أين ذهبت فساتين فاتن حمامة؟




*د.حنين عمر


حينما أجلس أمام التلفاز لأشاهد فيلما قديما، أتساءل دائما كيف حدثت عملية المسخ التي وصلنا إليها اليوم في عالمنا العربي، كيف تحولت تلك الفساتين الأنيقة الناعمة التي كانت ترتديها نجمات ساحرات طبيعيا من أمثال فاتن حمامة، وشادية ومريم فخر الدين، إلى فساتين مبتذلة على شاشاتنا تتنافس على ارتداء أكثرها عريا أغلب النجمات الاصطناعيات اللواتي يتجاوز وزن البوتكس المحشو في أجسادهن وزنهن الطبيعي، وتتجاوز كمية المكياج على وجوههن حجم مواهبهن بكثير.
أتساءل كيف تحول البطل العاشق الخلوق المليء بالرجولة والشهامة في زمن الأبيض والأسود، إلى بطل “جربان” و”صايع” على شاشاتنا، يتحرش في المشاهد بالعابرات، ويلقي على أسماعنا ألفاظا غريبة، ويتعاطى المخدرات، ويحاول اقناعنا على علاّته أنه بطل الفيلم الذي يجب أن نحبه ونقتدي به.

أتساءل أيضا كيف تحولت تلك القصص التي تحمل رسائل أخلاقية وفلسفة عميقة إلى سلسلة من المهرجانات المبتذلة السطحية، وكيف تحولت صناعة السينما من تقديم روايات عالمية تمجّد الحب والخير والإنسانية والطموح والتضحية والحرية إلى تقديم سلسلة مشاهد لا نفهم علاقتها ببعضها، تمجد الجنس و”البلطجة” و”الفلوس” وكل أنواع الشرور والأمراض النفسية ، وتعرض بصفاقة كل هذه العاهات على أنّها جزء طبيعي من المجتمع ، ولا يمكن صناعة سينما واقعية بعيدا عن واقع “واقع ومتنيل بستين نيلة”.
أما حينما نبتعد عن الواقع وندخل “ريبرتوار” الكوميديا المعاصرة، فإننا نصطدم بكمية من الانتاج الموجه إلى جمهور يعتبره صنّاع هذه الأفلام معتوها ومتخلفا عقليا، فيحاولون بدل إضحاكه أن يضحكوا عليه، بخلطة غير متجانسة من “الأفورة” و”المسخرة” والتفاهة والسماجة والتنطيط على الشاشة.
إنّ هذا التحول الذي نعيش تفاصيله، والذي يمكن لأي منّا أن يلمسه في مقارنة بسيطة بين السينما أمس والسينما اليوم، لا يقتصر فقط على الفساتين والنجمات والأفلام ، بل يتعدى كل ذلك ليقدم لنا معطيات عن مرحلة جديدة نعيشها على الصعيد الاجتماعي، ونغرق في تفاهتها وضحالتها، ويكشف تشوهنا العميق في زمن ضاعت فيه بوصلة الصحيح من الخطأ، وأصبحت البشاعة فيه هي مقياس الجمال السائد، ذلك الجمال الغائب عن يومياتنا والذي اشتاق إليه وأنا أتابع ما ظل منه في تاريخ السينما بكامل أناقته ودقة صناعته واجتهاد مبدعيه.. متساءلة دائما وأنا أدقق في تفاصيل المشاهد وأتخيل ألوانها: كيف تم مسخ كل هذا الجمال ومسخنا؟ كيف تم تحويل تفاصيل وجودنا السينمائي من أحلام إلى كوابيس؟ من المسؤول عن ذلك، ولماذا؟ وأين ذهبت فساتين فاتن حمامة؟
_________
*زائد +18

شاهد أيضاً

رِسَالةُ ودٍّ إلى شَاعِرٍ صَديقٍ وَدُود

(ثقافات)   رِسَالةُ ودٍّ إلى شَاعِرٍ صَديقٍ وَدُود د. محمّد محمّد الخطّابي *   أيها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *