أبواب الحديد


*آسيا رحاحليه


خاص ( ثقافات )
عندما يأتي المساء أحاول أن أفكر في نجوم الليل التي تنثر ، على رأي الموسيقار محمد عبد الوهاب.. إلاّ أن أصوات الأبواب تشتت تركيزي و تكاد تفجّر رأسي . أبواب الحديد في العمارة حيث أسكن و التي تغلق على فترات متباينة حسب دخول و خروج السكان أو خلودهم للنوم ليلا …في الحقيقة هي لا تغلق بل تُصفَّق محدثة صوتا كأنه تفجير قنبلة . كل الشقق في العمارة ببابين / شقّتي أيضا / واحد من خشب و الآخر من حديد مصفّح ، و الاثنان عادة بأكثر من قفل واحد.. و كل العمارات في المدينة و في كل المدن الأخرى هي أيضا كذلك ، و النوافذ و الشرفات جميعها ، خاصة التي في الطوابق الأولى ، مسيّجة بشبابيك من حديد .. منها العادي و منها المزخرف الثمين ، كل ساكن حسب قدرته المادية ..فتبدو الشقق كزنزانات صغيرة ..و حتى الفيلات الفخمة ، فإنك غالبا ما تجد سورها الخارجي الإسمنتي قد زيّن بقطع صغيرة حادة من الزجاج الملوّن أو دوائر من خيوط الأسلاك الشائكة تحسّبا و خوفا .كلما فكرت في أمر الأبواب و الإنسان و شعوره بالخوف .. وجدتني أتساءل ..منذ متى بدأنا نخاف ؟ الإنسان يشعر بالخوف ..أكيد .. و لا شيء يخيفه أكثر من أخيه الإنسان ..لكن هل يكفي أن نغلق الأبواب و النوافذ بإحكام لكي يبقى الخوف خارجا و يستقر الأمن و الأمان في الداخل ؟ ” الباب هو وهم الحدود الفاصلة بين الأمن و الخوف ” يقول النور أحمد علي .. فعلا ..ربما لأنّ الخوف متأصل فينا ، يولد معنا ، تمتصّه الأنثى من ثدي والدتها و يأخذه الذكر من عيني أبيه و عمه و عصا معلّمه و شوارع بيئته ؟ اسمعوا أغانينا ، استمعوا لأطفالنا ، شاهدوا أفلامنا .. معظمها تنزّ بالخوف ..أليس الخوف إذا بداخلنا ، نحمله أينما سرنا كبطاقة هوية ؟
نحن شعوب تخاف .. نخاف من الآخر، من الغريب و القريب ، نخاف من العين و من الحسد و من كلام الناس ، نخاف من التغيير ، من التعبير عن آرائنا و مشاعرنا ، نخاف من الحكّام و المسئولين ، نخاف من التجديد و الخلق لذلك تجدنا في معظم الأحيان نكتفي بالتقليد .. و فينا من يخاف من ظلّه .. 
فكّرت في الماضي ..البيوت الطينية البسيطة المتجاورة و التي بلا أبواب و لا أقفال.. الأمان الذي نستمده من عيون الجيران.. الدفء و الحميمية ..كل ذلك انتهى بقدوم التكنولوجيا و الحضارة ..و خلصت إلى أنّه كلما تقدّم الإنسان في طريق الحضارة ازداد خوفا مع أنه من المفروض أن يكون العكس ، و كأنّما التمدّن و الخوف يكبران معا . 
أذكر أنه عندما انتقلنا من الدوار إلى المدينة لم يكن لحديقتنا باب ، و حتى باب المنزل كان عبارة عن لوح خشب قديم بلا مفتاح .. صحيح دخل يوما أحدهم و سرق بطيخة من الحديقة ، لكننا لم نهتم و كنا ننام مطمئنين و لا نشعر بالخوف أبدا .
أترككم الآن أحبابي لأنّ آخر باب يغلق في العمارة قد مزّق طبلة أذني ..
في أمان الله و فتح الله عليكم كل أبواب الخير .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *