واجب هيئة المحلفين*/ ليديا ديفز



ترجمة وتقديم: خضير اللامي


خاص ( ثقافات )


هذه القصة القصيرة هي أجوبة تكاد أن تكون شبحية لمضمون يشبه مضمون المحاكمة لفرانز كافكا، أو مسرحية بانتظار غودو لصموئيل بيكيت ؛ وهي أي الأجوبة لأسئلة لم تدونها لنا عادة القاصة ليديا ديفز ؛ بل تركت مهمة اجتراحها للقارئ ذاته، ليكون شريكا للمؤلف ؛ وعلى ضوء فهمه للأجوبة الشبحية – النص في هذه القصة. وهنا، ربما أرادت ديفز أن تشرك القارئ في كتابة النص وعلى وفق نظرية النص المفتوح لامبرتو ايكو. ولا اعتقد أنَّ من السهولة بمكان أن يضع القارئ أسئلته لهذه الأجوبة؛ بمعنى آخر،على القارئ أن يبذل جهدا واضحا وربما يكابد كما كابدت المؤلفة في وضع أجوبتها لنا. ولو وضع كل قارئ لهذه القصة أسئلته وجمعنا تلك الأسئلة لظهرت متباينة فيما بينها من حيث الابتعاد والاقتراب من هامش الأجوبة تماما، وبهذا، يكون كل قارئ قد اجترج شبحية نصه إياه..
وبعد هذا فديفز، هي أميركية الأصل، حائزة على جائزة البوكر، للعام 2013، وكاتبة قصة قصيرة جدا بامتياز، ولدت العام 1947، في ماسوتشي في الولايات المتحدة الأميركية، ويميل عملها أقرب إلى قصائد كاتب مقالات، ومونولوجات فلسفية أكثر من قصص قصيرة تقليدية. وهي حاليا أستاذ الكتابة الإبداعية في جامعة ألباني، عاصمة ولاية نيويورك، وكانت آخر مجموعة قصص قصيرة لها ،” لا يمكن، ولن يكون،” في يونيو 2014. وتّعد ديفز مترجمة متميزة ونقلت بعض أعمال كبار الكتّاب الفرنسيين إلى اللغة الأنجليزية، امثال : بروست، وفوكو، وبلانشو، وميشيل ليريز الخ.. وتنحدر من عائلة معنية بالأدب والفلسفة والترجمة، وهي ابنة الناقد وأستاذ الأدب الانجليزي غورهام ديفز، فضلا عن أنه كاتب قصة قصيرة..
______________
س : 
ج : واجب هيئة المحلفين.
س : 
ج : قبل ليلة، كنا نتشاجر.
س : 
ج : العائلة.
س : 
ج : أربعتنا. حسنا، كان أحد افراد العائلة لا يسكن في البيت أبدا. لكنه كان معنا تلك الليلة. ثم غادر في صباح اليوم التالي – وفي الصباح ذاته كان علي أن اذهب إلى قاعة المحكمة.
س :
ج : كنا أربعتنا جميعا نتشاجر. بطريقة عشوائية. كنت حسب أحاول أن اقدم تقريرا الآن عن المشاجرة. إذ ثمة مجاميع كثيرة ومتنوعة. كان الأشخاص الأربعة يتشاجرون : واحد ضد آخر، اثنان ضد واحد، ثلاثة ضد واحد، اثنان ضد اثنين. أنا كنت متأكدا أننا كنا نتشاجر تماما ضد كل مجموعة.
س :
ج : لا أتذكر الآن. شيء مضحك. إذا اخذنا بنظر الاعتبار كيف احتد الشجار. 
س : 
ج : حسن، وضعت الصبي الأكبر في الحافلة، وذهبت إلى دار العدالة. لا، هذا ليس صحيحا. بقي وحده في البيت، ائتمنته وحده لعدة ساعات في البيت. وكان من المفترض أن يستقل حافلة من أمام الدار. هذا ما استنتجه تماما. إذ حين جئت إلى البيت كان قد غادره في نهاية الأمر. لكنه لم يأخذ أي شيء معه من المنزل. بقدر ما أمكنني أن أرى. 
س : 
ج : هذه قصة طويلة. 
س :
ج : الشاب الأصغر كان في المدرسة وكان زوجي في العمل. وكان ينبغي عليّ أن أكون في دار العدالة في الساعة التاسعة. وكان هذا يوم الاثنين.
س :
ج : كنت متأخرة بعض الشيء – كانت لدي مشكلة في مرآب السيارات، وكانت مساحة المرآب محتشدة لأنني جئت متأخرة. كما قلت، وكان أغلب الآخرين هناك. وجاء عدد قليل من الناس بعدي. 
س : 
ج : بناية كبيرة وقديمة جدا في البلدة، قديمة جدا. كانت دار العدالة نفسها التي شهدت فيها سويورنير تروث حين…
س : 
ج : سويورنير تروث !
س :
ج : سويورنير.
س :
ج : كانت تعمل خادمة سابقا وناضلت من أجل حقوق المرأة في نهاية خمسينيات العام 1850. قرأت ذلك في اللوح التاريخي الموضوع في الواجهة الأمامية. لكنهم يقولون أيضا إنها أمية. 
س : 
ج : شاهدت سويورنير تروث هناك في البناية ذاتها، ومن المحتمل جدا في قاعة المحكمة ذاتها التي كنا نجلس فيها. ورغم إنهم لم يقولوا ذلك، ولكن حان التفكير في الأمر، وإنك ستعتقد إنهم قاموا بذلك. منذ أن اخبرونا كيف رمموا الغرفة تماما. وفي الحقيقة طلبوا منا أن نبدي إعجابنا بها. وكان ذلك شيئا غريبا، في مثل هذه الظروف.
س : 
ج : من الغريب أنهم شرعوا في الحديث عن البناية، والهندسة المعمارية، ومن خلال كل هذه المعلومات التي زودونا بها. كما لو كنا في جولة، بدلا مما ينبغي أن نكون هناك.
س :
ج: كانت تشبه غرفة مطالعة في مكتبة كبيرة وقديمة جدا. أو تشبه إحدى غرف انتظار واسعة ذات سقوف عالية لمحطة قطار قديمة – توجد إحداها في السموات الجديدة حيث هنالك الغراند سنترال بالطبع. 
س : 
ج : فيها مقصورات خشبية، في الواقع، شبيهة بكنيسة أو محطة قطار قديمة – لكنها مريحة. ومدهشة.
س :
ج : حوالي 175.
س : 
ج : كانوا هادئين جدا. بعضهم كان يقرأ، وبعضهم كان يتحدث إلى البعض الآخر بهدوء تام، وبأقل الكلام، وأعتقد أنهم وجدوا شخصا قد عرفوه أو بعبارة أخرى، كانوا اجتماعيين مع الشخص الذي كان يجلس إلى جانبهم.
س :
ج : كلا، لم أتحدث إلى أيّ منهم، في الواقع، كان ثمة رجل إيطالي يبدو أكبرهم يجلس إلى جانبي. لم يفهم أي شيء من حديثهم. لذا فقد أخبرته ما كنا نفترض أن نقوم به. قال إنه كان معتادا أن يعمل في ضاحية لبيع الملابس. كان خياطا.
س :
ج : أغلبهم كانوا جالسين وحسب هناك ؛ وينظرون من حولهم أو يحدِّقون باستقامة للأمام. كانوا هادئين جدا. وكانوا مُستَفزين أيضا. وكنت متأكدة أنهم يشعرون بمثل ما أشعر. كان ذلك ربما يحدث شيء ما في أي لحظة. ربما سنُسأل للقيام بشيء ما، أو الذهاب إلى مكان ما. والجميع كان يحمل هذا الشعور، كل هؤلاء الأشخاص تحت ذلك السقف العالي جدا.
س : 
ج : حسن، أولا نادوا على قائمة الأسماء – قائمة أسمائنا كلها. أغلبنا كنا هناك. ومن ثم سألونا ما قد يحدث. ومن ثم انتظرنا.
س :
ج : لا أعرف – بعد ساعة، ربما. 
س :
ج : نسيت ما الذي كنا ننتظره. شيئا ما نقوم به مع القضاة، أو القضية، كان انتظارا طويلا جدا.
س :
ج : ومن ثم، بعد ساعة، كانت ثمة معلومات أخرى. اعتقد أننا أُّخبرنا أننا نستطيع الخروج لمدة عشرين دقيقة إن كنا بحاجة للتدخين أو الذهاب إلى الحمام. وأخبرت الرجل الإيطالي أن عليه أن يعود بعد عشرين دقيقة.
س :
ج : كان أحد العاملين في المحكمة، أو أحد ضباط المحكمة، وقد نسيت إن كانوا قد أخبرونا. أولا، كان ثمة رجل، أخبرنا بخشونة، ماالذي يحدث ؛ يشبه هذا اليوم من الأيام، أو الإسبوع. ومن ثم جاءت امرأة. انتظرنا. إننا لا نعرف حقا ماذا نتوقع. وإنه لمن المضحك حقا أن نفكر في الموضوع. ولكن كنا دون استثناء متهيئين لنقوم بما يريدون منا القيام به. فقد أخبرونا أن نذهب إلى غرفة أخرى ونجلس فيها وقد فعلنا ذلك. ثم أخبرونا أن نعود وأن نجلس مرة أخرى. ومن ثم أخبروا نصفنا أن يذهب إلى غرفة أخرى، ونفذنا ذاك. كنا تماما وديعة لديهم. 
س :
ج : بلطف شديد. وبهدوء تام. إنهم يقولون لنا شيئا آخر ومن ثم يغادرون. ذهبوا إلى أحد الأبواب. ثم عادوا. وقالوا شيئا ما. إنهم يطالعون بعض الأوراق ويقولون لنا شيئا ما بثقة في الغالب. كما لو أننا لم نكن بشرا. وباحترام شديد، وبلطف شديد، كانوا يعاملوننا بعطف قدر الإمكان لأنهم كانوا على وشك أن يخبروننا بأخبار سيئة. 
لم نستطع أن نجيبهم، ولم نكن مدعوين. ولكن لم نكن نتجرأ أن نتفوه بكلمة ما أيضا. 
س :
ج : كلا، أبدا. لكن فكرت في ذلك : أوَّلا فكرت في الكنيسة، وبعد ذلك في مقابلةAA، ومن ثم فكرت بشيء ما مثل الذهاب إلى مسرح الأوبرا. أو موسيقى الكونشرتو. فكرت في لقاء في بلدة كبيرة. لكن كان الأمر مختلفا. ويشوبه الهدوء أكثر من اللازم. لسبب واحد، هو، أننا لم نكن نتحدث، مع بعضنا البعض، ولم ينبس أحدنا ببنت شفة. حقا. لم نكن نفترض ذلك. وكذلك، كنا هادئين لأننا لم نكن نبحث عن أي شيء، أننا لم نأت إلى هناك للبحث عن نوع من سمو روحي، أو ترقية أيضا، أو رد اعتبار. وكذلك، لم نقم بأي شيء. ولم نكن ننتظر قطارا حتى، أو موعدا معيّنا. في الواقع، كنا ننتظر وحسب. لكننا لم نكن نعرف ماذا ننتظر، ولم نعرف ماذا نتوقع. لذا، لا شيء سوى هذا النوع من جدار شاحب ينتصب أمامنا.
س :
ج : جدار شاحب أمامنا حيث نقضي بقية نهارنا الرتيب عادة. وحيث ننتظر ما الذي يخبئه لنا القدر. 
س : 
ج : نعم، لكنهم لم يوضحوا أكثر، ولن يستطيع احد أن يتجرأ ليسأل.
س : 
ج : الأمر يخلو من أية عاطفة. فالذهاب إلى الكنيسة مفعم بالعاطفة. وكذلك الذهاب إلى اجتماع AA، أو حتى الذهاب إلى الكونشرتو يُعد أمرا عاطفيا. وتستطيع أن تتخيل أنَّ هذا كان في الغالب غير عاطفي. ربما كان هذا هو السبب الذي يبعث فيك الارتياح. 
س :
ج : وبعد كل تلك المشاجرة المروعة قبل ليلة من الآن. كانت معاملتهم لنا تشبه نوعا من المداواة، نوعا من المعالجة، وصفة طبية. كما لو أنَّ بعد هذه المشاجرة عليّ أن أكون مطلوبا للقانون وأنْ اقدم تقريرا اذكر فيه أين يجب أنْ اجلس بهدوء ومع منَ مِن الذين كانو جالسين بهدوء أيضا. وإننا جميعا يجب أنْ نُعامل برقة ولطف متناهيين إلى أنْ نعود تماما إلى وضعنا الطبيعي مرة أخرى. 
س : 
ج : ليس هذا أسلوبنا. وليس هو من أسلوب عائلتنا. إنه شيء يخيفني. شيء يخيف حتى الحيوانات الأليفة. والإله وحده يعرف ما الذي يحدث لابني الصغير. 
س : 
ج : نعم، ليس لدينا خيار آخر. ولا نستطيع أن نتجنب ذلك. وبسلطة القانون، يجب أن نكون هناك. لذا ليس هناك إمكانية للخلاف – هل يجب أن أكون هنا، وهل يجب عليّ ألا أكون هنا ؟ خاصة وأنهم لم يطلبوننا – مع أنَّ الموضوع لم يكن على الأقل مسألة شخصية، أنه قضية عشوائية، أننا اُستدعينا بطريقة عشوائية. ولم نكن هنا لأننا قد ارتكبنا خطأ. إننا أبرياء. وفي الحقيقة أننا اكثر من أبرياء. نحن أناس طيبون. مواطنون طيبون، ومن الأفضل أن تُوجَّه مثل هذه التهمة إلى مواطنين آخرين. إن القانون يؤكد لنا أننا أناس طيبون. ربما ثمة سبب آخر نشعر فيه بطمأنينة شديدة. إنه ليس مسألة عاطفية، وليس مسألة شخصية. إنه القانون الذي يقول لك إننا مواطنون صالحون. أو على الأقل طيبون بما فيه الكفاية. 
س :
ج : نعم، فتشونا بحثا عن السلاح في أسفل المدخل حيث كنا قد دخلنا. ولم يستخدموا مدخل البوابة الأمامية القديمة أبدا. ودخلنا من خلال بعض الأبواب الجانبية الحديثة، المروعة، وهبطنا بعض الخطوات إلى اسفل مستوى الشارع، ثم صعدنا إلى الطابق الثاني بوساطة المصعد.
س :
ج : كان ثمة جهاز لكشف المعادن وحارس يفتش الحقائب والمَحافظ. كان مهذبا ولطيفا ايضا. يبتسم بطريقة تبدو محببة. بيد أنَّ ثمة إشارة تقول ” ممنوع السلاح هنا. ” وهكذا، يبدو كما لو أن ثمة شيئا رمزيا، أيضا. كان من المفترض أن نغادر خلف أي شيء نستطيع أن نقاوم منه. إننا لم نذهب إلى هناك كي نحارب، فأي شخص يدخل خلل الجهاز المعدني ويخرج من الجهة الأخرى لا يشكل أي خطورة. بحكم التعريف على وجه التقريب.
س :
ج : نعم، كما لو أننا مُعلّقين، فكل شيء في حياتنا معلقا، انتظار، انتظار، كنا ننتظر.
س : 
ج : نعم، فكرت في كلمة صبر. لكن لم يكن الأمر كذلك. فالصبر شيء ما تحتاجه حين تكون في وضع متوتر، كي تتحمل شيئا ما غير مريح أو حالة صعبة. وهنا لا نواجه وضعا صعبا الآن. وهذا ما أحاول أن اقوله : ينبغي علينا أن نكون هناك، وهكذا يعفينا عن كل مسؤولية شخصية. إنني لا اعتقد أن ثمة شيئا آخر يشبهه تماما. ومن ثم عليك أن تضيف على ذلك تلك الغرفة الرحبة. تخيلها إن كانت غرفة صغيرة، أو مزدحمة أو ذات سقف واطئ. أو فيما اذا كان الناس فيها مثيرين للصخب، أو ثرثارين. أو اذا كان المسؤولون فظين وفوضويين. 
س :
ج : أخيرا. جاءت المرأة التي تملك قرصا يخزن جميع اسمائنا فيه. ثم أفرغت القرص من الأسماء مرة واحدة، ومن ثم نهضت وجلست في قفص هيئة المحلفين للإدلاء بشهادتها. ويبدو هذا المشهد مثيرا للتسلية – هذا ما كنت أفكر فيه.
س :
ج : كلا. كان ينبغي علينا جميعا أن نمكث هناك. كل ما تبقى منا عليهم أن يبقوا هناك في حالة إن كان من يحقق معنا غير مؤهل لذلك أو أنه يريد الاعتذار. لأن القضية عشوائية، وربما يُستدعى أي فرد من مجموعتنا ليحل محله، لذا وجب علينا البقاء في الانتظار.
س : 
ج : مرة أخرى، عوملنا بلطف، وباحترام. ثم تم الاستدعاء عن طريق الاسم الأول لكل واحد منهم. بلطف، كما لو أنه طبيب أو ممرضة.
س : 
ج : كان ثمة نوع غير متوقع لإشاعة الإثارة، في مثل هذا التعامل، شيء يشبه الاحتفالي. ترقّب قبل أن تنادينا تلك المرأة بالأسماء – كل واحد منا يفكر أنَّ الاسم التالي هو اسمه، بالطبع. وحين انتهى الأمر من مناداة الأسماء، عليهم أن يذهبوا من أمام كل أولئك الناس، حيث ينبغي عليهم الإجابة عن الأسئلة الشخصية فردا فردا. وكان الجميع يصغي اليهم ويراقبهم. كان الكثير منا، لا يملك أي فكرة عن هوية أولئك الأشخاص. وبدأت الحياة الشخصية لبعضنا تتكشف تدريجيا، وبقيتنا كانوا جالسين هناك دون استثناء يصغون. كنا نسمع عن أولئك الناس، وكنا نريد أن نسمع عن قصصهم. والآن، عرفنا اسماء بعضهم. تشبه اسماء الطقوس الهندية، أو ما يشبه الاحتفاء بنافاجوNavajo. 
س :
ج : أوه، بعض الأسئلة كانت متوقعة. بعضها عامة، مثل، هل أنك تعمل ؟ كيف تدبر أمر حياتك ؟ هل لديك أسرة ؟ ومن ثم تبع ذلك اسئلة محددة. هل لديك إجازة سوق ؟ هل تعرضت لحادثة ؟ هل لديك أقارب يعملون في دائرة الشرطة ؟ هل لديك اقارب يعملون في شركة التأمين ؟ هل كنت معتادا على حواجز باركوي الخشبية ؟
س :
ج : القسم الآخر كان شمال بوابة الخروج 11.
س :
ج : استغرق وقتا طويلا. لم أكن أسمع جيدا.
س :
ج : وبهدوء تام، قاموا باستدعائهم بأسمائهم الأولى. بعد ذلك كانت كل تلك التوقفات. سؤال. توقف. ومحام يستشير محام آخر بينا الجميع ينتظر، بهدوء تام. وبطاعة تامة. لتلك الأصوات الهادئة، يعقب ذلك صمت طويل، وجو من الترقب. 
س :
ج : حسنا، بداية، كانوا الخاصة، المنُتقين. أمام الجميع مباشرة. وسمعت ما يكفي عن أجوبتهم لأقرر إن كنت أحترمهم. أو لا. كانت إحدى النساء دلالة عقارات، ومطلقة، وباردة الدم، من نوع النساء المتوترات. متجهمة. لم احترمها. و بعد ذلك، كان ثمة رجل طويل وقوي. يبدو أنه فنان، ورجل عائلي، ومن الواضج، أنه شخص لطيف. وقد أحببته مباشرة. وكان ثمة طالب جامعة كان خائفا من أن تضيع عليه محاضرات كثيرة. لكن بعد ذلك أوضحوا له أن المحاكمة ستكون قصيرة، وربما يضيع عليه الكثير من الوقت إذا هو لم يحضر مباشرة هيئة المحلفين هذه. لذا قرر البقاء هنا. وسبق له أن كان في هيئة المحلفين، لذا يمكن للمرء أن يميزه بشكل خاص لأنه كان شابا يافعا – ويبدو أنه مثل طفل أمام الهيئة، طفل المعجزة. شاب لكنه حكيم بما فيه الكفاية ليقف أمام القاضي. وقد يُعتنى به من رجال كبار. وبعد هنيهة يبدو أنه لا يثير إعجابك، إلى حد الامتعاض منه لقوة شبابه، ثم تفترض، أو تقول أمام الجميع أنه لا يمكن أن يقوم بما نسب اليه من تهمة طُلب منه تنفيذها. ولكونه طفلا معجزة، وشابا يافعا، ومشرقا، لذلك نرى الآخرين يهتمون به.
لذا، فإنَّ اولئك الرجال، الذين بقوا في قاعة هيئة المحلفين، وكانوا المُختارين. الذين قد وُجهت إليهم التهمة بعد كل تلك الأسئلة، حين أُتهموا، وحين كان ينبغي عليهم أن يعودوا إلى مقاعدهم أمام الجميع، لم يُعدّوا من المنتقاة، وقد فقدوا كل اعتبار خاص، وتحولوا إلى أشخاص عاديين مرة أخرى. ولم يعودوا من الناس النخبة. أو بالأحرى، فإن الأشخاص الذين رُفضوا لأسباب واضحة أو تقنية كانوا ببساطة أشخاصا عاديين.ولكن الأشخاص الذين رُفضوا لأسباب غامضة، لأسباب ربما يقال عنها بعض الشيء إنهم ليسوا سويين في حياتهم ومن هم هؤلاء، لم يكونوا أشخاصا غير عاديين تماما. والآن، كانوا إلى حد ما، قد توضح أنهم اشخاص غير صالحين. أما الآخرون فما زالوا يمكثون هناك.
س :
ج : لا، ليس كثيرا. ربما ثلاثة أو أربعة. واحد، كما اعتقد،لأنه كان غير مؤهل للعمل، ولم يقد عربة لمدة إحدى عشرة سنة – كلا. أكثر من ذلك، منذ 1979. اعتاد أن يركب دراجة هوائية للقيام بجولة حول المنطقة. وقام بحادث في ذلك العام، أو كان سببا لحادثة. ثم رفع دعوى. وربحها. وهذا جزء فقط من القصة.
س : 
ج : كان يرتدي زيا رسميا أكثر من الآخرين. بدلة غامقة اللون وربطة عنق. كان شعره طويلا، ويرسله على شكل ذيل حصان للخلف. كما يرتدي نظارات ملونة. وسألوه عن نظاراته. 
س :
ج : لم أندهش أنهم قد اتهموه. كان عاطلا عن العمل. لم يكن متزوجا وليس لديه أطفال. لم يذكروا سبب توجيه التهمة إليه. إنني أتساءل ماذا كان شعوره حين عاد إلى مقعده، وبعد ذلك عن بقية يومه. إنه يعتني جيدا بملابسه وفكرت أنه ربما شعر بالغرور حين اُستدعي لهيئة المحلفين قبل أي شخص. ربما كان مرتبكا، ويشعر بالحطة لأنهم لم يطلبوه مرة أخرى.
س 
ج : نعم، كان ثمة شخص آخر قد أُتهم أنه كان ابن أخ شرطي. 
س :
ج : حسنا، انهم اختاروا الجميع في وقت فترة الغداء، وقد سُمح لنا بالخروج لمدة ساعة واحدة. وضعوا باجات خاصة للذين اختيروا لهيئة المحلفين وأعلموهم ألاّ يتحدثوا مع أي شخص. وبدورنا أخبرونا ألاّ نتحدث معهم.
س :
ج : نعم. حدث وأن ذهبت إلى نفس المقهى بوصفي أحد المحلفين وابتسمت في وجهها، وأعادت الابتسامة لي، وعرفت لماذا ابتسمتُ لها، وتبدو أنها جميلة. لكن لم أتجرأ حتى بكلمة تحية.
س :
ج : نعم. رأينا بعضهم. أعتقد أنهم جُلبوا من الباب المجاورة. واعتقد أن السجن كان خلف تلك الباب وربما ثمة ممر تحت الأرض. على كل حال، وبقدر ما أتذكر، حين دخلت أول مرة، في الصباح. كنت بانتظار المصعد حين خرج طابورهم من الباب الآخر في الممر هناك، في القبو. ثم صعدوا السلالم المجاورة للمصعد. كان أمامهم رجل شرطة وخلفهم آخر. ومن ثم حين خرجنا في وقت الغداء، هبطنا في المصعد وعدنا إلى تلك الأبواب الجانبية. وقد اقتيدوا أيضا خلف الطابق الأرضي مرة أخرى وعدنا إلى الباب مرة أخرى إلى ممر القبو، اُقتيدوا مرة ثانية إلى الطوابق السفلى. ثم عادوا من خلال ذلك الباب في ممر باب القبو. وحين عدنا من الغداء، اُقتيدوا مرة أخرى. لم أرهم حين غادرنا مساءً. وخمنت أنهم في قاعة المحكمة.
س : 
ج : كنّا أربعة أو خمسة، ببدلات أورانجية. كانوا مكبلين بالأصفاد، وكل واحد منهم كان يحمل ملف مانيلا. لم يتحدثوا، كانوا ينظرون بهدوء يثير الشفقة. كانوا يسيرون على شكل طابور، وكل واحد منهم يحمل أمامه ملفه. وعلى الجميع أن يحافظوا على اسلحتهم وأيديهم، وملفات المانيلا، في نفس اليد بسبب ثقل الأصفاد. لذا، يبدون إلى حد ما يشبه عرضا منسقا على خشبة المسرح.
س :
ج : نعم. جعلني أشعر في وضع أكثر من جيد عمّا كنت عليه، أو لم أكنْ في حالة سيئة على الأقل. كان الأمر كله بسيطا جدا، بعض الناس كانوا طيبين والبعض الآخر سيئين. كان ثمة أناس يتصرفون بطريقة سليمة في حياتهم. وهذا من الممكن أن يبرهن عن طريق سؤالهم بأسئلة قليلة. وكما هناك أناس غير سليمين في حياتهم. 
س : 
ج : رغم إنكم تحسون برباط وشيج مع الآخرين حين كنتم جميعا تقفون بعضكم مع بعضكم البعض خلال الإستراحة. فكانت الإحساسات التي شعرتم بها معا، قد رمتكم المصادفات معا.
س : 
ج نعم. في وقت الغداء، حين خرجنا معا حالا. هذا ذكرني بشيء ما لم أكن متأكدا ماهو. ومن بعد ذلك، توضح لي أنه كان خنفساء صغيرة. باستطاعتك أن تأمر بصفقة من الدعسوقات لكن ستحصل على مئات معدودة منها في رزمة. وتحتفظ بها في ثلاجة حتى حلول فصل الصيف ومن بعد ذلك تطلق سراحهن ويرعين في باحة دارك، بعضها يبقى قريبا لتنال طعامها وبعضها يطير. كان الأمر هو هكذا. كان قد أطلق سراحنا جميعا في الوقت ذاته إلى الحي المجاور، كان العدد مئتين تقريبا، أغلبنا لا يعرف ذلك الحي، وخرجنا للبحث عن مكان لتناول الطعام. وبقي معظمنا يتناول طعامه بالقرب من بناية دار العدالة.
س :
ج : كانت الساعة الثانية حين ذهبنا أخيرا إلى منازلنا. أرادونا أن ننتظر هناك بعد الغداء في حالة اختيارهم محاكمة أخرى، ولكن ليس ثمة من خيار، أطلقوا سراحنا. وأخبرونا أن نتصل بهم تلك الليلة الساعة السادسة، ونتصل في كل ليلة بعد ذلك لبقية الأسبوع. ليروا إن كان علينا أن نأتي في اليوم التالي. وقد اتصلت كل ليلة من بقية الإسبوع، ولكنني لم أذهب مرة أخرى. وعلى كل حال، شعرت أنَّ ذلك ما يشبه المداواة أيضا، أو نوعا من التأديب. رغم إنني يجب أن أُهيأ للعمل، فإذا هيأت ذلك وقمت بالواجب الصحيح. ربما طلبت العذر عن العمل. لذا قمت بالواجب على الوجه الأحسن، في كل ليلة، وفي كل ليلة كانوا يعذرونني ويسمحون لي في البقاء في البيت إلى اليوم التالي.
س :
ج : لا، ليس صحيحا. اود ان اكون في هيئة المحلفين. أريد أن اكون مهتما جدا. ولكن في نفس الوقت ثمة كثير من العمل من المفترض أن أقوم به في المنزل. 
س :
ج : نعم. هذا كل شيء. لم أقم بأي عمل أكثر من هذا. يجب أن اكون مؤهلا لمدة سنتين.
س :
ج : نعم 
________________
*القصة مستلة من كتاب، The Collected Stories of Lydia Davis

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *