي حفظتها/ كان يمكن / للورود البيضاء أن تتحلق حول شعرك/ وأنت تتشبثين خلفي على الحصان! ص109.
تحتشد نصوص حاتم الجوهري بصور متتابعة من الفجائع والهم العام الذي يسيطر علي معظم نصوص الديوان، ورصد التحولات السياسية التي تمر بها المنطقة العربية من مصر إلي العراق وفلسطين ولبنان، وما يمور به واقعنا العربي من أزمات وتوتر، علي اعتبار أن الشاعر جزء من هذا الواقع:
”في لبنان/ مثلما يكونون في البصرة أو غزة/ لا يختلف نحيب الأطفال الفزعين/ يصرخون جميعا بلغة واحدة/ وهي المرجع المقدس الوحيد في اللهجات!ص35، 36.
ثمة ملمح مهم آخر في هذا الديوان وهو انفتاحية النص لدي حاتم الجوهري علي الاختلاف والتأويل وتعدد الدلالات، ومحاولة اكتشاف مناطق جديدة للحلم فوق أرض أمست لا تعترف بهذا الحلم، بل تمارس عليه سطوتها في واقع مجحف، وهذه التأويلات الدلالية بالطبع ليست منبتة عن النص، بل لها ما يعضدها في جميع روافد النص من لغة وصور ومجاز لدعم كل تأويل:
”هل للذكري وجع؟/ هل تربط صاحبها في قاطرة سريعة/ عليه أن يلاحق جريها/ فإما أثبت رجولته/ أو قطعت هي أنفاسه.” ص15
”يغنون للبحر.. وللهواء.. وللرماد/ كنبات عباد شمس/ يغير اتجاه صلاته/ أينما قابل مجلس دفء سجد! ص27.
* أخبار الأدب.