د. رشا سمير*
الشاطر في اللغة العربية هو من يقسم الأشياء مناصفة إلى شطرين.. أما المشطور فهو بنفس المنطق الشيء الذي يتم شطره إلى نصفين..
وفي نفس السياق احتار المجمع اللغوي المصري في وضع اسم للساندوتش، ورفض الاعتراف بالكلمة لغرابتها وثقلها، فقرّر أن (يُعرّبه) أي يجعل له اسما عربيا فأطلق على الساندوتش لقب شاطر ومشطور وبينهما طازج.. الواضح أن فكرة التشطير تطورت في المجتمعات العربية من مجرد وصف إلى حالة.. فبعض الدول متشطِّرة إلى قبائل وعشائر.. وعقب الثورات العربية عزمت الدول العُظمي على التعاون بشطارة على تشطير الدول العربية تحت عنوان الحرية وحقوق الإنسان، فالسودان قد تم تشطيره، وليبيا على طريق التشطير، ولبنان مرشح أيضاً للتشطير، واليمن قد يعود إلى شطرين.
وسط تلك العملية التشطيرية التي تتم بكل هدوء وحنكة.. صمدت مصر.. وأبت أن تذعن لهذا التشطير.. فاحتار العالم، وارتبكت الدول العظمي، وراجعت كل الأطراف حساباتها.. فكان لا بد من وضع خطة بديلة، من محاولة مختلفة للتشطير.. ربما يكون أبطالها من الداخل!
لم أكن أنوي أن أكتب في أزمة نقابة الصحفيين والداخلية احتراما لقرار حظر النشر.. لكن بعد متابعة الأحداث المتصاعدة قررت أن أتوقف أمام الفكرة وليس الحادث نفسه، لأنه في الحقيقة لم يعد يستهويني!
فبعد حادث اغتيال شهداء الشُرطة في حلوان تضاءلت كل الأزمات الأخرى وشعر كل من هاجم الدولة بغصة حين سقطت دموع الأمهات وأسر الشهداء فوق النعوش المحمولة على الأكتاف.
الحقيقة أن الداخلية لها أخطاء مثل أي مؤسسة في الدولة والحقيقة أيضاً أن تعامل وزير الداخلية مع الكثير من الأحداث جاء مترهلا ومربكا ومُغضبا للبعض.
لكن كيف يمحو بعض التعنت أو التخاذل من أفراد بعينهم داخل مؤسسة، على أهمية تلك المؤسسة أو التضحيات التي قدمها أبناؤها من أجل الوطن..
الأزمة بين الصحافة والداخلية أزمة افتعلها مجموعة قررت أن تنصب نفسها قاضيًا وجلادًا في آن واحد.. القصة غير مفهومة وغير مبررة والأهم من هذا وذاك.. إنها أزمة غير مُصورة!.. أي بلا أي دليل!
الاقتحام لم يتم بالصورة التي تناولتها وسائل الإعلام.. ببساطة لأن الاقتحام له شكل وطريقة لم تتوافر أركانها.. تصريحات متذبذبة ومتناقضة من نقيب الصحفيين.. وهوجة صحفية من وجوه سئمها المواطن وأعضاء بالنقابة ليس لهم حق الانتساب إليها.
الهوجة أخرجت كل الكامنين من جحورهم.. ودفعت كل المتوارين على ركوب الموجة.. فالمؤامرة الخارجية التي تحاول مصر التصدي لها منذ قيام الثورة تحولت في ساعات معدودة إلى هتافات ضد الجيش ومطالب باعتذار الرئيس وإقالة وزير الداخلية.. حتى وصل الأمر إلى حد السماح لقنوات الإخوان وقناة الجزيرة بالبث الحي من داخل النقابة!
الحقيقة أن الشابين اللذين تم إلقاء القبض عليهما كتبا كلاما تخجل منه النفوس، تحريضًا على القتل وإهانة لرئيس الجمهورية وكسرًا لهيبة الدولة، وأنا على يقين من أنه لو كتب هذا الكلام نجل أحد هؤلاء الصحفيين على سبورة في غرفة نومه لدق والده عنقه وعنفه ثم عاقبه لتهذيب أخلاقه!
كنت أتمني ألا تتضامن النقابة مع كليشيهات مثل الحُرية والقمع.. وتمنيت لو أقامت النقابة الدنيا حين تم اقتحام المسجد الأقصى بالأحذية.
الحرية دائما وأبدا هي مطلب المرفهين الحالمين.. ويظل الأمان ولقمة العيش والعلاج هي دوما مطلب الكادحين.
أضاع الصحفيون حقوقهم بأخطاء فادحة ارتكبوها وبعناصر مندسة استغلت الموقف للظهور مرة أخري.. والدليل على ذلك انقلاب الشارع المصري عليهم.. ودعوات صاخبة لمقاطعة الصحف، وسب للصحفيين وكأنهم أعداء الوطن.. يا له من موقف دفع ثمنه الجميع!
الأسوأ أن القمع الذي اشتكي منه الصحفيون مارسوه وبحرفية شديدة على كل من وقف ضدهم أو اختلف معهم في الرأي وكأنهم في حرب.. والمؤسف أيضًا هو هذا الشقاق الذي دب بين الصحفيين بعضهم البعض.
فمن معهم صديق ومن ضدهم عدو، الحاضرون بمؤسسة الأهرام مرتزقة وهتيفة الدولة، ومن اعتلى سلم النقابة مجاهدون وشرفاء!
من المسئول يا سادة عن هذا التقسيم؟!
إن الوطن لم يعد يحتمل المزيد من حروب المكاسب الفردية أو المزيد من المؤامرات التي تسعي لهدم الحُلم.
بغض النظر عن هوية الشاطر وكينونة المشطور.. إن مصر دائما هي من يدفع الثمن.
* الفجر.