عزيز العرباوي
خاص ( ثقافات )
في إطار الأنشطة الثقافية والأدبية المكثفة التي ينظمها كل من صالون مازغان للثقافة والفن بالجديدة والمكتبة الوسائطية التاشفيني وجمعية أصدقائها بالجديدة، تم تنظيم لقاء مفتوح ومباشر مع الروائي المبدع والنقاد المغربي المتميز الأستاذ سعيد الشفاج يوم السبت 7 مايو 2016 بمقر المكتبة الوسائطية التاشفيني ابتداء من الساعة الرابعة مساء. حيث شارك في اللقاء كل من الناقد رحال نعمان والناقد الروائي إبراهيم الحجري، وتسيير الكاتب والناقد إدريس أنفراس…
بعد الترحيب بالمحتفى به، أعطى مسير اللقاء الكلمة للناقد رحال نعمان ليضيء للمتلقي الحاضر نص الرواية وما جاء فيه من أفكار وتيمات وموضوعات، إضافة إلى مناقشة بعض الجوانب الفنية واللغوية في الرواية من خلال ورقة نقدية جيدة ومتميزة عوَّدنا الناقد رحال نعمان عليها، حيث أنار العديد من هذه الجوانب متحدثاً عن دلالة العديد من القضايا والمواضيع في النص، محدداً أهم النتوءات السردية التي استحضرها الروائي في الرواية، خاصة وأنه قد عنون نصه بعنوان فرعي هو “نتوءات من سيرة روائية”، فهي تؤكد بالملموس أنها تضم العديد من المحطات التي تخص الكاتب نفسه، إن لم نقل أنها سيرة متخيلة لحياته ومواقفه وأفكاره ومحيطه… وقد نجح الناقد نعمان رحال في وضع اليد على هذه الأشياء من خلال كلمته المركزة والمحللة لأهم فصول الرواية الخمسة، متحدثاً عن العنوان وما يحيل عليه من دلالات ومعاني عميقة لا يمكن إدراكها من المعنى السطحي للكلام…
أما الناقد والروائي إبراهيم الحجري، وهو صديق المحتفى به، حيث ارتأى أن يقدم شهادة في حق سعيد الشفاج، فاستبعد قراءته النقدية لأنه- كما عبر عن ذلك- كان يرغب في أن يقدم شخص الشفاج على أن يقدم نصه، فتقديم المؤلف في حد ذاته هو تقديم للنص، خاصة وأن هذا النص هو في جزء كبير منه سيرة ذاتية له، وتعبير عن شخصيته ومواقفه وقناعاته الفكرية والأدبية والسياسية والاجتماعية… وبالتالي فقد كان الحجري في الموعد وقدم المحتفى به إلى الحضور الكريم تقديماً يليق بروائي وشاعر وناقد قدم العديد من الأعمال الأدبية التي تستحق التقدير والاهتمام النقدي. وقد تحدث الحجري عن أسباب توقف الشفاج عن الكتابة في مرحلة معينة من حياته ومن بينها عدم تقبله للواقع الثقافي والسياسي الذي كان يعيشه المغرب في فترة معينة من تاريخه، كما أن التراجع الكبير للقراءة والاهتمام بالثقافة والأدب كان سبباً في ذلك… ليخلص في النهاية أن المبدع الذي لا يهتم بمثل هذه القضايا الاجتماعية لا يستحق أن يكون كذلك…
بعد ذلك، أعطى المسير الكلمة للروائي والمحتفى به سعيد الشفاج الذي شكر في كلمته كل من ساهم في إعداد هذا اللقاء، وتحقيق أمنيته بالحضور إلى مدينته الأثيرة المحبوبة مدينة الجديدة الجميلة، ليمر إلى تقديم بعض الأفكار لروايته/ سيرته، من خلال تحديده لأهم المحطات التي عرفتها مراحل كتابتها، والدوافع التي جعلته يكتبها، ثم أسباب تأجيله لنشرها مع العلم أنه قد انتهى من كتابتها خلال عام 2000، لكنه لم يقدمها للنشر إلا في عام 2015، وكأني به كان ينتظر تطور الأمور والأحداث التي يمكنها أن تكون دافعاً قوياً للقارئ ليبحث عنها ويقرأها. يذكر أن سعيد الشفاج من المبدعين المغاربة الذين يشتغلون في صمت، ولا يبحثون عن الأضواء، لأنه مقتنع بأن الإبداع الناضج لا يصبح كذلك إلا بالتأني وعدم التسرع في الكتابة ونشر كل ما يكتبه المبدع دون تقويم أو تطوير لوسائل الكتابة عنده وحتى للغته.. حيث قال إن أغلب المبدعين اليوم صاروا ينشرون كل ما يكتبون حتى ولو كان ما ينشرونه مجرد إبداع رديء وضعيف لا يستحق القراءة أو الاهتمام…
وفي الختام أقدم للقارئ الكريم هنا، مقتطفاً من تقديم سعيد الشفاج لروايته “درب المعاكيز” حيث يقول فيه معبراً عن أسباب ودواعي الكتابة عنده: “أنا أكتب لجيل منكوس، نكسته السياسة والاجتماع والفكر الطبقي، جيل يمارس مهنة البقاء رغم أنوف مزوري التاريخ والأدب الذين يرخون مؤخراتهم فوق كراسي متحركة، أنا صوت الذين فقدوا أصواتهم في الزمن المفتوح على كل شيء، لقد تأخرت عليكم كثيراً منذ إصدار شعري مشترك سنة 1997 لأني تقلبت في مهن الحياة المتعددة مرغماً أحياناً ومع سبق الإصرار حيناً آخر، ولأني كنت أرى المتملقين والمتسليقن يدنسون براءة الكتابة باسم الحظ لا غير، في حين يغوص الكتاب الحقيقيون في وحل النسيان واللامبالاة”.