شاعرٌ أسود/ أنتونان أرتو


ترجمة: مصطفى الرادقي**


خاص ( ثقافات )
أيُها الشاعرُ الأسود، نهدُ فتاةٍ عذراءْ 
يَسْكُنُك، 
أيُها الشاعرُ الحاد، الحياةُ تَغْلي 
والمدينةُ تَحترقْ، 
والسماءُ ابْتلعَتْها الأمطارْ، 
قلمُكَ يَكْشِطُ في قلبِ الحياة .
أيتُها الغابة، أيتُها الغابة، عُيونٌ تَتجمْهَرُ 
فوق نوى الصنوبرِ المُتكاثرة 
شَعَرُ العاصفة، الشعراءُ 
يَمتطونَ خُيولاً وكِلاباً . 
العُيونُ تَسْعَر، الألْسِنةُ تتلوّى 
السماءُ تَنْصَبُّ في المَناخِرِ 
مثلَ حليبٍ مُغَذٍّ وأزرقْ ؛ 
أنا مُعلّقٌ بِأفواهِكُنّ 
أيتُها النساء، يا قُلوباً من خَلٍّ صَلدْ . 
من ديوان ( سُرّةُ الْيَمْبوسْ )*
_______________
الحُبُ دونما هُدْنَة 

هذا المثلثُ المائي الظامِىء 
هذا الطريقُ الخالي من الكتابة 
سيدتي، وإشارةُ صواريكِ 
فوق هذا الْيَمِّ حيث أغرقْ .
رسائلُ شَعرِكِ 
الطلقةُ الناريةُ لِشفاهِكِ 
وهذه العاصفةُ التي تهُزُّني 
في مَخْرِ عُيونِكِ .
أخيراً، هذا الظلُّ على الساحل 
حيث الحياةُ عقدَتْ هُدْنَةً، والريحُ، 
والدّعْسُ الفظيعُ 
لِلرّعاعِ على مَسْلكي .
حين أرفعُ عينيّ نَحوكِ 
فكما لوْ أنّ العالمَ قدِ ارتعشْ 
وَنيرانُ الحُبِّ تُشْبهُ 
مُداعباتِ زوجِكِ .
من ديوان ( نصوص من المرحلة السوريالية )*
________________
الحالِمُ السَّيِّىء
أحلامي هي قبل أيِّ شيء عبارةٌ عن مَشروبٍ رُوحِي، نوع من ماءِ الغثيان حيث أرتمي والذي يَجرفُ حُبَيْباتِ الْبَلَقِ الدموية .
لا في حياة أحلامي، وَلا في حياة حياتي أصِلُ إلى مستوى قيمةِ بعض الصور، ولا أطمَئنُ إلى امْتدادي. 
كلُّ أحلامي هي بِلاَ مَخرَج، بِلاَ قلعةٍ مُحَصّنَة، بِلا خارطةِ مدينة. رائحةُ عُفونةٍ حقيقية لأعضاءٍ مَبْتورَة . 
زِدْ على ذلك، أنني جِدُّ مُخْبَرٍ بِخصوص فِكري كيْ لاَيَهُمّني شيءٌ من كُلِّ هذا الذي يَحدثُ له: لا أطلبُ إلا شيئاً واحداً، هوأنْ يَتِمَّ حَجْزي نِهائياً داخِلَ فِكري . أما المَظهَرُالفيزيقي لأحلامي، لقد قلتُ لكُمْ ذلك : عبارةٌ عن مَشروبٍ رُوحِي .
من ديوان ( نصوص من المرحلة السوريالية )*
_______________
الزقاق
زُقاقُ الْجِنْسِ يَنْشُطُ 
على امْتِدادِ الواجِهاتِ سَيِّئةِ الْمَقْدَم، 
وَالمقاهي التي تَلْهَجُ بِالجرائم 
تَقْتلِعُ الشوارعْ .
أيْدي الجِنس تَحْرِقُ الجُيوبْ 
والبُطونُ تَغْلي من أسْفَل ؛ 
جميعُ الأفكارِ تَتَصادَمْ، 
وَالرؤؤسُ أقلُّ منَ الْحُفَرْ.
من ديوان ( نصوص من المرحلة السوريالية )*
____________________
أنتونان أرتو ( فرنسا ) /Antonin Artaud (France)
(1896، مارسيليا – 1948، إيفري على نهرالسين )

أنتونان أرتو( إسمُهُ الكامل، أنطوان ماري جوزيف أرتو)، شاعرفرنسي مثيروغريب الأطوار، أيضا رسام، روائي، باحث وكاتب مقالات، مُنظِّروممثل ومخرج مسرحي . يَنحدرُ أرتو من أسرة ميسورة، لكن طفولته المُدللة ستتأثر بظهوراضطرابات عصبية مصحوبة بآلام جسدية لاتُطاق، والتي تطلبتْ منه علاجاتٍ مَدى الحياة . 
عُرف بحماستِه لبودلير، وللثقافة اليونانية، وتاريخ الأديان. بدأ الكتابة بمجرد مجيئه إلى باريس عام1920. وفي عام1924، سينضم إلى الجماعة السوريالية، ويُعيّنُهُ الشاعر أندريه بروتون مديرا لمكتب الأبحاث السوريالية. ويعمل بنشاط في مجلة ” الثورة السوريالية “، التي نشرَفيها عدة مقالات وقصائد شعرية له . 
في عام1927، سيُؤسس صحبة روجيه فيتراك وَروبيرأرون مسرح ( ألفْريد جاري). ثم يكتب عدة سيناريوهات للسينما، ويُمثل عدة أدوار في أفلام قصيرة. لكن هذه الأعمال لم تُحقق له سوى نجاحات قليلة.في عام 1931، سيكتشف الشاعرمسرح ” بالي” بأندونيسيا، والإمكانات الهائلة للمسرح الشرقي الآسيوي. ثم كتابتُه لِبيان ” مسرح القسوة “عام 1932، وَبيان ” المسرح ومُضاعفُه “عام 1938(وهوعبارة عن رسائل ونصوص ومؤتمرات حول المسرح كتبها مابين 32و1935) ستُحقق لتجربته الفنية تأثيرا كبيرا. ويعتمد مسرح أرتو، الذي طوّرَنظرية جد شخصية، على الضحك والسخرية. 
في عام 1936، سيزورالشاعرالمكسيك، وخمسة عشريوما قبل زيارته لإيرلنداعام1937، سيُصدِركتابَه (الرؤى الجديدة للوجود) دون ذكرإسمِه كمؤلف. وبعد عودته من إيرلندا، سيتم حَجزُهُ في مَلجَىءٍ لِلأمراض النفسية والعقلية لمدة عشرسنوات (مابين روان وَ رودِسْ)، ثم يُعاد إلى الحياة العامة في عام 1946، بعد عدة تدخلات من أصدقائه الفنانين والكتاب والشعراء. اعتُبِرَأرتو شاعراً مَلعوناً، وخَطراًعلى نفسه وعلى الآخرين، لذلك انكفأ على ذاته في عزلته إلى أن توفي بباريس دون أن يَبلُغَ بعد سِن الثانية والخمسين .
من أهم أعماله الإبداعية : (فان غوغ أو مُنتحِرُالمجتمع )- (الثقافة الهندية)- (سُرّةُ الْيَمْبوسْ)- (ثِقلُ الأعصاب)- (شذرات من يوميات الجحيم)- ( الفن والموت )- ( نصوص من المرحلة السوريالية ).. 
________________
شاعر ومترجم من المغرب ** 

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *