*محمود شاهين
طالما شكل الفنان الإسباني الشهير بابلو بيكاسو، قامة إبداعية عالمية، تحظى باهتمام الدارسين ومتابعة المتخصصين لرؤى ومدرسة هذا المبدع الذي كان ولا يزال الشغل الشاغل للفنانين والنقاد ومؤسسات الفن والمال، حيث يتسابق رجال الأعمال والمال، للفوز بأعماله الفنيّة، لأسباب فنيّة وضريبيّة!
وفي السياق نجد أنه يحيط كتاب (بيكاسو أشهر فناني القرن العشرين) لتيموني هيلتون، من (ترجمة كوليت قره بيت وعادل العامل)، بستة مفاصل رئيسة من تجربة هذا الفنان الذي ترك بصمته الفنيّة على عصره.
ولد بابلو روييز بيكاسو عام 1881 في مدينة ملقا، وهي مدينة بنيت في موقع فينيقي قديم، أسفل السيرانيفادا على الساحل الأندلسي في إسبانيا، حيث تمكن رؤية جبال الأطلس في أفريقيا عبر البحر المتوسط. وأظهر منذ صغره موهبة بارزة، حظيت بدعم ورعاية أبيه الفخور به..
لكن لم يكن لأبيه (الذي كان فناناً ذا موهبة متواضعة) ولا للأكاديميّة التي انتسب إليها لفترة وجيزة، ما يتعلم منه، والتشجيع الوحيد الذي كان بحاجة إليه هو توسيع اهتماماته.
وهو ما حصل عليه في الجو الفكري والبوهيمي في برشلونة، ثم غادر وهو في التاسعة عشرة من عمره إلى باريس، لكنه لم يمكث فيها أكثر من شهر. وفي 1901 عاد ثانية إلى باريس، حيث طالت إقامته هذه المرة. وفي هذا العام أنتج بيكاسو عدداً من الأعمال الفنيّة جسدت معاداته للبرجوازيّة على نحو واضح وتحريضي.
1902
تعد لوحة (الحساء) المنفذة عام 1902 أولى إشارات مرحلته الزرقاء التي ربط فيها بين موضوعات التدين والفاقة. كذلك فإنه يُعتبر وماتيس أعظم فنانين في النصف الأول من القرن العشرين. إذ التقيا في خريف عام 1905 أو1906.. فبدأت حينها تتكون لوحة بيكاسو الشهيرة (نساء أفينيو) وهي لوحة ثيميّة ومبرمجة تشير إلى أن الابتكارات الشكليّة التكعيبيّة لم تنجز من فهم جديد لموضوعات الفن الكلاسيكي.
غورنيكا
أنجز بيكاسو بعد مجموعة فولار، سلسلة من اللوحات، منها: امرأة في حديقة، طبيعة صامتة على طاولة، فتاة أمام مرآة. حملت هذه الأعمال الكثير من العناصر التي حملتها فيما بعد لوحته الشهيرة (غورنيكا) التي أنجزها إبان الحرب الأهليّة الإسبانيّة.
وفي (غورنيكا) استجمع بيكاسو تناقضاته الخاصة وحوّلها إلى دراما. ومن هذه التناقضات: الجيشان، التدميريّة، المعرفة، اليأس، المعتدين، المعذبين، الفاشية ضد الشعب. أما على صعيد الصياغة الفنيّة، فصادم بيكاسو فيها بين صيغتين وموقفين فنيين قديمين جداً.
الغائب الحاضر
رغم مرور قرابة النصف قرن على رحيله (1973)، إلا أن بيكاسو لا يزال يملأ الدنيا، ويشغل الناس، حتى كاد يتحول إلى أسطورة: في العطاء الغزير، في خلق الأشياء وتهديمها، في التجدد الدائم.. وفي الشهرة، وفي الثمن المرتفع الذي حققته أعماله، وكذا في تعامله المدهش مع الحياة التي عاشها حتى الثمالة. إنه بابلو بيكاسو الذي وصفوه بالمرعب والدجال الكبير والعبقري..
والكائن غير العادي. وضعوه في مصاف دافنشي، وقالوا إنه أعظم فنان ظهر حتى الآن، وذهبوا في وصفه إلى جعله أسطورة وليس حقيقة، خيالاً وليس واقعاً، وهذا ما دفعه للقول:
لكن هل أنا من سكان المريخ؟!. يجب أن تعلموا أن بيكاسو له ساعدين، وساقين، ورأس، وأنف، وقلب، وكل مظاهر الكائن البشري. إذاً بيكاسو إنسان، إنسان لا أسطورة، وحتى إذا تكشف لعصرنا أنه الصورة التي تمثلها لنفسه، فذلك لأن هذا هو التعريف الصحيح للأسطورة.
وعندما نقول إن بيكاسو إنسان، فنحن نعني أنه ليس قديساً ..أو نيزكاً سقط علينا من الفضاء، أو شيطاناً.. أو صانع معجزات. إنه إنسان مصوّر. أي رجل يلتهم الدنيا بعينيه ثم يفرزها بيديه. وبين العينين واليد، يوجد رأس وقلب إنسان تجري من خلالهما عملية تمثيل وتحويل (على حد تعبير روجيه غارودي).
أسلوب منفتح
استند بيكاسو في فنه إلى التاريخ ومنه انطلق، ولعل أهم ما يميزه كفنان تشكيلي هو أسلوبه المنفتح الذي اتبعه في بحثه. إذ بدأ حياته الفنيّة بانفتاح كامل على تاريخ فنون الحضارات القديمة. تعايش مع التاريخ، وتأثر به لفترات طويلة من حياته الفنيّة، وبشكل مباشر، وتركت هذه الفترات أثرها الواضح في أعماله وأغنتها، وأطلقت روحه بثقة الفنان القادر على قاعدة التاريخ نحو المستقبل المجهول.
النحات
عاد بيكاسو للاشتغال على فن النحت أواخر القرن العشرين، ولو أراد أن ينجز نحتاً حديثاً عام 1928 فما كان ليهتم به أحد سوى بيكاسو الشاب نفسه. مع ذلك، أرسى في مجسماته أبعاد المشكلة النحتيّة، خلال عملية إنشائه التكوينات التكعيبيّة، لكنه تخلى فيما بعد عن هذا العمل الثلاثي الأبعاد.
الفنان الريفي
لم يكن بيكاسو أبداً فنان مناظر طبيعيّة، ولا مراقباً للحياة المدينيّة، وإنما كان، طوال مسيرته الفنيّة، مهتماً باللوحة الريفيّة، بطريقة أو بأخرى. وربما يكون هذا الاهتمام أحياناً، محشوراً في علاقة مع القضايا العامة الزاخرة بالأحداث الجديدة. إن جزءاً جوهرياً في (غورنيكا) وربما جوهرها أيضاً، هو في القتل الشعائري من خلال الملحمة ذات الشكل الرعوي.
«فتاة أمام المرآة»
تعتبر لوحة (فتاة أمام المرآة) المنفذة عام 1932، من أكمل وأروع الأعمال الفنيّة التي أنجزها بيكاسو، حيث توجهت كل براعته الفنيّة وحبه لماري-تيريز نحو تعبير كثيف ومعقد عن الاستداريّة والتناقض. إن البعد الروحي لهذه اللوحة بارز ولافت.
انحياز للفقراء
كان تعاطف بيكاسو مع عذابات الفقراء أمراً حقيقياً لا شك فيه، ولكنه أمر مبالغ فيه قطعاً، إذ اعتبر عنصراً فعالاً في أسلوب الفترة الزرقاء.
في السينما
1955
فيلم (لغز بيكاسو) إخراج هنري – جورج كلوزو.
1995
(بيكاسو عين القرن)، من إخراج الفنان التشكيلي السوري نزار غازي.
1996
(النجاة من بيكاسو). إخراج جيمس إيفري.
2003
(بيكاسو ونساؤه).إخراج الإسباني مانويلا بلاينوس.
2008
(بيكاسو وبراك يذهبان إلى السينما). إخراج آرب غليمشر وإنتاج مارتن سكورسيزي.
في المسرح
1968
كتاب (بيكاسو وفن المسرح) للناقد دوغلاس كوبر.
2015
مسرحية (واحد بيكاسو). تمثيل: شارلز فتحي. إخراج الأميركي ستيفن أولمان.
في الشعر
2014
(من ضيعة بيكاسو ينهمر الشعر) لحليمة حلومة.
_______
*البيان