*عُلا الشيخ
يبدو الفنان ماجد الكدواني في كل دور يؤديه وكأنه قادر على أن يطغى بحضوره على كل عامل من عوامل صناعة العمل الفني، سواء على الصعيد الدرامي أو السينمائي. الكدواني، الذي يؤدي شخصية الدكتور المحاضر شكري مختار في الفيلم المصري الجديد «هيبتا – المحاضرة الأخيرة»، للمخرج هادي الباجوري، والمبني على رواية الكاتب محمد صادق، والتي حملت عنوان الفيلم نفسه، هو الشخصية المحورية التي تدور حولها كل الحكايات التي سيسردها من خلال محاضرة في الجامعة أتى من أجلها آلاف المهتمين بكل ما يقوله شكري مختار، فما بالكم اذا كان الموضوع عن الحب، الذي اختصره برقم سبعة «هيبتا»، والذي يؤكد من خلال محاضرته أن كل علاقة حب يجب أن تمر عبر سبع مراحل، كل مرحلة تؤدي الى أخرى أو تؤخر خطاها، والسر طوال الوقت بالرقم سبعة، الذي تم ذكره في كل المجالات، حتى في عدد السموات السبع.
الفيلم الذي تفوق على الرواية من ناحية البناء الدرامي والتصاعدي فيه، يمر عبر أربع شخصيات رئيسة، (يوسف، كريم، رامي وشادي)، لكل واحد منهم حكايته الخاصة مع الأنثى، لكل شخصية تعاطيها الخاص في محاولة الاستمرار، وبدأها المخرج مع قصة حب الطفل شادي لابنة الجيران، حيث يعالج تطورها، ويتناول كل ما قد يتخللها من تفاصيل تجبر ذلك الطفل على الاستسلام للواقع الذي أصبح أشد قسوة على سنين عمره القليلة وقد فقد والدته. بعد قصة الطفل وابنة الجيران، تبدأ كمشاهد بالتورط عاطفياً مع كل قصة ستظهر على الشاشة، وكل تفصيل، ومع حالة التململ التي قد تصيبك، وهذا شيء وارد، لأنك ستكون أمام محاضرة طويلة تتحدث عن سبع مراحل، كل مرحلة فيها تحمل العديد من العناوين، فكان الذكاء حاضراً في فقرة الاستراحة التي قررها المحاضر شكري مختار، كي يعطي لنفسه وللمشاهدين فرصة لملمة خيوط الحكايا الأربع، ومحاولة اسقاطها ربما على تجارب شخصية، وهنا نستطيع القول إن الفيلم اتحد مع الرواية بمحاولة اثبات هذه المراحل كنظرية ثابتة وغير متحولة، وبذلك يكون التورط وارداً، وامكانية الاستمرار بالمشاهدة يصبح خياراً كي تصل الى النهاية وللرقم السحري المتمثل بـ«هيبتا».
حسناً لابد اذاً من عوامل أخرى تدخل في سياق الفيلم كي تكسر حدة التطويل في سرد الحكايات، ولا شيء أقرب من سؤال من الحضور، هو وقع المحاضرات فعلاً في الجامعات التي تحتاج الى محرك يكسر الجمود فيها، حتى لو كانت المحاضرة عن الجمال مثلاً، لتبدأ الشخصيات المشاركة كضيف شرف بالظهور، وليس من المبالغة القول إن هذا الحضور الذي يقتصر على لقطات عابرة، حمل الكثير من أوج استمرار القدرة على المتابعة، فظهر الفنان محمد فراج الذي كسر الصمت في القاعة والهدوء الرزين في طريقة المحاضر شكري مختار بكلمة واحدة «يا سلام» وكأنه يستهزئ بإحدى القصص، ليقف ويقول قصته الخاصة التي تصب بالنهاية لصالح وجهة نظر شكري مختار.
ونيللي كريم التي ظهرت في الفيلم أيضاً كضيفة شرف، اعتمدت على التعبير على ردود أفعالها من خلال حركة جسدها ووجهها، ونظرات عيونها الى المحاضر، والذي يكون زوجها في الوقت نفسه، وهي قادرة دائماً على خطف الكاميرا إليها مهما كان حولها من أبطال.
الكدواني ونيللي كريم ومحمد فراج في ظهورهم بتلك المساحات المتفاوتة بينهم، أعادوا الذاكرة الى حضورهم في المسلسل الذي عرض العام الفائت في شهر رمضان «تحت السيطرة»، حتى أنك تصل الى مرحلة تشعر أن تلك المحاضرة في الفيلم ما هي الا تكملة لمحاضرة الكدواني الذي ظهر في الحلقة الأخيرة من المسلسل وكان يحكي حكايته مع الإدمان، لكنه في الفيلم يحكي حكايته مع الحب.
وفي الحديث عن أبطال الفيلم الرئيسين، والتي تدور محاضرة شكري مختار حول تجاربهم، فلابد من الإشادة بالممثل أحمد داوود الذي أدى شخصية رامي، الفنان التشكيلي، الذي خطف قلب فتاة مخطوبة، واستطاع أن يجعلها تقبل به، من خلال تكهنات صاغها بذكاء للايقاع بها، ولهذا الثنائي الكثير من التفاصيل التي تتصاعد الى قمة الحب، كي تتهاوى مرة أخرى، خصوصاً عندما تقرر علا التي أدت شخصيتها دينا الشربيني، أن تغير من شخصية رامي، وباسم الحب يبدأ رامي بالتنازل، الكثير من المحطات تمر في حياة رامي وعلا، التضحية، الشك، محاولة السيطرة، الروتين، اليأس، الانفصال. في المقابل، تظهر قصة يوسف الذي أدى دورها الفنان عمرو يوسف، ورؤى التي أدت دورها ياسمين رئيس، من الممكن أن تكون هذه القصة التي بدأت من مصادفة وهما لا يعرفان بعضهما بعضاً، تتحدث عن الكيمياء التي تتخلل العقل قبل القلب عند لقاء الطرف الآخر والشعور بأنه المكمل، لكن كل فرد يحتاج الى خطوة كي يؤكد هذا التلاحم، قصتهما التي بدأت عندما لوحت رؤى ليوسف الذي كان ينوي الانتحار من شرفة منزله، تلك الفرصة التي اعطته رغبة في الحياة، والقرار أن ضرورة الارتباط برؤى أصبح له علاقة بشيء قدري، خصوصاً أن يوسف كان قد أنجب ابنة من زوجته السابقة وأطلق عليها اسم رؤى، لكنها ماتت بعد 16 ساعة من ولادتها، كل تلك الأمور قربت المسافات بين رؤى ويوسف، وبات على كل واحد منهما تحفيز الآخر للمحافظة على الحب في قصة جديرة بالمتابعة للنهاية.
في القصة الرابعة التي تدور بين كريم الذي أدى دوره أحمد مالك، ودينا التي أدت دورها جميلة عوض، هي قصة سن المراهقة، التي تبدأ بكتمان المشاعر وبلحظة الخوف من مصير مجهول، كما حدث مع كريم الذي اقترب موعد دخوله غرفة العمليات لازالة ورم من ظهره، يقرر الاعتراف بحبه لدينا التي يعرفها منذ الصغر، وتبادله دينا الحب، لكن الورطة في تلك المشاعر يصبح أكبر من كاهل فتاة عمرها 17 عاماً، أن تراعي مشاعر مريض لا يتفهم أن والدتها منعتها من التحدث معه، في الوقت نفسه عليها الدراسة والتفوق في المدرسة، يصب كله في خانة مصطلح الأنانية حسب ما عرّفها شكري مختار. أربع قصص ستكشف في النهاية التي ستفاجئ كثيرين أنها لم تتحدث عن الحب فحسب كمعنى، بل القيمة فيه في قدرة الفرد على مواجهة الحقائق التي تدور حول هذا المصطلح، والاعتراف بكل الاخفاقات والنجاحات فيه ليس بينه وبين نفسه فحسب، بل أمام الملأ، مثل ما حدث تماماً مع الدكتور المحاضر شكري مختار، الذي ستظهر في نهاية الفيلم معه قيمة رقم سبعة، وستظهر ايضاً شخصيات أخرى في قاعة المحاضرة تدرك أنهم جزء من الحكايات الأربع في حياة شكري مختار، «هيبتا» التي من الممكن الاشارة اليها من مشهد جمع رؤى ويوسف عندما قالت له بما معناه «عايزة لما تبصّلي، أحس ببصّتك المليانة حب اللي شفتها أول مرة».
الفيلم بشكل عام مختلف وفيه فكرة، واعتمد على وجوه فنية مرغوبة جماهيرياً، وكاتب السيناريو وائل حمدي استطاع أن يعطي قيمة لقصة «هيبتا»، كي تكون في المحصلة أمام فيلم متفوق فنياً بإدارة إخراجية لهادي الباجوري.
_______
*الإمارات اليوم